46/11/21
وجوب متابعة الامامفصل في أحكام الجماعة/ فصل في أحكام الجماعة/صلاة الجماعة
الموضوع: صلاة الجماعة/ فصل في أحكام الجماعة/ وجوب متابعة الامام
فصل في أحكام الجماعة
(مسألة 19): إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمل عنه القراءة فيها، ووجب عليه القراءة في ثالثة الإمام الثانية له (1) ويتابعه في القنوت في الأولى منه (2)، وفي التشهد (3)، والأحوط التجافي فيه (4)كما أن الأحوط التسبيح عوض التشهد وإن كان الأقوى جواز التشهد، بل استحبابه أيضا، وإذا أمهله الإمام في الثانية له للفاتحة والسورة والقنوت أتى بها، وإن لم يمهله ترك القنوت وإن لم يمهله للسورة تركها، وإن لم يمهله لإتمام الفاتحة أيضا فالحال كالمسألة المتقدمة من أنه يتمها ويلحق الإمام في السجدة أو ينوي الانفراد أو يقطعها ويركع مع الإمام ويتم الصلاة ويعيدها[1]
1-لأنّ الإمام يتحمل القراءة عن المأموم في الركعتين الأولى والثانية للامام دون الركعتين الثالثة والرابعة للامام فهو فيهما لا يتحمل شيئاً حتى لو كانت الاولى للمأموم لأنّ المستفاد من الأدلة اختصاص التحمل والضمان بالركعتين الأولى والثانية للإمام
2-دلّت على ذلك روايات أهمّها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في الرجل يدخل الركعة الأخيرة من الغداة مع الإمام فقنت الامام، أيقنت معه؟ قال : ((نعم ، ويجزيه من القنوت لنفسه))[2]
ولكن هل يستفاد من الرواية وجوب المتابعة في القنوت كما قد يستفاد ذلك من عبارة السيد الماتن (قده)؟
ولكنّ هذا يتعلق بماهية السؤال الذي أجابه الامام (عليه السلام)، فهل السؤال عن جواز ومشروعية القنوت مع الامام أو عن وجوب القنوت حتى يستفاد منه الوجوب؟، إذ لا يستفاد الوجوب لو كان السؤال عن المشروعية
والظاهر أنّ السؤال ليس عن الوجوب باعتبار أنّ هذا من موارد توهم الحظر فإنّه لا قنوت في الركعة الأولى فهو يسأل عن مشروعية القنوت فيها، ولا يحتمل السؤال عن وجوب القنوت فيها، فلا يستفاد منه إلا المشروعية والجواز
نعم، قد يستدل لذلك بوجوب المتابعة إذ لا اشكال في وجوب المتابعة إمّا نفسياً أو شرطياً فيلزمه متابعة الامام في القنوت
وهذا غير تام، باعتبار أنّ أدلّة وجوب المتابعة وإن دلّت على وجوب متابعة الامام في الأفعال وبعض الأقوال، ولكن إنّما تجب متابعته في الأفعال التي أمره بها الشارع، فيجب على المأموم أن يتابع بركوعه المأمور به الامام وهكذا في السجود والقيام وأمثالها، فالمتابعة مختصة بالأفعال التي أُمر بها المأموم، ويمكن أن يكون هذا أعمّ من الأفعال الواجبة والمستحبة كالقنوت، فهو يتابعه في القنوت حين يكون المأموم مأموراً به وهو ليس مأموراً بالقنوت في محلّ الكلام حتى يشمله دليل وجوب المتابعة
وعلى هذا فلا بدّ من حمل قول السيد الماتن (قده): (يتابعه) على أنّ المقصود به الندب والاستحباب لا الوجوب، وإن كان هذا على خلاف ظهور العبارة
3-الظاهر أنّه لا إشكال في وجوب متابعة المأموم الامام في الجلوس، لوجوب متابعة المأموم الامام في الأفعال ومن جملتها الجلوس، وإنّما يقع الكلام في وجوب متابعته في التشهد، ولا إشكال في أنّ التشهد وظيفة للإمام دون المأموم ومقتضى ما ذكرناه قريباً عدم وجوب المتابعة فيه، ولكن دلّت الأخبار على وجوب المتابعة في التشهد
منها: موثقة الحسين بن المختار ، وداود بن الحصين قال : سئل عن رجل فاتته صلاة ركعة من المغرب مع الإِمام فأدرك الثنتين ، فهي الأُولى له والثانية للقوم فيتشهّد فيها ؟ قال : ((نعم ، قلت : والثانية أيضاً ؟ قال : نعم ، قلت : كلّهنّ ؟ قال : نعم ، وإنّما هي بركة))[3]
ومنها: رواية إسحاق بن يزيد قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : جعلت فداك ، يسبقني الإِمام بالركعة فتكون لي واحدة وله ثنتان ، فأتشهّد كلّما قعدت ؟ قال : ((نعم ، فإنّما التشهّد بركة))[4]
وفي سندها سهل بن زياد
ويقع الكلام حول دلالة الرواية الاولى على وجوب متابعة الامام في التشهد، ونفس الكلام الذي طرحناه في القنوت نطرحه هنا، فهل أنّ السؤال عن جواز التشهد أو عن وجوبه؟
ونفس القرينة المطروحة هناك تطرح في المقام فإنّ المقام مورد توهم الحظر، لأنّه ليس محلاً للتشهد بالنسبة إليه لأنّ محلّ التشهد هو الركعة الثانية وهو في الأولى، فيسأل عن المشروعية والجواز، ولا يتصور فيه السؤال عن الوجوب
فلا دلالة للرواية على وجوب التشهد، وانما غاية ما تدلّ عليه الجواز والمشروعية، والجواز والمشروعية في العبادات يلازم الاستحباب، فيستحب له التشهد وكذا يستحب له القنوت
نعم، خالف جماعة منهم الحلبي وابن زهرة وابن حمزة فمنعوا من التشهد، وأثبت بعضهم التسبيح بدله
ولكنّ منع التشهد لا وجه له مع وجود هذه الرواية
ورد الأمر بالتجافي في جملة من النصوص
منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ قال : ((من أجلسه الإِمام في موضع يجب أن يقوم فيه تجافى وأقعى إقعاء ولم يجلس متمكّناً)) [5]
وهي وان كانت جملة خبرية لكنها في مقام الطلب ولها ظهور في الوجوب
ومنها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإِمام وهي له الأُولى ، كيف يصنع إذا جلس الإِمام ؟ قال : ((يتجافى ولا يتمكّن من القعود ، فإذا كانت الثالثة للإِمام وهي الثانية له فليلبث قليلاً إذا قام الإِمام بقدر ما يتشهّد ، ثمّ ليلحق الإِمام)) [6]
ولأجل هذه الروايات ذهب جماعة الى وجوب التجافي كما حكي عن الصدوق وابن ادريس، خلافاً للأكثر حيث ذهبوا الى عدم الوجوب وحملوا الأمر في هذه الروايات على الاستحباب
ولعله لما أشار اليه السيد الحكيم (قده) في المستمسك[7] من أنّ الأمر بالقعود ورد مطلقاً في بعض النصوص كما في رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، قال : سألته عن الرجل يدرك الركعة من المغرب ، كيف يصنع حين يقوم يقضي ؟ أيقعد في الثانية والثالثة ؟ قال : ((يقعد فيهنّ جميعاً)) [8] وهو أمر بالقعود مطلقا ولو حملنا الأمر بالتجافي في هاتين الصحيحتين على الوجوب فلا بد من تقييد الأمر بالقعود في تلك النصوص أي إنّه يقعد متجافياً، وهذه الروايات تأبى عن هذا التقييد لأنّه تقييد لها بالفرد النادر، فالتجافي حالة نادرة من القعود، فلا بد من حمل الأمر في هاتين الصحيحتين على الاستحباب لا على الوجوب
أو إنّه باعتبار وجود ما يدل على عدم الوجوب -كما في موثقة الحسين بن المختار وداود بن الحصين المتقدمة، فالمذكور في الرواية ثلاث فروض:
الفرض الأول: ما اذا كانت الأولى للمأموم والثانية للامام وقد أمره الامام بالتشهد فيها
الفرض الثاني: الثانية للمأموم وهي ثالثة الامام وقد اكره الامام بالتشهد فيها
الفرض الثالث: الثالثة أو الرابعة للمأموم وقد أمره بالتشهد فيها
ولا إشكال في أنّ التشهد المأمور به في الفرضين الأخيرين هو التشهد من دون تجافي، وبمقتضى وحدة السياق لا بد أن يكون المراد بالتشهد في الأولى التشهد من دون تجافي- والجمع العرفي بين دليلين من هذا القبيل يكون بحمل الأمر بالتجافي على الندب لأنّ الدليل الدال على عدم الوجوب يكون أظهر أو صريحاً في عدم الوجوب بينما الدليل الأول ظاهر في الوجوب فيقدم الصريح ويتصرف في الظاهر لصالح الصريح بحمله على الندب