« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين/ أصالة الاحتياط / الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/ أصالة الاحتياط / دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

 

كان الكلام في الموانع من جريان البراءة في فرض دوران بين الأقل والأكثر بحسب الأجزاء بعد الفراغ من وجود المقتضي لجريانها، وهو تحقق موضوعها أي احتمال العقاب بالنسبة للبراءة العقلية والشك في التكليف الواقعي بالنسبة للبراءة الشرعية.

ذكرنا المانع الأول وهو دعوى العلم الإجمالي بوجوب إما الأقل وإما الأكثر فيمنع من جريان البراءة في أحد أطرافه، ثم ذكرنا الجواب الأول عنه نقلاً عن الشيخ الأنصاري، وحاصله هو أنَّ هذا العلم الإجمالي منحل بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل – إما بوجوب نفسي وإما بوجوب غيري - والشك في وجوب الزائد فلا يمنع من جريان البراءة.

وذكرنا جواب هذا الوجه فيما تقدم.

الوجه الثاني: إنَّ العلم الإجمالي المدعى منحل بالعلم تفصيلاً بالوجوب النفسي للأقل إما بالوجوب الاستقلالي على تقدير عدم دخل الجزء الزائد وإما بالوجوب الضمني على تقدير دخل الجزء الزائد، وإنما الشك في امتداد الوجوب الى الجزء الزائد، ومن الواضح إنَّ هذا المعلوم بالتفصيل - أي الوجوب النفسي للأقل - هو أحد طرفي العلم الإجمالي، والآخر هو الوجوب بالنفسي المتعلق بالأكثر، فينحل العلم الإجمالي ولا مانع من جريان البراءة في محل الكلام.

وهذا الوجه كالوجه السابق لكن مع استبدال الوجوب النفسي والوجوب الغيري بالوجوب الاستقلالي والوجوب الضمني.

الاعتراضات على الوجه الثاني:

الاعتراض الأول: وهو ما يفهم من كلام صاحب الحاشية على المعالم، وحاصله إنَّ العلم التفصيلي بوجوب الأقل إما استقلالاً أو ضمناً لا يوجب انحلال العلم الإجمالي لأنَّ أطرافه هي إما التسعة المقيدة بالجزء العاشر إما التسعة المطلقة، ومن الواضح أنَّ المطلق والمقيد متباينان، والعلم التفصيلي المذكور ليس علماً بأحدهما إذ لا علم بوجوب التسعة المقيدة كما لا علم بوجوب التسعة المطلقة، وإنما العلم بوجوب مردد متعلقه بين التسعة المطلقة أو التسعة المقيدة ولا علم بأحدهما.

والحاصل: إنَّ الدوران في المقام ليس بين الأقل والأكثر وإنما هو بين المتباينين، ولا علم تفصيلي بأحد الطرفين حتى يوجب الانحلال.

ويلاحظ عليه: إنَّ الصحيح كما ذُكر من أنَّ الأمر يدور بين وجوب التسعة المطلقة والتسعة المقيدة، وهما متباينان لأنَّ التسعة المقيدة هي الماهية بشرط شيء، والتسعة المطلقة هي الماهية لا بشرط وهما متباينان، إلا أنَّ ذلك لا ينافي كون الدوران في الواقع هو بين الأقل والأكثر، وتوضيح ذلك:

إنَّ الاطلاق في أحد طرفي العلم الإجمالي تارة يفرض أمراً وجودياً وأخرى يفرض أمراً عدمياً على الخلاف المعروف في الأطلاق وهل هو لحاظ عدم القيد أو هو عدم لحاظ القيد، وعلى الأول يتحقق التباين لكنه بين اللحاظين واللحاظ هو معروض الوجوب في الذهن أولاً وبالذات، ولا يتحقق بين المحكي بهذا اللحاظ - وهو متعلق الوجوب ثانياً وبالعرض - ولا تباين بينهما وإنما هو من دوران الأمر بين الأقل والأكثر.

وبعبارة أخرى إنَّ ما يدخل في العهدة وما تشتغل به الذمة لا تباين بينهما، والنسبة بينهما هي نسبة الأقل والأكثر، وإن كان هناك تباين بين لحاظيهما، هذا بناءً على أنَّ الاطلاق أمر وجودي.

وأما إن كان الأطلاق أمراً عدمياً – كما هو الصحيح – فالتقابل بينهما هو تقابل الوجود والعدم، فحينئذٍ لا تباين بين الطرفين لأنَّ الأقل المقيد بالجزء العاشر المعروض للوجوب الضمني هو نفس الأقل المطلق المعروض للوجوب الاستقلالي مع إضافة لحاظ التقييد في الوجوب الضمني دون الاستقلالي فإنَّ الإضافة فيه غير موجودة.

والحاصل: إنَّ الملحوظ الداخل في العهدة مردد بين التسعة أو التسعة مع الجزء العاشر، والنسبة بينهما هي نسبة الأقل والأكثر كما هو واضح.

الاعتراض الثاني: هو أن يقال بأنَّ العلم التفصيلي لم يتعلق بأحد طرفي العلم الإجمالي فلا يوجب انحلاله، وذلك لأنَّ طرفاه هما الوجوب الاستقلالي للأقل والوجوب الاستقلالي للأكثر، والمعلوم بالتفصيل هو عبارة عن الوجوب المردد بين الاستقلالي وبين الضمني وليس مصداقاً للمعلوم بالإجمال.

 

logo