46/03/13
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
كان الكلام في الرأي الثاني وهو للمحقق العراقي قده وحاصله:
إنَّ الضرورات لا تقتضي رفع اليد عن أصل التكليف وإنما تُقدر بقدرها، ويكفي في ذلك رفع اليد عن إطلاق فعلية التكليف عن حالة اجتناب الآخر، فإذا رفع اضطراره بالطرف الآخر فالتكليف يكون فعلياً في هذا الطرف، وهذا التكليف لا ينافي ولا يضاد الترخيص الظاهري التخييري لأنَّ التكليف لا يكون ثابتاً إلا في الطرف الذي لا يرفع المكلف به اضطراره، وهو ليس مورداً للترخيص وإنما مورده ما يرفع به الاضطرار، وما يرفع به الاضطرار ليس مورداً للتكليف، فكل طرف يختاره المكلف لرفع اضطراره يثبت به الترخيص ويثبت التكليف في الطرف الآخر، فلا تنافي بينهما، ويترتب على ذلك بقاء العلم الإجمالي على تأثيره في حرمة المخالفة القطعية – أي في حرمة الطرف الآخر – وأما الموافقة القطعية فهي غير واجبة بلا اشكال لمكان الاضطرار.
الرأي الثالث: ما اختاره المحقق النائيني قده في فوائد الأصول [1] حيث ذهب الى المنجزية ووجوب الاجتناب عما عدا ما يدفع به الاضطرار في جميع الصور الثلاثة المتقدمة في المقام الأول، وذلك لأنَّ الاضطرار الى غير المعيَّن يجتمع مع التكليف الواقعي ولا يزاحمه لإمكان رفع الاضطرار بغير متعلق التكليف، بل لولا الجهل بشخص متعلق التكليف لتعين رفع الاضطرار بغيره، وهذا الاضطرار لا يوجب التصرف في الواقع ولا يزاحمه، بخلاف الاضطرار الى المعيَّن فإنه يزاحم التكليف الواقعي بنفس وجوده إذا صادف كون متعلق التكليف هو ما اضطر إليه، ولا تتوقف المزاحمة بينهما على العلم بالتكليف والجهل بموضوعه بل تدور مدار واقع ما اضطر إليه، فإن كان هو متعلق التكليف فلا محالة تقع المزاحمة بينهما حتى مع الجهل بالحرمة، في حين أنَّ الاضطرار الى غير المعيَّن بوجوده الواقعي لا يزاحم التكليف لتمكن المكلف من رفع اضطراره بغير متعلق التكليف.
ويترتب على هذا الفرق بين المقامين أنَّ التكليف في مورد الاضطرار الى المعيَّن يسقط إذا كان المضطر إليه هو متعلق التكليف ومع سقوطه لا يكون التكليف فعلياً على كل تقدير لاحتمال أن يكون المضطر إليه هو متعلق التكليف، فلا يكون التكليف موجوداً، هذا في صورة الاضطرار الى المعيَّن، وأما في مورد الاضطرار الى غير المعيَّن فإنَّ الاضطرار إنما يوجب سقوط التكليف عما يُدفع به الاضطرار لا أزيد، وأما الطرف الباقي بعد رفع الاضطرار بغيره فهو باقٍ على حكمه هو وجوب الاجتناب، ولا موجب للترخيص فيه لعدم المؤمِّن فيه من اضطرار أو أصل، أما الاضطرار فواضح، وأما الأصل فلعدم جريانه فيه لكونه طرفاً من أطراف العلم الإجمالي المانع من جريان الأصول في أحد أطرافه.
ثم ذكر أنَّ الاضطرار الى المعيَّن يقتضي التوسط في التكليف لا محالة - والمقصود به هو ثبوت التكليف على تقدير دون تقدير، وكذا المراد من التوسط في التنجيز غاية الأمر لا بد من افتراض وجود تكليف مفروغ عنه فيكون منجِّزاً على تقدير ولا يكون منجِّزاً على تقدير آخر – ولا يمكن أن يقتضي التوسط في التنجيز لأنَّ التكليف الواقعي مقيد بعدم طرو الاضطرار، وعند الاضطرار الى المعيَّن لا يقين ببقاء التكليف الواقعي لاحتمال أن يكون المضطر إليه هو متعلق التكليف وهو يوجب رفع التكليف واقعاً، فيكون التكليف الواقعي ثابتاً على تقدير عدم كون المضطر إليه هو متعلق التكليف وغير ثابت على تقدير أن يكون متعلق التكليف هو الطرف الآخر.
ويمكن التعبير عن ذلك بنحو آخر بأن نقول إنَّ الترخيص الذي يقتضيه الاضطرار يكون ثابتاً في هذا الطرف على تقدير أن يكون الحرام هو الطرف الآخر، ولا يكون ثابتاً في هذا الطرف على تقدير أن يكون الحرام في الطرف الذي اضطر إليه بعينه، هذا هو التوسط في التكليف.
وأما التوسط في التنجيز فهو يتوقف على بقاء التكليف الواقعي على ما هو عليه من دون أن يكون في البين ما يقتضي رفعه واقعاً، وإنما يكون بلوغه الى مرتبة التنجيز مقيد بحال دون حال، وهذا إنما يكون إذا كان للجهل بالموضوع أو متعلق التكليف دخل في الترخيص ليكون ظاهرياً لا واقعياً.