46/04/01
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
كان الكلام في التنبيه الثالث وهو في سقوط التكليف بغير الاضطرار كما لو تلف أحد الأطراف، فيكون من قبيل الاضطرار الى أحدهما بعينه، فهل يجري فيه التفصيل المتقدم في المقام الأول أو لا؟
الصحيح هو جريان التفصيل فيه، فنفصل بين ما إذا كان التلف قبل العلم الإجمالي وبين ما إذا كان بعده، فإذا كان التلف بعد العلم الاجمالي فيبقى العلم الإجمالي على منجزيته، ويظهر أثره في الطرف غير التالف، والوجه في ذلك هو أنَّ النكتة في التنجيز واحدة وهي العلم الإجمالي المردد بين الفرد القصير والفرد الطويل، وهي تجري في حالة تأخر التلف عن العلم الإجمالي دون حالة تقدم التلف عن العلم الإجمالي من دون فرق بين الاضطرار والتلف، لأنه في كل منهما يسقط التكليف، هذا إذا كان الاضطرار بمعنى العجز العقلي أو العجز الشرعي.
وأما إذا كان الاضطرار بمثل الحرج والضرر فقد يُدعى وجود فارق بينه وبين التلف وهو يقتضي المنجزية في موارد التلف دون موارد الحرج بأن يقال إنَّ المخصص لدليل التكليف في موارد الحرج شرعي، بينما المخصص للتكليف في موارد التلف عقلي فيقال إنَّ هذا الفارق يوجب الفرق في محل الكلام وذلك لأنَّ المخصص إذا كان عقلياً فهو يرفع الخطاب دون الملاك، بينما المخصص الشرعي كما يدل على ارتفاع الخطاب فكذلك يدل على ارتفاع الملاك، وبناءً عليه يكون الملاك محرزاً في موارد التلف، فنحن نعلم بوجود التكليف على مستوى الملاك وإنما الشك في قدرة المكلف على حفظ الملاك في محل الكلام، وهذا الشك ينشأ من أنَّ العجز العقلي في أحد الطرفين يرفع القدرة على تحقيق الملاك، وحينئذٍ يقال إن كان التكليف الواقعي موجوداً في الطرف التالف فالمكلف عاجز عن حفظ ملاكه، وإن كان موجوداً في الطرف الآخر فالمكلف متمكن من حفظه، وهذا شك في القدرة على حفظ الملاك مع العلم به وهو مورد للاحتياط فيجب أن يأتي بالطرف الآخر، وأما في موارد الحرج فالمخصص الشرعي كما يدل على رفع الخطاب يدل على رفع الملاك، فلا علم بالتكليف حينئذٍ لا خطاباً ولا ملاكاً فلا موجب للاحتياط، فلا يكون العلم الإجمالي منجزاً للطرف الآخر.
ولوحظ عليه بملاحظات:
الأولى: لو تم ما ذُكر فهو يجري في التلف فيما لو كان قبل العلم الإجمالي ولا يختص بما إذا كان بعده، وذلك لأنَّ المخصص العقلي يرفع الخطاب دون الملاك، فيدخل في الشك في قدرة المكلف على حفظ الملاك وهو مورد للاحتياط والمنجزية، والحال أنه لا قائل بالمنجزية فيما لو كان التلف قبل العلم الإجمالي!
الثانية: إنَّ الاحتياط العقلي في موارد الشك في القدرة إنما يُلتزم به إذا حصل العلم بالملاك في موردٍ واحتمل عدم القدرة على حفظه، لأنَّ العقل لا يرى الشك في القدرة على حفظ الملاك مؤمِّناً فلا بد من الاحتياط، وأما مع احتمال عدم الملاك في المورد المقدور فلا بأس بالرجوع الى الأصل ولا يجب الاحتياط، والمقام من هذا القبيل فإنَّ الطرف المقدور لا يُعلم بثبوت الملاك فيه ويُشك في القدرة على حفظه حتى يكون من موارد حكم العقل بوجوب الاحتياط بل يُشك في أصل ثبوت الملاك فيه، وفي مثله لا يحكم العقل بالاحتياط.
الثالثة: إنَّ المخصص الشرعي كالمخصص العقلي لا يكشف عن عدم الملاك، والسر فيه هو أنَّ المخصص الشرعي في محل الكلام - أي في موارد الحرج - ثابت بملاك الاضطرار وهو لا يقتضي أكثر من رفع الخطاب، وذلك باعتبار أنَّ بقاء الخطاب لا يجتمع مع الاضطرار، وأما الملاك فلا ربط له بالاضطرار ولا يتنافى معه، فالمخصص إذا كان بملاك الاضطرار فهو لا يكشف عن عدم الملاك وإنما يكشف عن عدم الخطاب فقط من دون فرق بين المخصص العقلي والمخصص الشرعي.
هذا تمام الكلام في مسألة الاضطرار الى أحد الطرفين، ثم يقع الكلام في مسألة خروج أحد الاطراف عن محل الابتلاء.