« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ حسن الجواهري
بحث الفقه

46/08/16

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا أوصى بالحجّ فإن علم أنّه واجب .../فصل في الوصيّة بالحجّ /كتاب الحجّ

 

الموضوع: كتاب الحجّ/فصل في الوصيّة بالحجّ /إذا أوصى بالحجّ فإن علم أنّه واجب ...

 

وبالجملة: إنّ خروج قيمة الحجّ من الأصل موقوف على كون الحجّ الموصى به واجباً، وهو حجّة الإسلام بناء على ما ذهبنا إليه، أو أيّ حجّة واجبة بناء على ما ذهب إليه صاحب العروة (قده)، أمّا لو شُكّ أنّ الحجّ الموصى به واجب أو مستحبّ (الفرع الثالث)، فإنّ قيمته تخرج من الثلث لعدم العلم بوجوب الحجّ الموصى به حتّى يخرج من الأصل.

إذن، الصحيح هو ما ذهب إليه المصنّف (قده)، خلافاً لصاحب الرياض (قده).

وقد استثنى المصنّف (قده) موردين من لزوم إخراج الحجّة المشكوكة عند الوصيّة من الثلث.

الأوّل: إذا كان هناك انصراف يدلّ على أنّ الحجّ الموصى به حجّة الإسلام، فهنا تخرج قيمة الحجّ من الأصل، كما هو الحال في الوصيّة بأداء الخمس أو الزكاة أو سائر الحقوق الماليّة، حيث تنصرف الوصيّة إلى الواجب.

الثاني: إذا كان على الميّت حجّة الإسلام سابقاً، ولكنّه لم يُعلم أنّه أتى بها أو لا، وشكّ الوصي أو الوارث في إتيانه بها عن نفسه بسبب انقطاع أخباره كأن سافر إلى بلاد بعيدة، ثمّ أوصى بالحجّ قبل موته، فإنّ الظاهر هنا جريان الاستصحاب[1] عند شكّ الوصي أو الوارث، فيُحكم ببقاء حجّة الإسلام في ذمّته وعدم الإتيان بها، فتكون الوصيّة بالحجّ الواجب، أي: بحجّة الإسلام، وبالتالي تخرج قيمتها من الأصل.

ثمّ قال صاحب العروة (قده): إنّ الأمر في جريان هذا الاستصحاب في كثير من الموارد محلّ إشكال؛ وذلك لحصول العلم (الإجمالي) غالباً بأنّ الميّت كان مشغول الذمّة بدَين أو خمس أو زكاة أو حجّ أو نحو ذلك من الحقوق الماليّة، فإنّ القول بجريان الاستصحاب في هذه الموارد يستلزم عدم جواز التصرّف في التركة إلّا بعد أداء هذه الواجبات.

ثمّ دفع (قده) هذا الإشكال بالحمل على الصحّة فقال: إنّ ظاهر حال المسلم هو الإتيان بما وجب عليه، لكنّه (قده) أشكل على نفسه بأنّ لا دليل على اعتبار ظاهر حال المسلم في إتيانه للواجبات. نعم، تجري أصالة الصحّة في خصوص الواجبات المؤقّته إذا انتهى وقتها وشكّ بعد ذلك في صحّة أدائها، أمّا الواجبات الموسّعة ـ مثل الحجّ مع عدم التسويف ـ فلا يجري هذا الأصل فيها؛ لأنّ أصالة الصحّة إنّما تكون بعد الإتيان بالعمل مع الشكّ في وقوعه صحيحاً أم لا، فإنّ جريان هذا الأصل وموضوعه موقوف على تحقّق صدور الفعل من المكلّف إذا كان مردّداً بين الصحّة والفساد، بينما المقام ليس كذلك، حيث لم يُعلم أصلاً إن كان الميّت قد أتى بالواجب عن نفسه أم لا.

فالأحوط الإخراج من الأصل، أي: إذا كان عليه خمس وشُكّ في إتيانه، أو إذا كان عليه زكاة وشُكّ في إتيانها، أو إذا كان عليه حجّة الإسلام وشُكّ في إتيانها، أو إذا كان عليه دَين وشُكّ في وفائه، فكلّ ذلك يخرج من الأصل (عند حصول علم إجمالي بوجوب واحدة من هذه الأمور).

ثمّ قال المحقّق الخوئي (قده)[2] بأنّ موارد الاشتغال بالحقوق الماليّة على ثلاثة أقسام.

الأوّل: إذا تعلّق الحقّ كالخمس والزكاة بعين المال واشتغلت ذّمة الميّت بذلك، وكانت العين المتعلّق بها هذه الحقوق موجودة، وشُكّ في أنّ الميّت هل أدّى ما عليه من الحقّ أم لا؟ فهنا يجري الاستصحاب ويُحكم بعدم إعطاء الخمس أو الزكاة لهذا المال الخارجي؛ إذ الأصل عدم الأداء.

ثمّ إنّ العبرة بشكّ الوارث أو الوصي، فلا يضرّ جهلنا بكون الميّت شاكّاً حين الموت أو عالماً بالأداء وعدمه، ولا يكفي التمسّك بأصالة الصحّة لإثبات أنّ الميّت أدّى ما علىه من الحقّ المتعلّق بعين المال؛ لأنّ أصالة الصحّة بمعنى حمل فعل المسلم على الصحيح تعني أنّ المكلّف لم يرتكب محرّماً، فيحمل عمله وهو ابقاء العين عنده على الصحيح وأنّه لم يفعل حراماً بعمله هذا، ولا يترتّب على هذه الأصالة أيّ أثر شرعي، وإنّما نتيجتها عدم ذمّ المؤمن بالسوء، وليس هذا مثل أصالة الصحّة في العقود والايقاعات المترتّبة عليها الآثار الشرعيّة، فإنّ مقامنا كما لو أنّ رجلاً تكلّم بكلام لا نعلم أنّه سبّ لنا أو سلام علينا، فإنّ مقتضى حمل فعله، أي: كلامه على الصحّة أنه لم يسبّنا، إلّا أنّه لا يثبت بذلك أنّه سلّم علينا حتّى يجب علينا ردّ السلام، فأصالة الصحّة بهذا المعنى لا يترتّب عليها أيّ أثر، فلا يثبت بصحّة ابقائه العين عنده إلّا أنّه لم يرتكب محرّماً بهذا الإبقاء، لا أنّه أدّى الخمس أو الزكاة حتّى لا يجب إخراجها، فلا شكّ في المقام بوجوب إخراجهما من العين لأجل استصحاب عدم الأداء وبقاء اشتغال ذمّته بهما.

الثاني: إذا تعلّق الحقّ بعين المال ولكنّ المال لم يكن موجوداً بعينه، وشُكّ في أنّ الميّت قد أدّى خمسه أو زكاته قبل تلف المال أو أنّ المال تلف قبل أداء الحقّ وقد اشتغلت ذمّته به‌؟ فهنا استصحاب عدم أداء الخمس أو الزكاة لا يؤثّر في إثبات الضمان ولا يوجبه؛ لأنّ المفروض أنّ المال تلف حينما كان الميّت وليّاً عليه وكان جائزاً له إتلاف المال واستبدال الخمس من مال آخر، والضمان إنّما يترتّب على التفريط، وهو غير محرز، واستصحاب عدم الأداء لا يثبت التفريط.

 


[1] لأنّ وجوب الحجّ على الموصي يترتّب عليه لزوم إخراج الحجّة من الأصل على الوصي أو الوارث.وهذا ليس من قبيل شكّنا في بقاء دَين على زيد مع عدم ترتّب أثر علينا (على فرض بقاء الدَّين)، فلا يقال إنّ الواجب ثابت على الموصي، وحين الوصيّة لم يُعلم حاله هل كان شاكّاً في بقاء الوجوب أو كان عالماً بالفعل والترك؟ وشكّ الوصي أو الوارث لا يكفي في جريان الاستصحاب، فالمتيقّن هو وجوب ثابت على الموصي، والشاكّ هو الوصي أو الوارث، لا يقال هذا الكلام. إذن، يجري الاستصحاب إذا تيقّنا نحن بالوجوب على الموصي وشككنا نحن (الوصي أو الوارث) في إخراجه من الأصل؛ لأنّه يترتّب عليه لزوم إخراج الحجّة من الأصل على الوصي أو الوارث.
logo