46/03/11
الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
الموضوع: الأصول العملية/ تنبيهات العلم الإجمالي / التنبيه الثاني انحلال العلم الإجمالي/ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي
تتمة الكلام عن الصورة الثالثة التي فرض فيها الاضطرار بعد التكليف وقبل العلم به
تقدم الكلام في الوجه الثاني الذي يُستدل به للمنجزية وهو الذي ذكره السيد الخوئي قده - كدليل قد يُستدل به على المنجزية لا بمعنى التزامه به - وحاصله هو:
إنَّ المكلف يعلم بثبوت التكليف قبل زمان الاضطرار لكنه لا يعلم أنَّ التكليف الذي علم بثبوته هل هو التكليف القصير أم هو التكليف الطويل، وهذا شك في أمد التكليف، ومعناه الشك في وجود الجامع بعد الاضطرار، فإنَّ التكليف إن كان في الفرد القصير فقد انتفى الجامع، وإن كان في الفرد الطويل فهو باقٍ، فحينئذٍ يقال لما كان الجامع معلوم الحدوث سابقاً ومشكوك البقاء لاحقاً فيجري فيه الاستصحاب بعد الاضطرار، وهو يعني تنجيز التكليف بالجامع على المكلف فيجب الخروج عن عهدته بامتثال الفرد الطويل، وهو يعني أنَّ العلم الاجمالي يُنجِّز الفرد الآخر وهو المطلوب.
ولوحظ عليه:
أولاً بأنَّ استصحاب الكلي لا يجري في المقام لأنَّ الجامع بين التكليف الطويل والتكليف القصير لا يقبل التنجيز، لأنَّه جامعٌ بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبل التنجيز، ومن الواضح أنَّ الجامع كذلك ليس قابلاً للتنجيز بالاستصحاب، لأنَّ الاستصحاب يقتضي إدخال المستصحب في العهدة والجامع المذكور لا يبقل الدخول في العهدة، لأنَّ أحد فرديه وهو القصير لا يقبل ذلك بعد العلم بانتفاء التكليف فيه.
والحاصل أنَّ الجامع إذا لم يترتب عليه أثر شرعي فلا يجري فيه الاستصحاب، والمقام من هذا القبيل لأنه إن اُريد استصحاب بقاء الجامع بعد خروج أحد الطرفين بالاضطرار لأجل إثبات الطرف الآخر فهذا أصل مثبت، وإن اُريد اثبات تنجُّز الجامع على المكلف وادخاله في عهدته فجوابه ما تقدم من أنَّ الجامع بين ما يقبل الدخول في العهدة وما لا يقبل ذلك لا يقبل الدخول في العهدة فلا يمكن جريان هذا الاستصحاب.
وثانياً: بما ذكره السيد الخوئي قده من أنَّ الاستصحاب في أمثال المقام إنما يجري إذا كانت الأصول في جميع أطراف الشبهة ساقطة بالمعارضة كما هو الحال في مثال الحدث المردد بين الأكبر والأصغر بعد الوضوء، فإن الحدث إن كان الأصغر فهو مرتفع قطعاً بالوضوء، وإن كان الأكبر فهو باقٍ قطعاً، فيستصحب بقاء كلي الحدث لتعارض الأصول في الأطراف وتساقطها، فتصل النوبة الى استصحاب الجامع، وأما إذا فرضنا عدم تعارض الأصول وإنما لا يجري الأصل إلا في أحد الطرفين دون الآخر وهو الفرد الطويل، فاذا جرى الأصل المؤمن وكان مفاده نفي التكليف الطويل الأمد فلا معنى لجريان استصحاب الجامع لأن الأصل المؤمِّن الجاري في الفرد الطويل – وهو البراءة – يكون حاكماً على الاستصحاب الجاري في الجامع لأنَّ الشك في بقاء الجامع مسبب عن الشك في بقاء الفرد الطويل فيتقدم الأصل السببي على الأصل المسببي.
فهذه الملاحظة تمنع أيضاً من استصحاب الجامع لإثبات التنجيز لكن على أساس وجود أصل حاكم عليه، وأما الملاحظة الأولى فتنكر جريان الاستصحاب في المقام بقطع النظر عن الحكومة، وإنما للنكتة المتقدمة وهي أنَّ الجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبل التنجيز لا يقبل التنجيز.
ويمكن أن يلاحظ على هذا الجواب بأمرين:
الأول: إنَّ ارتفاع التكليف الجامع بالأصل النافي للطرف الآخر لا يصح إلا على القول بالأصل المثبت، لأنَّ لازم نفي التكليف الطويل بعد فرض انتفاء القصير انتفاء الجامع عقلاً فيكون الأصل مثبتاً، فلا يصح أن يقال إنه يكون حاكماً ورافعاً للتكليف الجامع.
الثاني: إنَّ ما ذكره إنما يصح في مثل الاستصحاب النافي للتكليف بلسان النظر الى الواقع لا في مثل البراءة لأنَّ لسانها هو التأمين ونفي العقاب عن المكلف، بخلاف الاستصحاب الذي يمكنه أن ينفي التكليف في الواقع.
وعليه فالصحيح عدم جريان الاستصحاب في نفسه لا من جهة وجود أصل حاكم عليه كما ذُكر وإنما من الجهة المذكورة في الملاحظة الأولى.
ومنه يظهر عدم تمامية الوجهين المُستَدَل بهما على المنجزية في الصورة الثالثة، ويتبين أيضاً أنَّ الصحيح هو عدم المنجزية لأنَّ العلم الإجمالي المتأخر لا يُنجِّز التكليف المتعلق به إلا من حين حدوثه لا قبل ذلك، ومن الواضح أنَّ العلم الإجمالي من حين حدوثه لا يُنجِّز التكليف لمكان الاضطرار.
ثم إنه تبين مما تقدم أنَّ الصحيح في المقام الأول - أي الاضطرار الى المعين - التفصيل بين الصور الثلاثة المتقدمة فيُلتزم بالمنجزية في الصورة الثانية دون الأولى والثالثة.
هذا كله في المقام الأول.
المقام الثاني الاضطرار الى أحدهما لا بعينه
كما إذا علم المكلف بسقوط النجاسة في أحد إناءين كل منهما فيه ماء، واضطر الى شرب أحدهما غير المعين، وهنا لا اشكال في جواز ارتكاب أحدهما لمكان الاضطرار تخييراً، ولازمه سقوط وجوب الموافقة القطعية للعلم الإجمالي، وإنما الكلام والاشكال في جواز ارتكاب كلا الطرفين، أي هل يجوز له ارتكاب المخالفة القطعية أو لا؟
والآراء في المقام ثلاثة:
الأول للمحقق الخراساني قده حيث ذهب الى عدم منجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، وهو يعني جواز ارتكاب كلا الطرفين، واستدل على ذلك بأنَّ الاضطرار الى بعض أطراف العلم الإجمالي يمنع من العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير، سواء كان الاضطرار الى بعض معين أو الى بعض غير معين، لأنَّ الاضطرار لما كان يوجب الترخيص في الارتكاب وارتفاع التكليف فهو يمنع من العلم الإجمالي من التكليف الفعلي على كل تقدير.