« قائمة الدروس
آیةالله الشيخ بشير النجفي
بحث الفقه

46/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

 صلاة المرأة بالحرير/شرائط لباس المصلي /كتاب الصلاة

الموضوع: كتاب الصلاة/شرائط لباس المصلي / صلاة المرأة بالحرير

كنا قد بدأنا الكلام في حكم لبس المرأة للحرير.

والديباج هو نوع من الحرير وهناك فرق بين وبين باقي الأصناف إلا أنه بالمعنى العام كلاهما واحد.

والكلام في لبس المرأة للحرير يكون في مقامين:

المقام الأول: لبسهاه له مطلقاً مع غض النظر عن الصلاة والاحرام، فهل يجوز للمرأة أن تلبس الحرير أو لا؟

ادعي الاجماع والاتفاق من أكثر من فقيه على الجواز، كما ذكر صاحب الجواهر، وكذلك في المستمسك.

وهذه الأمر محل إشكال؛ لأن المسألة منصوصة في الروايات، وإن كانت هذه الروايات الموجودة بين أيدينا في الوسائل وغير الوسائل أغلبها ضعيف، لكن كيف يمكن للفقيه أن يستدل بالإجماع والاتفاق مع وجود عدة روايات في البين؟

ولو فرضنا كون هذه الرواية ضعيفة عندي وعند الأساتذة (رض) في قبال من يقول بأنها قوية أو معتبرة، فدعوى الاجماع في هذه الحالة تكون عدتها على مدعيها!

بل ذكرنا كثيراً أنه لا يمكن إثبات الاجماع بالمعنى الاصطلاحي إلا مع عدم وجود رواية في المقام والحال أن في المقام روايات معتمد عليها لدى الفقهاء فعليه دعوى الاجماع في المقام لا يرجع الى معنى محصل.

ولذا فعلى الفقيه أن يلاحظ تلك الروايات ويأخذ منها القدر المتيقن ليصحّ اعتماده عليها، ولا يأخذ كل واحدة على حدة لأنها ضعيفة.

فعليه نقرأ جملة من الروايات بخدمتكم:

منها: الرواية الثانية من الباب السادس عشر من أبواب لباس المصلي:

روى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن ليث المرادي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كسا أسامة بن زيد حلة حرير فخرج فيها فقال: مهلا يا أسامة، إنما يلبسها من لا خلاق له، فاقسمها بين نسائك.

وهذه الرواية بحسب قرائن ألفاظها لا تدل كون الحكم فيها مختصاً بشخص واحد فالإمام عليه السلام قال له: (فاقسمها بين نسائك).

وكلمة خلاق بحسب تتبعي للمصادر التي بين يدي لها معنيان:

الأول الحظ والنصيب، والثاني الدين.

هذا ما وجدته في قواميس اللغة العربية، وربما كان لها معانٍ أخر تحصل بتتبع أوسع.

والمناسب للمقام هو التفسير الثاني فالنبي صلّى الله عليه وآله عندما يقول لأسامة أنه لا يلبس الحرير إلا من لا خلاق له، يعني من لا دين له، فيفهم من هذه الرواية النهي وحرمة لبس الحرير للرجال.

 

ومنها: الرواية الثالثة من نفس الباب:

رواها الكليني بإسناده عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: النساء يلبسن الحرير والديباج إلا في الإحرام .

وإن شاء الله نذكر النصوص التي جوز فيها الإمام عليه السلام لبس الحرير للنساء في الإحرام خشية البرد وما شاكل.

وعليه فهذه الرواية محمولة على الكراهة.

 

ومنها: الرواية الرابعة من هذا الباب، وقد تمسك بها حكيم الفقهاء (رض):

عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن سماعة، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فأما في الحر والبرد فلا بأس .

وهذه الرواية معتبرة، لكن النهي الذي فيها يحمل على الكراهة حالةَ الإحرام جمعاً مع الروايات التي جوزت لبس المرأة للحرير مطلقاً ولذا لا يصار إلى القول بحرمة لبسها للحرير في الإحرام.

 

ومنها: الرواية الخامسة من نفس الباب:

محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) - في حديث المناهي - قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن لبس الحرير والديباج والقز للرجال، فأما النساء فلا بأس.

وهي ضعيفة.

 

ومنها: الرواية السادسة من نفس الباب:

عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ليس على النساء أذان - إلى أن قال - ويجوز للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام، وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد.

وهذه الرواية وإن كانت أيضاً ضعيفة ولكن الإمام استثنى فيها الصلاة والإحرام.

ومنها: الرواية التاسعة من نفس الباب:

روى في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الديباج هل يصلح لبسه للنساء؟ قال: لا بأس.

 

فالخلاصة أن بعض الروايات نهت عن لبس النساء للحرير حال الصلاة والإحرام وغيرها جوزت لبسها له مطلقاً.

حكيم الفقهاء (رض) ذكر أدلة القائلين بالمنع، وناقشها جميعها، ثم تمسك برواية ابن بكير، بدعوى كونه من أصحاب الإجماع.

وابن بكير وإن عده البعض من الأجلاء، إلا أن دعوى أنه لا يروي إلا عن ثقة فيها مشكلة عندي ذكرتها سابقاً: وهي أن من يقول ذلك فذلك إليه أما نحن فلا أن نعرف من الذي روى عنه لنحكم بأنه فعلاً ثقة؛ حيث ثبت فعلاً روايته عن غير الضعاف أو غير الثقاة!

كذلك فعلوا بمراسيل شيخنا الصدوق ومراسيل ابن أبي عمير؛ فالبعض يأخذ بها دون معرفة الراوي الذي روى عنه الصدوق أو ابن أبي عمير، والحال أنه لا يمكن الحكم بوثاقته ما لم يعرف.

فاعتماد حكيم الفقهاء (رض) على رواية ابن بكير بدعوى كونه من أضحاب الإجماع غير واضح أبداً.

نعم هناك رواية اعتمد عليها حكيم الفقهاء وهي الرواية الرابعة وقد ذكرناها أول البحث، وهي معتبرة.

logo