1404/09/11
بسم الله الرحمن الرحیم
فی مطلوبیة تکثیر الموالید /فی تحدید النسل /مسائل مستحدثه
موضوع: مسائل مستحدثه/فی تحدید النسل /فی مطلوبیة تکثیر الموالید
ومن الآیات التی تدل على أنّ کثرة الأولاد لازمةٌ، ولکن فی زمن خاص أو مکان خاص، ولیس ذلک أمراً عاماً فی جمیع الأزمنة والأمکنة.
مضافاً إلى کون الحکم ثابتاً فی عمود الزمان غیر معقول؛ لأنّ الأحکام تتغیّر بتغییر الشرائط والموانع التی تعرض على الموضوع. ولذا قلنا إنه تارةً یُبحث عن الحکم من وجه الوجوب أو الحرمة أو الجواز فی نفسها، وأخرى بعد تغیّر الشرائط وعروض الموانع؛ فالحکم فی نفسه واضحٌ من وجود المصلحة أو المفسدة بالنظر إلى ذات الشیء المعبر عنه بالمصالح او المفاسد فی نفس الامر و الانشاء یکون بالنظر الی نفس ذلک الشئ . هذا من جهة، و من جهة أخرى یُبحث عن الحکم بعد تغیّر الشرائط، أی تغیّر الحکم من العنوان الأولی إلى العنوان الثانوی. ومن الواضح أنّ الموضوعات الخارجیة کانت متحوّلاً ومتغیراً، ولیس على وجه خاص فی عمود الزمان بل یکون ناظراً الی زمان العمل.
فقال الله تعالى فی سورة الأنفال مخاطباً للمسلمین: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[1] ﴾.
و المُصَرَّح فی الآیة الشریفة أنّ المسلمین کانوا قلیلین بحیث “یَتَخَطَّفُکُمُ النَّاسُ”، فوجب علیهم الاهتمام بکثرة الأولاد حتى یکونوا على قدرة لا یقدر الأعداء على الغلبة علیهم. ومن الواضح أنّ الحکم بطبعه على الجواز وعدم المنع، والحکم بالوجوب أو الحرمة أو الاستحباب والکراهة یحتاج إلى دلیل؛ لأنّ الأحکام کانت بید الشارع الأقدس، ولا یجوز لأحد أن یحکم بحکم ثم ینسبه إلى الشرع. والأمر کذلک فی الأحکام التعبدیة التی لا سبیل للعقل فیها.
و لکن إذا کانت کثرة الأولاد توجب وهناً أو ضعفاً وفتوراً، فالعقل یحکم بالاستقلال على لزوم تقلیل الأولاد، کما نشاهد فی الهند أو الصین، من أنّ الکثرة توجب زحمة شدیدة وعسراً وحرجاً، ویعیشون فی حاشیة الشوارع أو فی نفس الشوارع مع وجود مشکلات عدیدة فی تأمین ما یحتاج إلیه من الغذاء والثیاب وتحصیل العلم. کما یمکن أن یکون فی بعض الصور أن یحکم العقل بلزوم کثرة الأولاد؛ لأنّ الذکور یقاتلون فی الحرب فیُقتلون، ویوجب ذلک اضطراباً وخوفاً من قلّة الرجال والمحافظین للحدود. ولعل التأکید فی بعض الآیات الشریفة على البنین دون البنات کان لأجل ما ذکرناه.
و من الواضح أنّ بقاء النسل، کما یحتاج إلى الإناث، یحتاج إلى الرجال أیضاً، فلزم على الباقین جبران ما فات منهم وتدارک ما هو اللازم لهم.
وأضف إلى ذلک أنّ الله تعالى أعطى الإنسان العقل، فعلیه تدبیر الأمور فی تکثیر الأولاد أو تقلیلها على ما یمکن له.
ولا بأس بذکر الأدلة فی رجحان الکثرة من الوجوب أو الاستحباب على ما ذهب إلیه بعض، وکذا فی کراهة ذلک أو حرمتها؛ بعد کون الأحکام فی الموضوعات بالعنوان الأولی على الجواز والإباحة، وأنّ الحکم بغیر ذلک یکون على العنوان الثانوی.
وأما أدلة القائلین برجحان الکثرة، فقد یُستدل بآیات و روایات، وقد مرّ بعضها خلال الأبحاث الماضیة، ولأنه یُبحث عنها سابقاً سنذکرها على وجه الإجمال.
ومنها ما ذکرناه فی قصة نوح فقال الله تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا[2] ﴾.
والظاهر من الآیة الشریفة أنّ هذه البرکات تنزل على الإنسان بعد الاستغفار والإنابة إلى الله تعالى، ولکن فرق واضح بین کون البرکات فی نفس الموضوع، وبین ما إذا کان لأجل أمر آخر. وما نحن بصدده لکان فی نفس الموضوع – بأنّ کثرة الأولاد محبوبةٌ بنفسها فی الشریعة–. ومن البدیهی أنّ الحکم یتغیّر بتغیّر الشرائط؛ فربما أمرٌ یکون جائزاً بالعنوان الأولی و صار حراماً بالعنوان الثانوی، ففی الاستدلال بهذه الآیة على أنّ کثرة الأولاد بنفسها محبوبة محلّ تأمل.
نعم، یمکن أن یُقال إنّ ترتّب البرکات على مورد الاستغفار، لکان إشارة إلى أنّ کثرة الأولاد محبوبةٌ فی الشریعة؛ ولذا تترتّب هذه البرکات لمن استغفر الله وأناب إلیه؛ فالآیة تدلّ على أنّ کثرة الأولاد مرغوبٌ فیها فی الشریعة، وما کان محبوباً فی نظر الشارع تترتّب علیه [البرکات] لصاحب الاستغفار.
ومن الآیات الشریفة قوله تعالى فی قصة قوم هود: ﴿أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ[3] ﴾.
والکلام فیها هو ما ذکرناه فی الآیة السابقة.
مضافاً إلى أنّ الإمداد لأجل الأعمال یکون من مصادیق ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ[4] ﴾. فالأعمال الصالحة موجبة لنزول البرکات، کما أنّ الإمداد بالأنعام أیضاً برکة من الله تعالى جزاءً بما کسبوا؛ فذکر البنین فی جنب هذین الأمرين أیضاً دلیلٌ على أنّ البنین ممّا یحبّه الله تعالى، ولذا أعطى الله تعالى هذه البرکات جزاءً لِلآتیان بالأعمال الحسنة. والإمداد بالأنعام لأجل القدرة الاقتصادیة، والإمداد بالبنین لأجل تحقق القدرة الإنسانیة؛ وکلا هما یکمل الآخر، وکلاهما ضروریٌّ لتحقق الاقتدار فی مقابل العدو.
وفی أکثر من عشر آیات فی الکتاب الشریف جعل الأموال والأولاد قرینتین لاستکمال القدرة اللازمة للاقتدار، والکلام فیها هو ما ذکرناه آنفاً.