« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/10/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الصوم

الموضوع: الصوم

 

قول الماتن: (وكلّ الصَّوم يلزم فيه التَّتابع إلَّا خمسة)

 

ذكر جماعة من الأعلام، منهم المصنِّف (رحمه الله)، والمحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع، وغيرهما من الأعلام، أنَّ كلّ صومٍ واجبٍ يلزم فيه التَّتابع إلَّا خمسة أو أربعة.

ومنهم صاحب الجواهر (رحمه الله)، حيث قال: (وعلى كلِّ حالٍ، فالكليَّة المزبورة تامَّة في الجميع أو المعظم، إنَّما الكلام في الأربعة المستثنيات...)[1]

وبالمقابل، ذهب كثير من الأعلام إلى أنَّ هذه الكليَّة ليس تامَّةً.

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّ العمدة في مستند القول الأوَّل -وهو وجوب التَّتابع- هو دعوى انصراف التَّتابع من إطلاق الأمر بالصَّوم.

قال صاحب الجواهر (رحمه الله): (يمكن دعوى انصراف التَّتابع من الإطلاق المزبور ولو بقرينة الفتوى به، وكونه كفَّارة، والغالب فيها التَّتابع، خصوصاً بملاحظة ما ورد من تعليل التَّتابع في الشَّهرَيْن منها بأنَّه كي لا يهون عليه الأداء فيستخفّ به؛ لأنَّه إذا قضاها متفرّقا هان واستخفّ بالأيمان...)[2] .

أقول: أمَّا دعوى الانصراف فعهدتها على مدّعيها، ودون إثبات ذلك خرط القتاد.

أمَّا قوله: (ولو بقرينة الفتوى به)، فهو غريب، ومتى كانت الفتوى بذلك قرينة عليه؟!

وبالجملة، فإنَّ الفتوى به لا تصلح أن تكون قرينةً على المراد.

وأمَّا قوله: (وكونه كفَّارة، والغالب فيها التَّتابع).

فيرد عليه: أنَّ الغالب فيها التَّتابع لا يلازم كون الجميع كذلك.

ولو سلَّمنا الملازمة، فهي ظنيَّة لا تغني من الحقِّ شيئاً.

وأمَّا ما مورد من تقليل التَّتابع في الشَّهرَيْن، فقد ورد ذلك في رواية الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في العلل عن الفضل بن شاذان، حيث ورد في الذَّيل (...وإنَّما جعلت متتابعين لئلَّا يهون عليه الأداء فيستخفّ به؛ لأنَّه إذا قضاه متفرِّقاً هان عليه القضاء واستخفّ بالإيمان)[3]

وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة، كما تقدَّم، فإنَّ للشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى الفضل بن شاذان طريقَيْن كلاهما ضعيف، أحدهما: بعبد الواحد بن عبدوس، وثانيهما: بجعفر بن عليّ بن شاذان، وكلاهما مجهولان.

وثانياً: أنَّها واردة في مورد خاصّ، وهو كفَّارة الإفطار في شهر رمضان، ولعلَّه له خصوصيَّة، بل هو كذلك، فلا يقاس عليه غيره.

والخلاصة: أنَّه لا دليل على هذه الكليَّة.

ويؤيِّد ذلك: ما ورد في حسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: كلُّ صومٍ يفرّق إلَّا ثلاثة أيام في كفَّارة اليمين)[4]

وإنَّما جعلناها مؤيِّدة لا دليلاً؛ لأنَّ الحصر فيها إضافيّ لا حقيقيّ، حيث ثبت التَّتابع أيضاً في كفَّارة الظِّهار، وكفَّارة القتل.
كما في رواية سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن (عليه السلام) -في حديث- (قال: إنَّما الصِّيام الَّذي لا يفرق: كفَّارة الظِّهار، وكفَّارة الدَّم، وكفَّارة اليمين)[5] .

وهي، وإن كانت ضعيفة بعدم وثاقة عليّ بن أحمد بن أشيم، إلَّا أنَّ هذه الموارد الثَّلاث ثبت فيها التَّتابع بالدَّليل.

وكما لو نذر أن يصوم عدَّة أيامٍ متتابعة، فإنَّه يعمل على مقتضى النَّذر، ويلحق به العهد.

وكذا في كلّ موردٍ ثبت التَّتابع لدليل خاصّ، كما في صوم بدل الهدي، كما سنذكره -إن شاء الله تعالى- قريباً.

ومنه يتَّضح لك أنَّ هذه الموارد المستثناة في كلام المصنِّف وغيره يكون عدم التَّتابع فيها على القاعدة، إلَّا المورد الثَّالث -وهو السَّبعة في بدل الهدي- فإنَّه يجب فيه التَّتابع للنَّصّ الخاصّ الآتي -إن شاء الله تعالى- .

ونحن نذكرها تبعاً للمصنِّف (رحمه الله).

قول الماتن: (النَّذر المطلق، خلافاً لما ظهر من كلام الشَّاميَيْن)

هذا هو المورد الأوَّل من الأمور الخمسة المستثناة، وهو ما لو نذر أن يصوم عدَّة أيامٍ، ولم يقيّدها بالتَّتابع، بل أطلق النَّذر.

وكأن وجه كلام الشَّاميَيْن: هو انصراف الإطلاق إلى التَّتابع.

لكنَّك عرفت ما في هذا الانصراف، فلا حاجة للإعادة، وقد مرّ من القاضي الحكم بذلك في نذر صوم شهر بالإطلاق، ومرّ جوابه أيضاً.

قول الماتن: (وجزاء الصّيد، إلّا بدل النَّعامة عند المفيد، والمرتضى، وسلّار، وقال في الصَّوم من المختلف: المشهور أنَّ فيها شهرَيْن متتابعَيْن)

 

هذا هو المورد الثَّاني من الأمور الخمسة المستثناة، وهو جزاء الصَّيد، فلا تجب المتتابعة في صومه تمسُّكاً بإطلاق الأمر، إلَّا بدل النّعامة عند المفيد والمرتضى وسلَّار (رحمهم الله)، حيث أوجبوا المتابعة في ستِّين يوماً بدل النَّعامة.

وقال العلَّامة (رحمه الله) في كتاب الصَّوم في المختلف: (بدل البدنة في النّعامة صوم شهرَيْن متتابعَيْن على ما هو المشهور...)[6]

ولا دليل لهم إلَّا انصراف التَّتابع من إطلاق الأمر بالصَّوم، وقد عرفت ما فيه.

قول الماتن: (والسَّبعة في بدل الهدي، خلافاً للحسن، والحلبيّ، وعوّلا على رواية حسنة)

 

هذا هو المورد الثَّالث، وهو صوم السَّبعة بدل الهدي، فقد ذهب كثير من الأعلام إلى عدم وجوب التَّتابع فيه.

خلافاً لابن أبي عقيل وابن زهرة وأبي الصَّلاح (رحمهم الله)، فأوجبوا التَّتابع فيها، كالثَّلاثة في بدل الهدي الَّتي يصومها في الحجّ، وهو الإنصاف عندنا.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى عدم الوجوب فيها، فقدِ استدلّ برواية إسحاق بن عمَّار (قَاْل: قلتُ لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام): إنِّي قدمت الكوفة، ولم أصم السَّبعة الأيام حتَّى فزعت في حاجة إلى بغداد، قال: صُمْها ببغداد، قلتُ: أفرِّقها؟ قال: نعم)[7]

ولكنَّها ضعيفة بجهالة مُحمّد بن أسلم، ووقوعه في إسناد تفسير عليّ بن إبراهيم، وكامل الزِّيارات لا ينفع؛ لعدم كونه من المشايخ المباشرين.

وأمَّا القول الآخر، فقدِ استُدل له بروايتَيْن:

الأُولى: رواية الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين (عليه السلام)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: السَّبعة الأيام، والثَّلاثة الأيام في الحجِّ لا تفرق، إنَّما هي بمنزلة الثَّلاثة الأيام في اليمين)[8] .

ولكنَّها ضعيفة؛ لعدم وثاقة الحسين بن زيد، قال النَّجاشيّ: (يلقّب ذا الدَّمعة، كان أبو عبد الله (عليه‌السلام) تبنَّاه وربَّاه، وزوجه ببنت (بنت) الأرقط)[9]

 


[1] الجواهر: ج17، ص68.
[2] الجواهر: ج17، ص67.
[3] الوسائل باب2 من أبواب بقيَّة الصَّوم الواجب ح1.
[4] الوسائل باب10 من أبواب بقيَّة الصَّوم الواجب ح1.
[5] الوسائل باب10 من أبواب بقيَّة الصَّوم الواجب ح3.
[6] المختلف: ج3، ص509.
[7] الوسائل باب55 من أبواب الذَّبح ح1.
[8] الوسائل باب10 من أبواب بقيَّة الصَّوم الواجب ح2.
[9] رجال النَّجاشيّ: ص52.
logo