« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه

46/10/23

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا صالحه على داره مثلاً وشرط عليه أن يحجّ بعد موته ... و لو أوصى بالحجّ عنه ماشياً أو حافياً/فصل في الوصیّة بالحجّ /كتاب الحجّ

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في الوصیّة بالحجّ /إذا صالحه على داره مثلاً وشرط عليه أن يحجّ بعد موته ... و لو أوصى بالحجّ عنه ماشياً أو حافياً

 

وقد ذكر المصنّف (قده) مثالين لهذه المسألة:

الأوّل: إذا باع زيد داره بمائة دينار إلى عمرو، وشرط علىه أن يصرف هذا المبلغ في الحجّ عنه أو عن غيره، فإنّ هذا المال يخرج من الأصل؛ لأنّه لا ينتقل إلى الورثة، بل يبقى على ملك الميّت، فلا يجري عليه أحكام الوصيّة.

ولكن هذا المثال ليس مورداً للمسألة المبحوث عنها في المقام؛ وذلك لأنّ المال (المائة دينار) قد انتقل إلى ملك البائع في حياته، وقد شرط على المشتري أن يصرفه في الحجّ عنه بعد وفاته، ومع موت البائع ينتقل المال إلى الورثة؛ لأنّ ما ترك الميّت من مال أو حقّ فهو لوارثه. وعليه، فإنّ شرط الحجّ في هذا المثال يكون من باب الوصيّة، ويجري عليه كلام المحقّق القمّي (قده) من أنّه إذا كان بمقدار الثلث نفذت الوصيّة، وإن كان زائداً عنه توقّف على إمضاء الورثة.

ففرق بين مثال المسألة العاشرة إذ لم يوجد مال، بل وجود عمل مشترط، بينما هنا يوجد مال يملكه البائع، فإذا شرط أن يُصرف في الحجّ عنه أو عن شخص آخر ومات، فهو وصيّة يخرج من الثلث.

الثاني: إذا ملّك زيد داره إلى عمرو، وشرط عليه أن يبيعها ويصرف ثمنها في الحجّ عنه بعد وفاته، فإنّ الدار انتقلت إلى عمرو بإزاء الثمن، ويجب عليه الوفاء بالشرط. وهذا المثال صحيح لهذه المسألة، ويأتي فيه ما تقدّم، فبناء على رأي المصنّف (قده) يخرج ثمن الحجّ من الأصل، وبناء على رأي المحقّق القمّي (قده) يخرج من الثلث، وبناء على ما ذكرناه من أنّ الحجّ المشروط بعقد الصلح لا يكون مالاً ولا ملكاً، بل هو عمل خارجي يجب على المشروط عليه الإتيان بالشرط والحجّ مجّاناً عن الشارط، فإذا عمل بالشرط فهو، وإلّا يثبت الخيار للوصي أو الحاكم الشرعي، فإن فسخ الوصي أو الحاكم رجع المال إلى ملك الميّت الشارط بعد موته، وهو مال جديد حصل عليه بعد الموت لا ينتقل إلى الورثة، بل يُصرف عنه في الحجّ باستئجار شخص آخر، أو يُصرف عنه في وجوه البرّ.

وهناك مثال آخر قد ورد علينا بأنّه إذا وهب شخص مبلغاً معيّناً لشخص آخر بشرط أن يدفع الموهوب له مالاً لمن يصلّي ويصوم عن الواهب بعد وفاته لعدّة سنوات، فإذا لم يتمكّن الموهوب له من العمل بالشرط حتّى وفاته وأوصى بأدائه، فإنّ هذا المال يخرج من أصل تركة الموهوب له لا من ثلثها؛ لأنّ الواجب على الموهوب له العمل للواهب بإعطاء المال لمن يصلّي ويصوم عنه، وهذا بمنزلة الدَّين فيخرج من الأصل، ولا يكون من باب الوصيّة.

(مسألة11): لو أوصى بأن يحجّ عنه ماشياً أو حافياً صحّ، واعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبياً، وخروج الزائد عن أُجرة الميقاتية عنه إن كان واجباً، ولو نذر في حال حياته أن يحجّ ماشياً أو حافياً ولم يأت به حتّى مات، وأوصى به أو لم يوص وجب الاستئجار عنه من أصل التركة كذلك. نعم، لو كان نذره مقيّداً بالمشي ببدنه أمكن أن يقال بعدم وجوب الاستئجار عنه؛ لأنّ المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط بموته؛ لأنّ مشي الأجير ليس ببدنه، ففرق بين كون المباشرة قيداً في المأمور به أو مورداً.

في هذه المسألة فرعان:

الأوّل: لو أوصى الميّت أن يُحجّ عنه ماشياً أو حافياً أو مع الركوب على جمل معيّن أو دابّة معيّنة، فقد ذهب المصنّف (قده) إلى صحّة الشرط والوصيّة، فإذا كان الحجّ الموصى به ندبيّاً فإنّ جميع مصارفه تخرج من الثلث، وأمّا إذا كان الحجّ الموصى به واجباً فإنّ المقدار الواجب منه وهو الحجّ من الميقات يخرج من الأصل والزائد عنه يخرج من الثلث.

الثاني: لو نذر في حال حياته أن يحجّ ماشياً أو حافياً، وتمكّن من ذلك، ولكن لم يأت به حتّى مات، فقد ذهب المصنّف (قده) إلى وجوب الاستئجار عنه من أصل التركة؛ وذلك لأنّ المصنّف (قده) ذهب إلى أنّ الحجّ الواجب بالنذر ونحوه يجب قضاؤه ويخرج ثمنه من الأصل كحجّ الإسلام.

وعليه، فإنّ الحجّ المنذور مع جميع خصوصيّاته من المشي أو الحفاء يخرج من الأصل، ولا فرق في ذلك بين أن يوصي به أم لم يوص به.

وقد ناقش المحقّق الخوئي (قده) ذلك فقال: إنّ الحجّ الواجب الذي يخرج من صلب المال إنّما هو حجّ الإسلام، والذي يخرج من الأصل هو الحجّ الميقاتي والزائد عليه الذي أوصى به يخرج من الثلث، وأمّا غير حجّ الإسلام ـ كالحجّ النذري ـ فلا دليل على خروجه من الأصل، وإنّما ادُّعي الإجماع على أنّ الحجّ النذري كحجّ الإسلام يخرج من الأصل، لكنّه لو سلّمنا تماميّة هذا الإجماع، فإنّه يتمّ في خروج أصل الحجّ المنذور من صلب المال لا في خصوصيّاته؛ وذلك لأنّ الإجماع دليل لبّي لا بدّ من الاقتصار فيه على القدر المتيقّن، وهو خروج أصل الحجّ النذري من الأصل دون الخصوصيّات، نظير الصوم المنذور في يوم معيّن كصوم أوّل جمعة من شهر رجب، فإذا صادف هذا اليوم يوم عيد أو اتّفق له السفر أو المرض في هذا اليوم ولم يتمكّن من الصوم، فإنّ القاعدة تقتضي بطلان نذره؛ لعدم التمكّن من متعلّقه، ولكن النص دلّ‌ على وجوب القضاء، ومقتضاه وجوب أصل القضاء دون الخصوصيّات المنذورة، ولذا يجب عليه أن يقضي يوماً بدل يوم[1] .

ولكنّنا نناقش ما ذكره المحقّق الخوئي (قده) من عدم وجوب قضاء الخصوصيّات المنذورة، فنقول: إذا قلنا إنّ الحجّ المنذور ماشياً أو حافياً يجب قضاؤه، فإنّ القضاء لا بدّ أن يكون مع تلك الخصوصيّة المنذورة، ولا وجه لرفع اليد عنها، مع ملاحظة أنّ المقام يختلف عن التشبيه بقضاء الصوم المنذور في يوم معيّن؛ وذلك لأنّ القضاء مع تلك الخصوصيّة المنذورة في الصوم متعذّر إذا صادف يوم عيد أو كان الناذر مسافراً أو مريضاً في ذلك اليوم، بخلاف المقام فإن قضاء الخصوصيّة المنذورة ـ كالمشي أو الحفاء ـ ممكن بأن يستأجر شخص يحجّ عنه ماشياً أو حافياً.

 


logo