46/03/21
التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي- الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي/ تنبيهات العلم الإجمالي /الأصول العملية
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي- الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
الخلاصة:
تبين مما تقدم أنَّ الصحيح هو أن يقع الكلام في أنه هل هناك منافاة بين التكليف الواقعي - على تقدير وجوده في الطرف الذي يختاره المكلف - وبين الترخيص في الطرف الآخر أو لا منافاة بينهما، هذه هي النقطة المهمة في هذا البحث، فإن ثبتت المنافاة بينهما تعيَّن الالتزام بالتوسط في التكليف، وهي تثبت في حالتين:
الأولى: إذا كان الترخيص واقعياً.
الثانية: إذا كان الترخيص ظاهرياً مع القول بالعلية التامة لوجوب الموافقة القطعية.
والصحيح هو أنَّ الترخيص ظاهري لأنَّ الجهل دخيل فيه، كما أنَّ الصحيح هو مسلك الاقتضاء لا العلية التامة على ما تقدم، وإنما لا يجري الترخيص في بعض الأطراف لأجل المعارضة، وعليه فلا منافاة بينهما، فلا موجب لرفع اليد عن التكليف الواقعي، فالتكليف فعلي على كل تقدير، نعم لا يكون منجَّزاً على تقدير ويكون منجَّزاً على تقدير آخر، وهو معنى التوسط في التنجيز.
تنبيهات:
ينبغي التنبيه على أمور ترتبط بمسألة الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي:
التنبيه الأول: أنَّ الاضطرار الموجب للترخيص على أنحاء:
الأول: أن يكون بنحو العجز التكويني.
الثاني: أن يكون بنحو العجز الشرعي، كما لو أمره الشارع بأمر أهم مضاد لهذا الفعل فيكون عاجزاً شرعاً عن المهم، كما إذا اضطر الى شرب النجس لأجل حفظ نفسه من التلف، وحفظ النفس واجب أهم بنظر الشارع.
الثالث: أن يكون الاضطرار بنحو الحرج والضرر.
والكلام يقع في النحو الثالث لأنَّ جميع ما تقدم من البحث يجري في النحوين الأول والثاني، وإنما الكلام في الثالث، فهل يجري جميع ما تقدم من البحوث والنتائج فيه أو لا؟
والجواب: إنَّ الاضطرار إذا كان الى طرف معيَّن - كما لو اضطر الى شرب الماء لرفع عطشه وهو يعلم إجمالاً إما بنجاسة هذا الماء وإما بنجاسة هذا الثوب - من جهة الوقوع في العسر والحرج أو الضرر غير البالغ الى درجة تلف النفس الظاهر فيه أنه يأتي فيه جميع ما تقدم في البحث السابق، فإذا كان الاضطرار سابقاً على العلم الإجمالي انحل العلم الإجمالي لانتفاء التكليف في الطرف المرخص فيه، فليس للمكلف علم إجمالي بالتكليف على كلا التقديرين وإنما يعلم بارتفاع التكليف على تقدير ويشك في ثبوته على التقدير الآخر.
وأما إذا كان الاضطرار متأخراً عن العلم الإجمالي كما إذا علم اجمالاً بحرمة أحدهما ثم اضطر الى أحدهما المعيَّن، فلا ينحل العلم الإجمالي ويكون دائراً بين الفرد الطويل والفرد القصير، هذا في الاضطرار الى أحدهما المعيَّن.
وإذا كان الاضطرار الى أحدهما غير المعيَّن - أي النحو الثالث - بأن كان الضرر يرتفع بارتكاب أحد الطرفين، كما إذا علم بنجاسة أحد إناءين وهو مضطر الى ارتكاب أحدهما، فالكلام يقع في أنَّ هذا الاضطرار هل يوجب الترخيص أو لا، وبعبارة أوضح إنَّ البحث يقع في أنَّ أدلة نفي العسر والحرج والضرر هل تجري في محل الكلام ويثبت بها الترخيص أو لا؟
وهذا البحث محله في دليل الانسداد، ونحن نفترض هنا - كأصل موضوع - أنه يوجب الترخيص، أي نفترض جريان أدلة نفي العسر والحرج وثبوت الترخيص بها في محل الكلام، هذا بحث.
وبحث آخر على تقدير ثبوت الترخيص وجريان أدلة نفي العسر والحرج والضرر، هل يكون الترخيص الثابت بهذه الأدلة كالترخيص الثابت في النحوين الأول والثاني أو لا؟
تقدم سابقاً أنَّ صاحب الكفاية يرى المنافاة بين الترخيص والحكم الواقعي، وكذا بنى المحقق العراقي على المنافاة بينهما لكن على مسك العلية التامة، وتقدم أنَّ مقتضى ذلك هو عدم التنجيز والتوسط في التكليف، وهو يعني جريان الأصول المؤمّنة في الطرف الآخر بلا إشكال، وقلنا إنَّ عدم التنجيز ليس لنقص في كون العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز وإنما يستند ذلك الى انتفاء جزء آخر من أجزاء علة التنجيز وهو القدرة، وهذا نظير العلم التفصيلي الذي هو علة تامة لوجوب الموافقة القطعية بلا إشكال إلا أنَّ العجز يكون مؤمناً للمكلف ومانعاً من التنجيز، هذا ما تقدم في النحوين الأول والثاني، والسؤال هل يجري ذلك في محل الكلام؟
الجواب: الظاهر أنه لا يجري في النحو الثالث وذلك لوجود القدرة العقلية والشرعية في المقام بحسب الفرض، فعدم التنجيز - إذا قلنا به - في المقام لا يكون بسبب عدم تحقق شرط التنجيز، هذا بناءً على العلية التامة.
وأما بناءً على الاقتضاء - كما هو الصحيح - فتارة نقول بما ذهب إليه الشيخ الأنصاري - من تفسير أدلة نفي العسر والحرج بأنّها تنفي التكليف الواقعي الذي ينشأ منه العسر والضرر والحرج - فيقع التنافي بين التكليف الواقعي وبين دليل نفي العسر والحرج والضرر، لأنَّ هذا الدليل ينفي التكليف الواقعي الذي ينشأ منه العسر والحرج والمفروض أنَّ التكليف في محل الكلام ينشأ منه العسر والحرج فيرتفع التكليف ويحصل التوسط في التكليف.
وأخرى نقول بأنَّ هذه الأدلة تنفي وجوب الاحتياط باعتبار أنَّ العسر والحرج والضرر نشأ منه لا من الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال، فيكون المرفوع حقيقة هو وجوب الاحتياط وهو حكم ظاهري، وحينئذٍ يكون التوسط في التنجيز، وذلك لبقاء التكليف ثابتاً على كل تقدير، وإنما يكون منجَّزاً على تقدير ولا يكون منجَّزاً على تقدير آخر.
التنبيه الثاني: قد يقال إنه على مسلك الاقتضاء المنافاة بين الترخيص وبين التكليف الواقعي إنما لا تتحقق إذا كان الترخيص ظاهرياً، وأما إذا كان الترخيص واقعياً فالمنافاة متحققة، إذ لا يُعقل اجتماع الترخيص الواقعي فيما اختاره المكلف مع الحرمة الواقعية، وهذا يستلزم سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية لعدم التكليف على هذا التقدير، فلا يكون العلم متعلقاً بتكليف فعلي على كلا التقديرين، وحينئذٍ يقال أنَّ الترخيص في المقام ليس ظاهرياً وذلك باعتبار أنه المستفاد من قوله عليه السلام: (ما حرّم الله شيئاً إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه)[1] لظهوره في أنَّ الاضطرار له اقتضاء الحلية حتى في الموارد التي فيها مفسدة شديدة تقتضي الحرمة، فيكون دالاً على ثبوت الحلية في هذه الموارد، ويكون دالاً على ثبوتها في غير هذه الموارد بالأولوية، فالحلية واقعية والترخيص واقعي وهو يتنافى مع التكليف الواقعي.