46/05/21
دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين
الاعتراض الثاني: إنَّ انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي إنما يتم إذا تعلق العلم التفصيلي بأحد طرفي العلم الإجمالي، وفي المقام لم يتعلق بأحدهما لأننا نعلم اجمالاً بالوجوب الاستقلالي للأقل أو الوجوب الاستقلالي للأكثر، وأما المعلوم بالعلم التفصيلي فهو الوجوب النفسي للأقل الأعم من أن يكون استقلالياً أو ضمنياً، وليس هذا هو أحد طرفي العلم الإجمالي.
وفيه: إنَّ الاستقلالية في المعلوم بالإجمال ليست أمراً قابلاً لاشتغال الذمة بها وإنما هي مجرد حد للوجوب لبيان أنَّه لا يشمل الجزء العاشر، والذي تشتغل به الذمة هو ذات الواجب النفسي بلا قيد الاستقلالية، وحينئذٍ يقال بأننا نعلم تفصيلاً بتعلق الوجوب النفسي بالأقل على كل حال وهذا يعني تعلق الوجوب النفسي بأحد طرفي العلم الإجمالي.
بل الصحيح أنه لا يتشكل علم إجمالي من البداية، فلا معنى لأن نقول أنَّ العلم الإجمالي يمنع من جريان البراءة ثم يُبحث عن انحلاله، وإنما هناك شك في وجوب الجزء العاشر، بمعنى أننا نعلم بوجوب الأقل ونشك في وجوب الزائد، فلا علم اجمالي في البين.
ومن هنا يظهر أنَّ ما ذُكر ليس مانعاً من جريان البراءة في المقام، أولاً لعدم وجود علم إجمالي وإنما هناك علم بوجوب الأقل وشك بوجوب الزائد.
وثانياً لو تنزلنا وسلمنا وجود العلم الإجمالي فهو منحل بالعلم التفصيلي بالوجوب النفسي للأقل والشك فيما زاد عليه كما هو مقتضى الجواب الثاني.
هذا كله في المانع الأول.
المانع الثاني من جريان البراءة هو دعوى أننا لو سلمنا انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل إما استقلالاً أو ضمناً فإنَّ نفس هذا العلم التفصيلي يستلزم اشتغال الذمة بمعلومه وإذا اشتغلت به الذمة فلا بد من الفراغ اليقيني وهو لا يحصل إذا اقتصر على الأقل لأنه على تقدير كونه وجوبه ضمنياً فلا يسقط إلا بالإتيان بالأكثر للترابط بين الوجوبات الضمنية، نعم على تقدير كون وجوبه استقلالياً يسقط إذا جاء بالأقل لكنه مجرد احتمال، وعليه لا بد من الاتيان بالأكثر لتحصيل اليقين بفراغ الذمة عما اشتغلت به، وهذا يعني عدم جريان البراءة لنفي وجوب الزائد.
وأجيب عنه: بأنَّ ما ذكر ناشئ من الخلط بين سقوط التكليف الذي اشتغلت به الذمة واقعاً وبين سقوطه بحكم العقل، وما يجب على المكلف هو الثاني، لا الأول الذي يتوقف على الاتيان بالأكثر، وذلك لأنَّ ما يحكم به العقل هو الاتيان بما عُلم تعلق التكليف به فراراً من العقاب المحتمل وليس ذلك إلا الأقل، لأنه الذي يُعلم بتعلق التكليف به دون الأكثر، وأما الأول فهو ليس من الواجبات العقلية ولا الواجبات الشرعية.
والحاصل: إنَّ سقوط التكليف واقعاً وإن كان يدور مدار الاتيان بمتعلقه مع جميع ما يُحتمل اعتباره فيه، وهو في المقام يتوقف على الاتيان بالأكثر إلا أنَّ ذلك مما لا يحكم العقل بلزومه ولا دليل شرعي على لزومه، وما يحكم العقل بلزومه هو الاتيان بما عُلم تعلق التكليف به، وهذا لا يتوقف على الاتيان بالأكثر بل يكفي فيه الاتيان بالأقل لأنه هو الذي عُلم بوجوبه وأنَّ تركه يستلزم احتمال العقاب، وأما الزائد على ذلك فلا يُعلم بوجوبه وليس في تركه احتمال العقاب بناءً على مسلك قبح العقاب بلا بيان.
المانع الثالث من جريان البراءة هو ما أشار إليه الشيخ في الرسائل، وهو مختار صاحب الكفاية ظاهراً، وحاصله:
إذا سلمنا انحلال العلم الإجمالي فلا يعود صالحاً للمانعية، ولكننا لا نسلم هذا الانحلال من ناحية الغرض، لأن مشهور العدلية ذهبوا الى أنَّ التكاليف تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها، فالداعي الى أمر المولى بشيء هو المصلحة المترتبة على هذا الفعل، والداعي الى أن ينهى الشارع عن شيء هو المفسدة المترتبة على الاتيان بذلك الفعل، وحيث أنه يجب تحصيل غرض المولى بحكم العقل فلا محيص من الاحتياط بالإتيان بالأكثر إذ لا يُعلم حصول الغرض إلا بذلك، وإلا إذا اقتصر على الأقل فلا علم بحصول الغرض لاحتمال دخل الزائد في حصوله.
والحاصل: إنَّ الشك بلحاظ الغرض يرجع الى الشك في المُحصِّل وهو مورد لقاعدة الاشتغال فيجب الاتيان بالأكثر تحصيلاً للغرض.