« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

 دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

 

انتهينا الى أنَّ المحقق الخراساني والمحقق النائيني ذهبا الى جريان البراءة في محل الكلام، وخالفهما السيد الخوئي حيث ذهب الى عدم جريانها، لأنَّ عمدة ما ذُكر مانعاً من جريان البراءة العقلية أمران: الأول لزوم تحصيل الغرض، والثاني العلم الإجمالي بوجوب الأقل المردد بين الطبيعة المطلقة وبين الطبيعة المقيدة.

أما المانع الأول فكما يمنع من جريان البراءة العقلية فكذلك يمنع من جريان البراءة الشرعية، وقرَّبَه بأنَّ البراءة الشرعية لا يمكنها احراز تحقق الغرض عند الاتيان بالأقل بتوسط اجراء البراءة الشرعية لنفي وجوب الأكثر، وذلك لأنَّ نفي وجوب الأكثر تارة يكون بأمارة شرعية، وأخرى يكون بأصل عملي، والثاني هو محل الكلام، فيقال إنَّ لازم عدم وجوب الأكثر هو تحقق الغرض بالإتيان بالأقل، لكنه لازم عقلي لا يثبت بأصالة البراءة، نعم لو ثبت بالأمارة فهي حجة في مدلولها الالتزامي - وهو احراز الغرض عند الاتيان بالأقل - كما هي حجة في مدلولها المطابقي - وهو عدم وجوب الأكثر -، وعليه لا يمكن للمكلف أن يحرز تحقق الغرض بإجراء البراءة الشرعية في محل الكلام لأنه من الأصل المثبت.

وأما المانع الثاني فهو إذا منع من جريان البراءة العقلية بالبيان السابق منع كذلك من جريان البراءة الشرعية، لأنَّ جريانها في الأكثر – أي تقيُّد الأقل بالجزء العاشر- لا يُثبت تعلق التكليف بالأقل على نحو الاطلاق إلا على القول بالأصل المثبت، وذلك باعتبار أنَّ التقابل بين الاطلاق والتقييد الثبوتيين هو تقابل التضاد ومعه يمكن اثبات الاطلاق بنفي التقييد بالأصل، لكنه لازم عقلي فيكون الأصل بلحاظه مثبتاً، وعليه لا ينحل العلم الإجمالي، فلا تجري البراءة الشرعية كما لا تجري البراءة العقلية.

ويلاحظ عليه: إنَّ كُلاً من المحقق النائيني وتلميذه السيد الخوئي قدس سرهما ربطا هذه المسألة – أي أنَّ الاطلاق هل يثبت بجريان البراءة عن التقييد أو لا - بمسألة إمكان التفصيل بين البراءتين - العقلية والشرعية - أو عدم إمكانه، فإن قلنا إنه لا يثبت به الاطلاق فلا تجري البراءة الشرعية لعدم انحلال العلم الإجمالي، لأنَّ انحلاله يكون بإحراز الاطلاق والمفروض أنَّ البراءة هنا لا يثبت بها الاطلاق، وهذا العلم الإجمالي غير المنحل يمنع من جريان البراءة في الأكثر.

وإن قلنا بأنَّ اجراء البراءة لنفي التقييد يثبت بها الاطلاق فحينئذٍ تجري البراءة الشرعية إما لعدم المعارض بناءً على الاقتضاء لأنَّ المفروض أنَّ البراءة في أحد الطرفين – وهو التقييد – أثبتت الطرف الآخر – وهو الاطلاق – فلا تجري فيه البراءة، وإما لأنَّ العلم الإجمالي ينحل بقيام منجِّز في أحد طرفيه باعتبار أنَّ البراءة بجريانها في أحد الطرفين – وهو الأكثر - نجَّزت الطرف الآخر – وهو الأقل – بناءً على العلية التامة.

ثم إنهما ربطا هذه المسألة – الاطلاق هل يثبت بجريان البراءة عن التقييد أو لا - بمسألة أخرى وهي أنَّ الاطلاق هل هو عبارة عن عدم القيد أو هو أمر وجودي مضاد للتقييد؟

فعلى الأول تجري البراءة ويثبت الاطلاق، وعلى الثاني لا تجري البراءة ولا يثبت الاطلاق، وذهب المحقق النائيني الى الأول فالتزم بالتفصيل بين البراءتين، وذهب السيد الخوئي الى الثاني فالتزم بعدم التفصيل، لأنَّ الاطلاق لا يثبت بإجراء البراءة لنفي التقييد إلا على الأصل المثبت كما مرَّ.

الملاحظة عليه:

ويمكن أن يلاحظ على هذا الربط بين المسائل المتقدمة بأنَّ أصالة البراءة الشرعية لا يمكن أن يثبت بها الاطلاق حتى إذا قلنا بأنَّه عبارة عن عدم التقييد، والسر فيه هو أنها أصل عملي ليس له نظر الى الواقع، ومدلوله هو نفي وجوب الاحتياط في مقام العمل عند الشك والحيرة.

وبعبارة أخرى إنَّ الأصل العملي مدلوله نفي المشكوك ظاهراً، ومن الواضح إنَّ هذا المدلول لا يثبت به الاطلاق الثبوتي في الواقع، نعم لو كان ما ننفي به وجوب الأكثر له نظر الى الواقع كالأمارة لأمكن اثبات الاطلاق الثبوتي.

وعليه إذا فرضنا عدم جريان البراءة العقلية وعدم انحلال العلم الإجمالي فلا يمكن إثبات الأمر المطلق بالأقل بإجراء البراءة الشرعية في الأكثر حتى يدعى انحلال العلم الإجمالي حكماً لأنَّ البراءة غير ناظرة الى الواقع.

وهذا الاعتراض على المحقق النائيني مبني على أن يكون مراده هو الاطلاق الثبوتي، وأما إذا أراد اثبات الاطلاق الظاهري وأنَّ الواجب في حق المكلف ظاهراً مطلق - أي التسعة المطلقة - فلا يرد عليه هذا الاعتراض لأنَّ كون أصالة البراءة غير ناظرة الى الواقع لا ينافي الاطلاق الظاهري لأنه عبارة عن التأمين من ناحية الجزء المشكوك وهذا التأمين مدلول مطابقي لدليل البراءة فيثبت به.

 

logo