« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

 

الوجوه التي ادُعي مانعيتها من تنجيز العلم الإجمالي الثاني لوجوب الاجتناب عن الملاقي:

انتهينا الى أنَّ العلم الإجمالي الثاني – وهو العلم إجمالاً بأنَّ النجاسة إما في الملاقي وإما في الطرف الآخر - منجِّز لوجب الاجتناب عن الملاقي، ومن هنا فالذي يقول بعدم التنجيز عليه إثبات وجود ما يمنع من منجزية العلم الإجمالي للملاقي بعد الفراغ من وجود مقتضي التنجيز، فهنا وجوه:

الوجه الأول ما ذهب إليه الشيخ في رسائله من جريان أصالة الطهارة في الملاقي بلا معارض في الطرف الآخر، لأنَّ الأصل في الملاقي في طول الأصل في الملاقى وفي رتبة متأخرة عنه، لأنَّ الشك فيه مسببٌ عن الشك في الملاقى، فلا تصل النوبة إليه إلا مع عدم جريان الأصل في الشك السببي وسقوطه بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر، فيتساقط الأصلان في الملاقى وفي الطرف الآخر في رتبة سابقة على جريان الأصل في الملاقي، وإذا سقطا جرى الأصل في الملاقي بلا معارض، فلا يتنجَّز العلم الإجمالي.

وهذه الفكرة تعتمد على أمرين:

الأول: الطولية بين الأصل في الملاقي والأصل في الملاقى باعتبارهما أصلاً مسببياً وأصلاً سببياً.

الثاني: إنَّ الأصل في الملاقى هو في رتبة الأصل في الطرف الآخر بمقتضى كونهما طرفان لعلم إجمالي، فلا تصل النوبة الى الأصل في الملاقي إلا بعد سقوط الأصل في الملاقى بالمعارضة مع الأصل في الطرف الآخر.

وهذا الوجه يتوقف على القول بالاقتضاء حتى يكون جريان الأصل في الملاقي بلا معارض مانعاً عن التنجيز، وأما على العلية التامة فلا ينفع ذلك للمنع عن التنجيز لأنَّ الأصل لا يجري حينئذٍ في الملاقي حتى عدم وجود معارض له.

واعترض عليه بعدة اعتراضات:

الاعتراض الأول بما أشار اليه المحقق العراقي وأسماه بالشبهة الحيدرية[1] ، وحاصلها هو ابراز معارض لجريان الأصل في الملاقي يكون في عرضه، وهو أصالة الحل في الطرف الآخر، فإنها في طول أصالة الطهارة فيه لأنَّ الشك في حليته مسبب عن الشك في طهارته، فتكون أصالة الحلية في الطرف الآخر وأصالة الطهارة في الملاقي في مرتبة واحدة، لكون الشك في حلية الآخر مسبب عن الشك في طهارته، وكون الشك في طهارة الملاقي مسبب عن الشك في طهارة الملاقى.

هذا الاعتراض يعترف بالطولية بين أصالة طهارة في الملاقي وبين أصالة الطهارة في الطرف الآخر، ومن الواضح بأنَّ ما يكون متأخراً عن أحد المتساويين يكون متأخراً عن الآخر، وهو يعني أنَّ أصالة الطهارة في الملاقي متأخرة رتبة عن أصالة الطهارة في الطرف الآخر، إلا أنه غير نافع لوجود أصل آخر في رتبة أصالة الطهارة في الملاقي وهو أصالة الحل في الطرف الآخر، فيتعارضان ويتساقطان فيتنجز العلم الإجمالي.

الاعتراض الثاني: هو ما ورد في مصباح الأصول، وحاصله:

أننا إذا سلّمنا الطولية بين الأصل في الملاقي والأصل في الملاقى إلا أننا لا نسلِّم الطولية بين الأصل في الملاقي والأصل في الطرف الآخر حتى يقال: (إنَّ النوبة لا تصل الى الأصل في الملاقي إلا بعد سقوط الأصل في الملاقى بمعارضته مع الأصل في الطرف الآخر في مرتبة سابقة، وبعد سقوطهما يجري الأصل في الملاقي بلا معارض)، وذلك لأنَّ دعوى الطولية بين الأصل في الملاقي والأصل في الطرف الآخر ناشئة من دعوى أنَّ أصالة الطهارة في الملاقي لما كانت متأخرة عن أصالة الطهارة في الملاقى وكان الأصل في الملاقى مع أصالة الطهارة في الطرف الآخر في رتبة واحدة لزم كون أصالة الطهارة في الملاقي متأخرة عن أصالة الطهارة في الطرف الآخر، لأنَّ المتأخر عن أحد المتساويين متأخر عن الآخر.

لكن هذه الدعوى غير صحيحة وإنما تتم في التقدم والتأخر الزماني دون التقدم والتأخر الرتبي الذي هو محل الكلام، لأنَّ التقدم والتأخر الرتبي عبارة عن كون المتأخر ناشئاً عن المتقدم ومعلولاً له، ومن الواضح أنَّ كون شيء ناشئاً ومعلولاً لأحد المتساويين في الرتبة لا يعني كونه ناشئاً ومعلولاً للمساوي الآخر، وعليه فلا طولية بين الأصل في الملاقي وبين أصالة الطهارة في الطرف الآخر حتى يقال: (إنَّ النوبة لا تصل الى الأصل في الملاقي إلا بعد سقوط الأصل في الطرف الآخر بالمعارضة مع الأصل في الملاقى، فيجري الأصل في الملاقي بلا معارض)، وعليه فالأصل في الطرف الآخر والأصل في الملاقي في رتبة واحدة لأنَّ الثاني ليس معلولاً وناشئاً من الأول، فيجري الأصل فيهما ويتعارضان ويتساقطان ويتنجَّز العلم الإجمالي، فيجب الاجتناب عن الملاقي.

وهذا الاعتراض يرجع الى انكار الطولية بين الأصل في الطرف الآخر والأصل في الملاقي، وعليه لا يتم الوجه الأول لإثبات وجود المانع من التنجيز.

 


[1] نسبة الى السيد حيدر الصدر، والد السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قُدس سرهما).
logo