« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

 

تبين مما تقدم بأنَّ الوجوه الثلاثة المتقدمة للمنع من منجزية العلم الإجمالي الثاني لحرمة الملاقي غير تامة، فالصحيح هو أن يقال بأنَّ وجوب الاجتناب عن الملاقي يتنجَّز بالعلم الإجمالي الثاني كما يتنجَّز بالعلم الإجمالي الأول بناءً على فكرة السراية وأنَّ الاجتناب عن الملاقي من شؤون الاجتناب عن الملاقى.

هذا كله فيما إذا كان العلم الاجمالي بنجاسة أحد المائعين في الاناءين متقدماً زماناً على الملاقاة وعلى العلم بها، وأما إذا كان متأخراً عنهما كما إذا حصلت الملاقاة وعلم بها المكلف ثم علم اجمالاً بنجاسة الملاقى أو الطرف الآخر فهنا صور ثلاثة:

الصورة الأولى: أن يكون زمان المعلوم بالإجمال وزمان الملاقاة واحداً، وبعبارة أخرى أن لا يكون زمان المعلوم بالإجمال سابقاً على زمان الملاقاة، كما إذا كان الثوب في الاناء وعلم المكلف اجمالاً بنجاسة هذا الاناء أو الطرف الآخر.

وهذه الصورة فيها ثلاثة آراء:

الرأي الأول: وهو يستعين بما تقدم من الطولية بين الأصل في الملاقى والأصل في الملاقي، فيقال إنَّ الأصل في الملاقي لا تصل النوبة إليه إلا بعد سقوط الأصل في الملاقى، وهو إنما يسقط بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر وحينئذٍ يجري الأصل في الملاقي بلا معارض.

الرأي الثاني: إنَّ الطولية بين الأصلين لا تنفع في انحلال العلم الإجمالي بعد فرض اتحاد زمان المعلوم بالإجمال مع زمان الملاقاة، وذلك لوجود علمين اجماليين متعاصرين وهما العلم بنجاسة أحد الاناءين والعلم بنجاسة الثوب أو الطرف الآخر، فيكون نظير ما لو علمنا اجمالاً بوقوع نجاسة في الاناء الكبير أو في أحد الاناءين الصغيرين، فإنه كما يجب الاجتناب عن جميع الاطراف الثلاثة فكذلك يجب الاجتناب في محل الكلام عن الملاقى والملاقي والطرف الآخر.

الرأي الثالث: وهو ينكر الطولية أساساً بين الأصل الجاري في الملاقي والأصل الجاري في الطرف الآخر، لما تقدم من أنَّ المتأخر عن أحد المتساويين رتبة لا يستلزم التأخر عن مساويه، ومعه لا يجري الأصل في الملاقي بلا معارض.

وتقدم بأنَّ انكار الطولية بين الأصلين هو الصحيح، بل قلنا إنه حتى على تقدير الطولية فهي لا تكفي لانحلال العلم الإجمالي، نعم يجري الأصل في الملاقي لعدم المعارض إلا أنَّ ذلك غير انحلال العلم الإجمالي، وبسبب جريان الأصل في أحد أطرافه بلا معارض يفقد العلم الإجمالي تأثيره.

الصورة الثانية: أن يكون المعلوم بالإجمال سابق على زمان الملاقاة، كما إذا علمنا يوم السبت بأنَّ أحد الاناءين كان نجساً يوم الخميس، فزمان النجاسة هو يوم الخميس وزمان العلم هو يوم السبت، ونفترض أنَّ الثوب لاقى أحد الاناءين يوم الجمعة فهنا المعلوم بالإجمال سابق زماناً على زمان الملاقاة وإن كان العلم ليس كذلك.

وقد يقال في هذه الحالة بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي على أساس أنَّ المعلوم بالإجمال هو النجاسة يوم الخميس والملاقي ليس طرفاً في هذا العلم - لحصول الملاقاة بعد ذلك - فيكون الشك في نجاسة الملاقي شكاً في حدوث نجاسة جديدة غير النجاسة المعلومة بالإجمال المرددة بين الطرفين فنرجع الى الأصل لنفيها، وهو يعني عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي.

ويلاحظ عليه بأنَّ المعلوم بالإجمال في هذه الحالة وإن كان سابقاً بوجوده الواقعي على زمان الملاقاة إلا أنه مقارن له بوجوده العلمي – لعدم حصول العلم يوم الخميس بحسب الفرض – والتنجُّز من آثار العلم بالنجاسة لا من آثار وجودها الواقعي، وحيث أنَّ العلم الإجمالي متأخر زماناً عن الملاقاة فلا محالة يكون الملاقي من أطرافه، فيُعلم يوم السبت بنجاسة الملاقي والملاقى أو الطرف الآخر، فأطراف العلم تكون ثلاثة فيُنجِّز وجوب الاجتناب عن الملاقي ولا يجري فيه الأصل المؤمِّن.

الصورة الثالثة: وهي ما إذا كان العلم الإجمالي بعد الملاقاة لكن قبل العلم بالملاقاة، كما إذا علمنا اجمالاً بنجاسة أحد الاناءين يوم السبت ثم علمنا يوم الأحد بأنَّ الثوب لاقى أحدهما الجمعة، فالعلم الإجمالي زمانه السبت والملاقاة زمانها الجمعة والعلم بالملاقاة زمانه الأحد، وهنا يوجد رأيان:

الرأي الأول: وجوب الاجتناب عن الملاقي كما في الصورة الثانية لأنهما يشتركان في كون العلم الإجمالي متأخراً زماناً عن الملاقاة، فالملاقاة حاصلة عندما حصل العلم الإجمالي وهذا يستلزم أن يكون الملاقي من أطراف العلم الإجمالي، وذلك لأنَّ العلم الإجمالي بحدوثه يوم السبت وإن كانت أطرافه الملاقى والطرف الآخر لكنه بعد العلم بالملاقاة يوم الأحد ينقلب هذا العلم الى العلم بنجاسة الملاقي والملاقى أو الطرف الآخر، والتنجيز يدور مداره فتتساقط الأصول ويجب الاجتناب عن الجميع بما فيها الملاقي.

الرأي الثاني: لا يجب الاجتناب عن الملاقي كما هو الحال في الصورة الأولى لأنهما يشتركان في أنَّ العلم الإجمالي متقدم على العلم بالملاقاة، وحيث أنَّ التنجيز من آثار العلم بالنجاسة لا من آثار وجودها الواقعي كما تقدم فالملاقاة يوم الجمعة لا يترتب عليها أثر لأنها غير معلومة يوم الجمعة وإن علم بها يوم الأحد، وعليه إذا حصل العلم الإجمالي يوم السبت يتساقط الأصلان في الطرفين الملاقى والطرف الآخر ويتنجَّز التكليف ويجب الاجتناب عنهما، ولا أثر للعلم بالملاقاة يوم الأحد لأنه وإن كان يوجب العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر إلا أنه لا أثر له بالنسبة الى الطرف الآخر لتنجُّز التكليف فيه بمنجِّز آخر وهو العلم الإجمالي الأول الحاصل يوم السبت فلا مانع من الرجوع الى الأصل في الملاقي لما تقدم من أنَّ العلم الإجمالي يسقط عن التنجيز إذا كان أحد أطرافه منجَّز بمنجِّز سابق، فلا يجب الاجتناب عن الملاقي.

logo