« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الأصول

46/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء

 

الكلام المتقدم والنتائج التي انتهينا إليها كلها تبتني على الالتزام باشتراط الدخول في محل الابتلاء في فعلية التكليف، وعلى أساسه طُرحت مسألة الشك في دخول الطرف في محل الابتلاء، وأما إذا قلنا إنه ليس من شروط التكليف الدخول في محل الابتلاء – كما استقربنا ذلك – وتعقلنا التكليف حتى بالنسبة الى الطرف الخارج عن محل الابتلاء فلا معنى حينئذٍ للبحث عن حكم الشك.

هذا تمام الكلام في مسألة الخروج عن محل الابتلاء.

حكم ملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي

لو علم إجمالاً بنجاسة أحد الاناءين ولاقى ثوبٌ أحد الطرفين فما هو حكمه؟

فهناك علم إجمالي بنجاسة إما الملاقَى - وهو الاناء الأيسر مثلاً - أو الطرف الآخر، وبعد الملاقاة يتشكل علم إجمالي ثانٍ بنجاسة إما الملاقِي – وهو الثوب - أو الطرف الآخر وهو الإناء الأيمن.

ولا بد من التنبيه على أمرين قبل الدخول في تفاصيل المسألة:

الأول: لا بد من افتراض أنَّ الملاقاة وقعت مع أحد الطرفين، وأما لو فرض ملاقاة كلا الطرفين فيحصل العلم بنجاسة الملاقي تفصيلاً ويجب الاجتناب عنه بلا إشكال، وهو خارج عن محل الكلام.

الثاني: ويخرج أيضاً عن محل الكلام ما إذا فُرض ملاقٍ آخر للطرف الآخر، إذ لا إشكال حينئذٍ في وجوب الاجتناب عن كلا الثوبين لحصول العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما كما هو الحال في العلم الإجمالي الأول.

وإنما الكلام في حكم ملاقي أحد الطرفين كما تقدم بيانه.

والكلام في أنَّ الملاقي هل تتنجَّز حرمته بواحد من هذين العلمين – أي العلم بنجاسة أحد الاناءين والعلم بنجاسة إما الملاقي أو الطرف الآخر - أو لا؟

فالبحث يقع أولاً في تنجُّز حرمة الملاقي بالعلم الإجمالي الأول، وثانياً في تنجُّز حرمة الملاقي بالعلم الإجمالي الثاني، فالكلام في مقامين:

المقام الأول: هل تتنجَّز حرمة الملاقي ووجوب الاجتناب عنه بالعلم الإجمالي الأول أو لا؟

وبعبارة أخرى العلم الإجمالي الأول لا إشكال في تنجيزه الحرمة في كلا طرفيه، فهل ينجزها في ملاقي أحد الطرفين أو لا؟

المعروف بينهم هو عدم تنجُّز حرمة الملاقي وعدم ثبوت نجاسته بالعلم الإجمالي الأول، فلو بقينا مع هذا العلم لجوّزنا استعمال الملاقي فيما يُشترط فيه الطهارة، والدليل عليه هو أنَّ حرمة الملاقي موقوفة على العلم بملاقاته للمتنجس ولا علم بها بملاقاته أحد الطرفين، وتوضيحه:

إنَّ المعلوم بالإجمال – كنجاسة أحد الاناءين أو خمرية أحد المائعين – تارة يكون تمام الموضوع للحكم الشرعي فيترتب عليه ذلك الحكم الشرعي، كما إذا علم بخمرية أحدهما فتترتب عليه حرمة شرب أحدهما، لأنَّ تمام الموضوع لهذه الحرمة هو الخمر والمفروض العلم به إجمالاً، فيؤثر العلم الإجمالي في هذه الحرمة لكل من الطرفين.

وأخرى يكون المعلوم بالإجمال جزء الموضوع للحكم الشرعي كما في وجوب إقامة الحد في المثال المتقدم، فإنَّ موضوعه مركب من الخمر وشربه، ومن الواضح أنَّ هذا الموضوع غير محرز في أحد الطرفين، إذ لا يُحرز كون شربه شرباً للخمر، فلا يؤثر العلم الإجمالي المذكور في وجوب إقامة الحد بشرب أحدهما.

والخلاصة: هناك فرق بين حرمة الشرب وبين إقامة الحد، فإنَّ تمام موضوع الحرمة هو الخمر وهو معلوم في أحدهما فيكون هذا العلم الإجمالي مؤثراً في حرمة شرب أحدهما، لأنه علم إجمالي بالتكليف الفعلي على كل تقدير، بخلاف وجوب إقامة الحد فإنَّ موضوعه هو شرب الخمر وهو غير محرز، والعلم الإجمالي بخمرية أحدهما ليس إلا علماً إجمالياً بجزء الموضوع لهذا الوجوب أما الجزء الآخر وهو كون شربه شرباً للخمر فهو غير معلوم، فلا يكون العلم الإجمالي منجِّزاً له.

وفي محل الكلام قالوا: إنَّ العلم الإجمالي بنجاسة أحد الاناءين يُنجِّز وجوب الاجتناب عن الطرفين، لكنه لا يُنجِّز وجوب الاجتناب عن الملاقي لأحدهما لأنَّ تمام موضوع الحكم الأول هو النجس وهو معلوم إجمالاً، فيكون العلم الإجمالي مؤثراً في وجوب الاجتناب عن الطرفين، ولكن لا يُنجِّز وجوب الاجتناب عن الملاقي لأحدهما لأنَّ تمام موضوع الحكم الثاني هو ملاقاة النجس وهو غير محرز في الملاقي فلا يكون العلم الإجمالي بالنجاسة مؤثراً في هذا الحكم الثاني وإن كان مؤثراً في الحكم الأول.

هذا كله إذا قلنا بأنَّ نجاسة الملاقي تكون من باب السببية، بمعنى أنَّ نجاسة الملاقي هي نجاسة أخرى حادثة حصلت بسبب نجاسة الملاقى، وحيث أننا نشك في تحقق هذه النجاسة فالأصل عدمها، وتقدم أنها لا تتنجَّز بالعلم الإجمالي الأول.

وأما إذا قلنا بأنَّ نجاسة الملاقي من باب الانبساط والسراية والتوسع فهي عين النجاسة الأولى فلا يتم ما ذُكر، لأنَّ الملاقي حينئذٍ يكون طرفاً للعلم الإجمالي الأول لسراية النجاسة إليه على تقدير نجاسة الملاقى، وحينئذٍ يكون العلم الإجمالي الأول كافٍ في تنجُّز وجوب الاجتناب عن الملاقي، فما ذهب اليه المشهور مبني على فرض السببية بالمعنى المتقدم، ولا يتم بناءً على الانبساط والسراية.

ولوحظ عليه:

أولاً: بأنَّ المعلوم بالإجمال هو أصل النجاسة أما حدها وسعتها فليس معلوماً بالإجمال، فيمكن أن يقال أنَّ سعة النجاسة وشمولها للملاقي حكم جديد زائد ولا معنى لتنجُّزه بالعلم الإجمالي بأصل النجاسة.

 

logo