46/05/03
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء
الاعتراض الثالث على الوجه الأول:
وهو يرجع الى إنكار الطولية بين الأصل في الملاقي وبين الأصل في الملاقى إما لكونهما متوافقين بحسب النتيجة - بناءً على إنكار الطولية بين الأصلين المتوافقين ولو كانا استصحابين وهو مبنى في المسألة فإنَّ أثر الطولية بين الأصلين هو الحكومة وهي إنما تُعقل في الأصلين المتخالفين وما مع فرض توافقهما فلا حكومة - وإما لأنَّ الحكومة إذا سلمناها بين الاستصحابين فلا نسلِّمها بين أصالة الطهارة في الملاقي وأصالة الطهارة في الملاقى، فإنَّ الحكومة تثبت إما بملاك النظر الى الدليل المحكوم وإما بملاك رفع موضوع الأصل المحكوم تعبداً، وكل منهما غير موجود في أصالة الطهارة، فليست رافعة للشك لأنها غير ناظرة الى الواقع وإنما هي مجرد وظيفة للشاك لإخراجه من الحيرة، وليست كالاستصحاب الذي هو أصل محرز ناظر الى الواقع ويجعل اليقين تعبداً فيرتفع الشك تعبداً وهو معنى الحكومة، وكذا ملاك النظر غير موجود في المقام إذ لا علاقة بين أصالة الطهارة في الملاقى وبين أصالة الطهارة في الملاقي، فلا حكومة ولا طولية بينهما، وإنما الحكومة بين الأصلين المتخالفين.
هذه ثلاثة اعتراضات على الوجه الأول، وتبين أنَّ الاعتراض الثاني والثالث يرجعان الى انكار الطولية بين الأصل في الملاقي والأصل في الطرف الآخر، وكذا انكار الطولية بين الأصل في الملاقي والأصل في الملاقى، وأما الاعتراض الأول فهو مبني على الاعتراف بالطولية وإبراز أصل معارض لأصالة الطهارة في الملاقى.
وقد ذُكر في ثنايا الاعتراض الأول - الشبهة الحيدرية - ما يُستفاد منه وجود محذور في الالتزام بالطولية وحاصله:
أنه بعد سقوط أصالة الطهارة في الملاقى بمعارضتها بأصالة الطهارة في الطرف الآخر تصل النوبة الى أصل مسببي آخر وهو أصالة الحلية في الطرفين، إذ لا اشكال في أنَّ أصالة الحلية في الطرف الأول تقع في طول أصالة الطهارة فيه لأنَّ الشك في الحلية ناشئ من الشك في الطهارة، فالأصل الجاري في الشك في النجاسة والطهارة يكون أصلاً سببياً، والأصل الجاري في الشك في الحلية يكون أصلاً مسببياً، وإذا سقط الأصل السببي بالمعارضة مع الأصل السببي في الطرف الآخر تصل النوبة الى الأصل المسببي في الطرفيين وهو أصالة الإباحة في كل منهما، وحيث أنَّ أصالة الحلية في الطرفين في عرض أصالة الطهارة في الملاقي فتتعارض الأصول الثلاثة وتتساقط جميعاً وتصل النوبة الى أصالة الحلية في الملاقي، ولا مانع من اجرائها ولكننا ننتهي الى نتيجة غريبة وهي الحكم بجواز شرب الملاقي لأصالة الحل الجارية فيه مع عدم جواز الوضوء به لسقوط أصالة الطهارة بالمعارضة! وهذه النتيجة لا يمكن الالتزام بها، وهذا المحذور ناشئ من الالتزام بالطولية.
وعلى كل حال يُلاحظ على الاعتراض الأول بأنه مبني على الاعتراف بالطولية بين أصالة الطهارة في الملاقي وبين أصالة الطهارة في الملاقى، وكذا بينها وبين أصالة الطهارة في الطرف الآخر، أي أنَّ أصالة الطهارة في الملاقي متأخرة رتبة عن كل من أصالة الطهارة في الملاقى وأصالة الطهارة في الطرف الآخر حتى يصح أن يقال أنَّ النوبة لا تصل الى أصالة الطهارة في الملاقي إلا بعد سقوط أصالة الطهارة في الطرف الآخر بالمعارضة مع أصالة الطهارة في الملاقى، ولكن الصحيح عدم الطولية بين الأصلين المتوافقين كما في المقام إذا كانا يتمثلان بأصالة الطهارة إذ لا تتصور فيها الحكومة بأحد الملاكين المتقدمين.
هذا كله في الوجه الأول لبيان المانع من منجزية العلم الثاني لحرمة الملاقي.
الوجه الثاني: ما ذكره المحقق النائيني في فوائد الأصول وحاصله:
هناك مانع آخر يمنع من منجزية العلم الاجمالي الثاني لحرمة الملاقي وهو إنَّ هذا العلم الإجمالي الثاني يشترك مع العلم الإجمالي الأول في الطرف الآخر فيدخل في كبرى تقول إنَّ العلم الإجمالي لا يكون منجِّزاً إذا كان في بعض أطرافه ما يُثبت التكليف وينجّزه فيه في الرتبة السابقة عليه، فلا يجري فيه الأصل المؤمِّن مع جريان الأصل الفعلي المنجِّز فتبقى أصالة الطهارة في الملاقي بلا معارض فيسقط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز.
وهذا الوجه يُجري الأصل في الملاقي في طول سقوط العلم الإجمالي الثاني عن التنجيز، وأثره يظهر فيما لو منع مانع - في مقام الإثبات - من جريان أصالة الطهارة في الملاقي، فلا مانع حينئذٍ الرجوع الى البراءة العقلية فيه لسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز، أما الوجه الأول فلا يدعي السقوط وانحلال العلم الإجمالي الثاني وإنما يقول يبقى على حاله من اقتضاء التنجيز غاية الأمر أنَّ تأثيره في التنجيز مشروط بعدم المانع وهو جريان الأصل في أحدهما بلا معارض وهو في المقام أصالة الطهارة في الملاقي، فإذا منع مانع من جريانها في الملاقي فيتنجَّز الملاقي بالعلم الإجمالي ويمنع من جريان البراءة العقلية فيه.
وهذا الوجه يبتني على أمور:
أولاً على دعوى انحلال العلم الإجمالي بقيام منجِّز في أحد طرفيه، وذلك باعتبار أنَّ العلم الإجمالي إنما يكون منجِّزاً إذا كان علماً بالتكليف الفعلي المنجَّز على كل تقدير، وفي المقام العلم الإجمالي يكون منجِّزاً على تقدير أن تكون النجاسة في الملاقي دون الطرف الآخر لتنجزه في مرتبة سابقة فلا يكون العلم الإجمالي منجِّزاً على كل تقدير.