« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط /الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

 

الاستدلال بالاستصحاب:

ثم إنه قد يُستدل بالاستصحاب في محل الكلام إما لإثبات الاشتغال ووجوب الاتيان بالأكثر وإما لإثبات البراءة وعدم وجوب الاتيان بالأكثر، أما الأول فتقريبه بأن يقال إنَّ الوجوب المردد بين الأقل والأكثر هو في الواقع وجوب مردد بين ما هو مقطوع الارتفاع وبين ما هو مقطوع البقاء، فعلى تقدير أن يكون الواجب هو الأكثر فبعد الاتيان بالأقل يكون مقطوع البقاء، وعلى تقدير أن يكون الواجب هو الأقل يكون مقطوع الارتفاع، فيدخل المقام في استصحاب الكلي من القسم الثاني - وهو تردد الكلي بين فردين أحدهما مقطوع البقاء والآخر مقطوع الارتفاع - ولا إشكال في جريانه، ويتردد الوجوب المعلوم سابقاً بين ما هو مقطوع البقاء وما هو مقطوع الارتفاع، لأنه على تقدير وجوب الأكثر فهو باقٍ قطعاً بعد الاتيان بالأقل، وعلى تقدير وجوب الأقل فهو مرتفع قطعاً بعد الاتيان بالأقل، فيشك المكلف بعد الاتيان بالأقل في بقاء التكليف المتيقن، وبعد جريان الاستصحاب والحكم ببقاء التكليف تعبداً يحكم العقل بلزوم الاتيان بالأكثر تحصيلاً للعلم بالفراغ، وهذا نظير الحدث المردد بين الأكبر والأصغر فإنَّ المكلف بعد الوضوء يدور أمر الحدث المردد لديه بين أن يكون مقطوع البقاء على تقدير أن يكون هو الحدث الأكبر وبين أن يكون مقطوع الارتفاع على تقدير أن يكون هو الحدث الأصغر فيجري استصحاب كلي الحدث ويترتب عليه آثاره، ولا تترتب آثار الفرد لعدم جريان الاستصحاب فيها.

وأجيب عنه بجوابين:

الجواب الأول هو أنَّ غاية ما يثبت بهذا الاستصحاب هو التعبد ببقاء الجامع، ومن الواضح أنه لا يزيد على العلم الوجداني بالجامع المردد، وقد عرفت أنه لا يُنجِّز إلا الأقل دون الزائد، وبعد الاتيان بالأقل لا يُنجِّز التعبد ببقاء الجامع ما زاد على الأقل.

الجواب الثاني هو أن يقال إنَّ هذا الاستصحاب على تقدير جريانه معارض باستصحاب عدم جعل التكليف بالأكثر، وهما متنافيان فيسقط استصحاب جامع التكليف إما للمعارضة وإما للحكومة، أما المعارضة فللتنافي بين بقاء جامع التكليف بعد الاتيان بالأقل وبين عدم تعلق التكليف بالأكثر.

وأما الحكومة فيقال في بيانها إنَّ استصحاب عدم تعلق التكليف بالأكثر يرفع الشك في بقاء الجامع تعبداً، وبعبارة أخرى إنَّ الشك في بقاء الجامع مسبب عن الشك في تعلق التكليف بالأكثر فإذا جرى الاستصحاب وأثبت عدم تعلق التكليف بالأكثر فحينئذٍ يرتفع الشك في بقاء الجامع بعد الاتيان بالأقل تعبداً، وهو معنى الحكومة.

وهذا الجواب تام باعتبار المعارضة وليس تاماً باعتبار الحكومة، فهنا دعويان:

أما المعارضة فواضحة لأنَّ مرجعها الى تعلق التكليف بالأكثر أو عدم تعلقه به، وهما متنافيان.

وأما الحكومة فلأنها تتوقف على ترتب الجامع على الفرد نفياً وإثباتاً ترتباً شرعياً حتى يكون الأصل النافي للفرد – وهو استصحاب عدم تعلق التكليف بالأكثر – نافياً للجامع وحاكماً على الأصل الجاري في الجامع، ومن الواضح أنَّ الترتب المذكور عقلي وليس شرعياً فيكون الاستصحاب أصلاً مثبتاً.

قد يقال: إنَّ استصحاب عدم تعلق التكليف بالأكثر معارض باستصحاب عدم تعلقه بالأقل فيتساقطان، فنرجع الى استصحاب بقاء الجامع ويثبت الاشتغال بوجوب الاتيان بالأكثر.

ويلاحظ عليه: بأنَّ المفروض في المقام هو عدم جريان هذا الاستصحاب – أي استصحاب عدم تعلق التكليف بالأقل – لأنَّ وجوب الأقل معلوم على كل حال فلا يعارض استصحاب عدم تعلق التكليف بالأكثر.

هذا هو الاستدلال بالاستصحاب على الاشتغال ووجوب الأكثر، وتبين أنه لا يصح الاستدلال به على ذلك.

وأما الاستدلال بالاستصحاب على البراءة وعدم وجوب الأكثر فله تقريبان:

التقريب الأول وهو استصحاب عدم لحاظ الأكثر حين جعل التكليف، فإنَّ اللحاظ أمر وجودي مسبوق بالعدم فيستصحب عدمه، ويثبت به الاقتصار على الأقل وهو معنى البراءة وعدم وجوب الأكثر.

وأورد عليه:

أولاً: بأنَّ عدم لحاظ الأكثر ليس حكماً شرعياً ولا موضوع لحكم شرعي حتى يجري فيه الاستصحاب وهو شرط في جريانه.

وفيه: إنَّ هذا الاشكال مبني على اعتبار ذلك في جريان الاستصحاب، ولكن الصحيح عدم اعتباره، ويكفي صحة التعبد الاستصحابي أن ينتهي الى التنجيز والتعذير وإن لم يكن حكماً شرعياً ولا موضوع لحكم شرعي.

والسؤال في المقام إنَّ الاستصحاب في محل الكلام هل ينتهي الى التنجيز أو التعذير أو لا؟

قد يقال إنه ينتهي الى التعذير والبراءة عن وجوب الأكثر، فلا مانع من جريانه، نعم يقع الكلام في أنَّ حكم العقل بالمعذرية هل يكفي فيه مجرد عدم لحاظ الأكثر أو يتوقف على لحاظ الأقل، فعلى الأول يجري الاستصحاب وتترتب عليه المعذرية، وعلى الثاني لا يجري ولا يترتب هذا الأثر العقلي.

logo