« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

 الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

 

كان الكلام في الوجه الثالث الذي ذكره المحقق العراقي للمنع من تنجيز العلم الإجمالي الثاني لوجوب الاجتناب عن الملاقي، وبيانه:

إنَّ العلم الإجمالي الثاني منحل حكماً بالعلم الإجمالي الأول، وبعد انحلاله وسقوطه عن المنجزية لا مانع من الرجوع الى الأصول المؤمِّنة في الملاقي.

وهذه الفكرة مبنية على الطولية بين العلمين بنحو يكون الثاني ناشئاً من الأول، والتأثير يكون للعلم الأول ويسقط العلم الإجمالي الثاني عن التأثير، والسر فيه هو أنَّ التكليف بالاجتناب عن أحد الطرفين تنجَّز في المرتبة السابقة لأنَّ للعلم الإجمالي الأول نجَّز كلا طرفيه، وإذا تنجَّز الطرف الآخر به سقط العلم الإجمالي الثاني عن التأثير والمنجزية، إذ لا يمكن أن ينجِّز معلومه على كل تقدير، فعلى تقدير أن تكون النجاسة ساقطة في الطرف الآخر فقد تنجَّز بالعلم الأول، وأما العلم الثاني فلا أثر له لأنَّ المنجَّز لا يتنجز، فيجوز إجراء الأصل المؤمِّن في الملاقي.

وهذا الوجه ذكره المحقق العراقي بعد أن اعترض على المحقق النائيني بما تقدم في الوجه الثاني، وهو مبني على مسلك العلية التامة الذي اختاره والذي يمنع من جريان الأصل المؤمِّن في أحد الطرفين ولو لم يكن له معارض.

ويلاحظ عليه:

أولاً: أنَّ مسألة المتنجز لا يتنجز تصح في الأمور التكوينية فيقال الموجود لا يوجد، والميت لا يموت، والمولود لا يولد، ونحو ذلك، ولا تصح في محل الكلام وهو الأحكام العقلية الراجعة الى إدراك حق الطاعة وقبح المعصية، والحاكم بالمنجزية هنا هو العقل بعد إدراكه حق الطاعة في مورد من الموارد، فلا بد من الرجوع الى العقل لمعرفة أنه هل يحكم بالمنجزية في هذا المورد أم لا؟

لا إشكال في أنه لا يحكم بالمنجزية بل يحكم بالتأمين في موارد احتمال التكليف غير المقرون بالعلم الإجمالي، كما يحكم بالتنجيز والاشتغال في موارد احتمال التكليف المقرون بالعلم الإجمالي من دون أن يكون أحد طرفي العلم الإجمالي قد تنجز بمنجز سابق، وأما محل الكلام هو احتمال التكليف المقرون بالعلم الإجمالي مع كون أحد طرفيه تنجَّز بمنجِّز سابق فهل يحكم فيه بالتنجيز أو بالتأمين؟

القائلون بسقوط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز لأنَّ أحد طرفيه تنجَّز بمنجز سابق يدَّعون أنَّ العقل لا يحكم بالتنجيز في محل الكلام، لكنه يحكم بالتنجيز في مورد احتمال التكليف المقرون بالعلم الإجمالي من دون أن يكون أحد طرفيه قد تنجَّز بمنجز سابق، وهذه مفارقة بين الموردين، فكأنَّ تنجُّز أحد الطرفين بمنجِّز سابق يستدعي جعل التأمين ولا يستدعي ازدياد التنجيز كما هو مقتضى القاعدة!

ومن الواضح أنه على تقدير القول بقاعدة قبح العقاب بلا بيان فهي لا تجري في موارد العلم الإجمالي لتنجُّز التكليف فيها بالعلم، فإذا قلنا بجريان القاعدة في موارد العلم الإجمالي لمجرد تنجُّز أحد طرفيه بمنجِّز سابق كان ذلك ازدياد التأمين والعذر للمكلف مع أنَّ تنجُّز أحد الطرفين إن لم يوجب ازدياد التنجيز فهو على الأقل لا يوجب رفع التنجيز وإثبات التأمين.

فالصحيح هو أنَّ حكم العقل بالتأمين يختص بصورة احتمال التكليف غير المقرون بالعلم الإجمالي، وأما احتمال التكليف المقرون بالعلم الإجمالي فهو من موارد حكم العقل بالتنجيز سواء كان أحد طرفيه تنجَّز بمنجِّز سابق أو لا.

وقد يستشكل على هذه الملاحظة بأنّه اقحام لحكم العقل في المقام مع أنَّ الكلام ليس في جريان البراءة العقلية في الملاقي وإنما الكلام في جريان أصالة الطهارة الشرعية في الملاقي، فلا بد من الرجوع الى الدليل الشرعي لا إلى حكم العقل.

وجوابه هو إنَّ الكلام مع المحقق العراقي وهو يجعل جريان الأصل الشرعي بعد سقوط العلم الإجمالي الثاني عن المنجزية، والحاكم بذلك هو العقل، وبعد الرجوع الى مدركات العقل تبيّن أنه لا يحكم بالتأمين في موارد العلم الإجمالي من دون فرق بين أن يكون أحد الطرفين قد تنجَّز بمنجز سابق أو لا.

وثانياً: إنَّ هذا الوجه يبتني على دعوى أنَّ الطرف الآخر منجَّز بالعلم الإجمالي الأول في مرتبة سابقة فلا يقبل التنجيز مرة أخرى في مرتبة لاحقة بالعلم الإجمالي الثاني لأنَّ المتنجز لا يتنجز، وهذه الدعوى تتوقف على الطولية بين تنجيز العلم الإجمالي الأول للطرف الآخر وبين تنجيز العلم الإجمالي الثاني له، فإذا أثبتنا عدم الطولية بين التنجيزين فلا محالة يكونان في عرض واحد من حيث الرتبة، فهما من قبيل اجتماع سببين تامين على مسبب واحد ويكون كلاً منهما جزء المؤثر، أي أنَّ التنجيز يكون نتيجة لهما مجتمعين، وأما الدليل على عدم الطولية فحاصله:

إنَّ العلم الإجمالي الأول هو علة لأمرين لتنجيزه لأطرافه وللعلم الإجمالي الثاني، وهما في رتبة واحدة، والعلم الإجمالي الثاني علة لتنجيزه لطرفيه، فتنجيزه في رتبة متأخرة عن العلم الإجمالي الثاني، فهل يستلزم ذلك الطولية بين تنجيز العلم الإجمالي الأول وتنجيز العلم الإجمالي الثاني أو لا؟

الجواب: لا يستلزم ذلك لما تقدم من أنَّ تأخر شيء عن أحد المتساويين في الرتبة لا يستلزم تأخره عن مساويه، وعليه لا يأتي حديث أنَّ المنجَّز لا يتنجز.

 

logo