« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط /الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

 

كان الكلام في الايراد الثاني على التقريب الثاني، وهو ما عن فوائد الأصول، وحاصله:

إنَّ استصحاب عدم تعلق الأمر بالمركب هو من استصحاب عدم الجعل، ولا يجري لعدم ترتب أثر عليه لا وجوداً ولا عدماً، وكل الآثار المتصورة إنما تترتب على المجعول، فإن أريد باستصحاب عدم الجعل نفي المجعول فيكون أصلاً مثبتاً، لأنَّ ترتب المجعول على الجعل وترتب عدم المجعول على عدم الجعل ليس ترتباً شرعياً وإنما هو ترتب عقلي للملازمة بينهما.

وإن أريد باستصحاب عدم الجعل نفي الجعل فقط وباستصحاب الجعل إثباته كذلك فلا ثمرة له، إذ لا يترتب على ذات الجعل أثر لا شرعاً ولا عقلاً، وعليه فلا يجري استصحاب عدم الجعل.

وأجاب عنه المحقق العراقي بالتفصيل في الأثر غير الشرعي الذي يراد إثباته فإنه تارة يكون أثراً للمستصحب بوجوده الواقعي كنبات اللحية بالنسبة الى بقاء الحياة، وأخرى يكون أثراً للمستصحب بوجوده الأعم من الواقعي والظاهري كحكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية، وعلى الأول يكون الأصل مثبتاً، وعلى الثاني يثبت بالاستصحاب الوجود الظاهري للمستصحب، ويترتب عليه الأثر العقلي، ولا يكون الأصل بلحاظه مثبتاً.

وما نحن فيه من هذا القبيل لأنَّ استصحاب بقاء الجعل يترتب عليه المجعول – أي صيرورة الحكم فعلياً عند تحقق موضوعه – وهو أثر مترتب على الوجود الأعم من الواقعي والظاهري للجعل، وكذا يترتب نفي المجعول على عدم الجعل بوجوده الأعم من الواقعي والظاهري، فكما إذا أحرزنا عدم الجعل يترتب عليه عدم المجعول كذلك إذا استصحبنا عدم الجعل يترتب عليه عدم المجعول.

وفي محل الكلام يقول المحقق النائيني إنَّ استصحاب عدم الجعل لا تترتب عليه الآثار، ويجيب المحقق العراقي بأنَّ الآثار تترتب على المجعول وباستصحاب عدم الجعل يمكن إثبات عدم المجعول، ولا يكون هذا الاستصحاب أصلاً مثبتاً، وهو كاستصحاب عدم الحكم الشرعي لنفي الحكم العقلي بحسن الطاعة وقبح المعصية، وهذا الأثر من آثار عدم الحكم الأعم من الواقعي والظاهري.

وهذا البحث - أي استصحاب عدم الجعل - محل خلاف ويترتب على القول بجريانه أثر مهم، وهو عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، لأنَّ استصحاب المجعول معارض دائماً باستصحاب عدم الجعل، وعلى هذا الأساس أُنكر جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، وتوضيح ذلك:

إذا شككنا في حكم الاستمتاع بالحائض بعد النقاء وقبل الاغتسال فيمكن استصحاب المجعول المتيقن - وهو بقاء الحرمة الفعلية قبل النقاء - الى ما بعد النقاء وقبل الاغتسال، لكن المحقق النراقي صاحب المستند - وتبعه جماعة منهم السيد الخوئي - قال بأنَّ استصحاب المجعول معارَض باستصحاب عدم جعل الحرمة في فترة ما بعد النقاء وقبل الاغتسال ويمنع من جريانه، فاستصحاب الحكم المجعول في الشبهة الحكمية معارَض دائماً باستصحاب عدم الجعل، وعلى هذا الأساس أنكروا جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

لكن المحقق النائيني يقول بعدم جريان استصحاب عدم الجعل لعدم ترتب أثر عليه كما تقدم، ويترتب على ذلك جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية لعدم المعارض.

وأما المحقق العراقي فقال بترتب الأثر على استصحاب عدم الجعل وهو نفي المجعول، وليس الاستصحاب بلحاظ نفي المجعول أصلاً مثبتاً، وحينئذٍ يقع التعارض بينه وبين استصحاب بقاء المجعول.

والظاهر أنه لا إشكال عندهم في أنَّ الآثار الشرعية والعقلية تترتب على المجعول لا على الجعل، وإنما النزاع في إمكان إثبات المجعول باستصحاب الجعل وإثبات عدم المجعول باستصحاب عدم الجعل.

وبعبارة أخرى إنَّ الأصل الجاري في الجعل لإثبات المجعول والأصل الجاري في عدم الجعل لإثبات عدم المجعول هل يكون أصلاً مثبتاً أو لا؟

فإن قلنا إنه يكون أصلاً مثبتاً فاستصحاب الجعل واستصحاب عدمه لا يترتب عليه أي أثر، وإن قلنا أنه ليس أصلاً مثبتاً فحينئذٍ يجري استصحاب الجعل ويثبت به المجعول وآثاره، ويجري استصحاب عدم الجعل ويثبت به عدم المجعول وآثاره.

اختار الثاني المحقق العراقي وأنَّ اشكال المثبتية غير وارد، وعلله بأنَّ الحكم المجعول يترتب على الجعل بوجوده الأعم من الواقعي والظاهري، كما أنَّ نفي المجعول يترتب على نفي الجعل بوجوده الأعم من الواقعي والظاهري، وكأنه يرى أنَّ ما نحن فيه من قبيل حكم العقل بحسن الطاعة وقبح المعصية المترتب على الحكم الشرعي بوجوده الأعم من الظاهري والواقعي، فإذا ثبت الحكم الشرعي ظاهراً بدليل شرعي معتبر كالاستصحاب ثبت حكم العقل بوجوب طاعته وقبح معصيته، فهل محل الكلام من هذا القبيل أو لا؟

أي أنَّ فعلية الحكم بعد تحقق موضوعه هل هو من آثار الوجود الواقعي للجعل أو هو من آثار الوجود الأعم من الواقعي والظاهري للجعل، فعلى الثاني يصح كلام المحقق العراقي وعلى الأول لا يصح كلامه.

logo