< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/08/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع : الواجب النفسي والواجب الغيري

إنّ نظرَنا في بعض الأحيان هو إلى نفس الوجوب لا إلى الواجب ، أي إلى وجوب الوضوء ، لا إلى نفس الوضوء . أمّا عمليّاً فإنّنا إذا قلنا إنّ الوجوب في المورد الفلاني هو نفسيّ فلا محالة سوف يكون متعلّقه ـ كالصلاة مثلاً ـ نفسياً ، وإن قلنا هو غيري فلا محالةَ أيضاً يكون متعلّقه غيرياً ـ كالوضوء ـ وذلك لوجوب التسانخ بـين الموضوع وحكمه . ولذلك ترى كلّ علمائنا ، تارةً يقولون : وجوب الوضوء غيري ، أي أنّ المولى جلّ وعلا جَعَلَ هذا الحكمَ لأجل الغير ، ولولا هذا الغيرُ لما جَعَلَ الوجوبَ مثلاً ، وتارةً يقولون : الوضوءُ غيري ، أي نفس الوضوء هو مقدّمةٌ واجبـيّةٌ للصلاة ، وكلا التعبـيرَين صحيحان .

ثم طرح العلماءُ فرضيّةَ ما لو شُكّ في كون الواجب الفلاني واجباً نفسيّاً أو واجباً غيرياً ، فتساءلوا : ما هو الأصلُ في المقام، هل هو النفسيّة أم الغيريّة ؟ فنقول :

عرفنا ممّا سبق في بحث (النـَّفْسِيّة والعَينيّة والتَّعْيِـينيّة) أنّ الأصلَ اللفظي يقتضي النفسيّةَ ، وأنّ عدم تقيّد صيغة الأمر بكونه مقدّمةً لغَيره يقتضي الإطلاق ، لأنّ كونَه غيرياً فيه تقيّدٌ زائد يُنفَى بالإطلاق المـقامي وبالأصل العقلي والنقلي . فلو شككتَ في كون شيءٍ نفسياً أو غَيرياً لأجل أمْرٍ فلاني ، فالتـقيّدُ بكونه لأجل أمر آخر هو تكليفٌ زائد ، فلو وردك (توضّأ) وشككتَ في كون وجوب الوضوء نفسيّاً ـ أي مطلقاً ، سواء وجب شيء آخر أوْ لا ـ أو غيرياً ـ أي هو بنحو (إذا وجب شيءٌ فتوضّأ) ـ فإنك تـَنفي التـقيُّدَ الزائدَ بالإطلاق المقامي ؟ ليثبت بالتالي عدمُ التـقيّد ...

وأمّا على مستوى الأصل العملي ، فالشكّ يكون بين وجوبه ـ على احتمال وجوبه النفسي ـ وعدمِ وجوبه ـ على احتمال وجوبه الغيري ـ والأصلُ البراءةُ .

لا يستحقّ الممتـثِلُ الثوابَ على فِعْلِ المقدّمات ولا العقابَ على ترْكِها

هل يستحقّ الإنسانُ الثوابَ على فِعْلِ المقدّمة أو العقابَ على ترْكِها كالسير إلى الحجّ والوضوء ؟

الجواب : لا ينبغي أن يستحقّ الإنسانُ الثوابَ على مقدّمة الواجب كما ادّعى بعض الناس ، نعم يمكن أن يَمُنَّ اللهُ تعالى على العبد الممتـثِل الذي يمتـثل الواجبَ الغيري بقصد الإمتـثال والتوصّل ـ لكنْ لا مِن باب الإستحقاق ـ .

كما لا ينبغي أن يستحقّ العقابَ على ترك المقدّمة ، وإنما يستحقّ العقابَ على ترك نفس الواجب النفسي ، وهذه أمور عقليّة واضحة ، وذلك لأنّه ليس المطلوب هو السير إلى الحجّ في نفسه ، بل قد لا يوجَدُ محبوبـيّةٌ في نفس المسير إلى الحجّ كما قلنا قبل قليل ، وإنما المحبوبُ والواجب هو نفس الحجّ . على كلٍّ ، لا يُحتمَل تعدّدُ العقاب على ترك الحجّ وعلى ترْكِ المسيرِ إليه أيضاً .

هل يستحقّ الممتـثِلُ الثوابَ على فِعْلِ الواجب أو هو من باب الـمَنِّ والتـفضّل ؟

إختـلف العلماء في ذلك ، فقال بعضهم بالإستحقاق وقال البعضُ الآخر بعدمه ،

وجه الإستحقاق هو أنه إن كان القيام بعبادة المولى عزّ وجلّ من باب الشكر له تعالى على ما وهبه للإنسانِ من حياة وعقل ودِين ونِعَمٍ ، فقد قيل بأنه يستحقّ الثوابَ عقلاً ، وذلك بادّعاء عدم وجوبها عليه ، ولعلّ المشهورَ بين الفقهاء والمتكلّمين هو هذا القول ، ولعلّ دليلهم هو ما ذكرنا ، وبما أنّ الأمر خطير فلا مصلحة في أن نـتكلّمَ فيه ، فلا يوجد مؤمنٌ في العالَم يتجرّأ ويقول بأننا نمنّ على الله جلّ وعلا بعبادتِه ، فإننا إن قلنا للباري تعالى هذا الكلامَ لَعَلّهُ يُخرِجُنا من رحمته ويحاسبنا في الدنيا والآخرة بِعَدْلِه ، نعوذ بالله من ذلك ... لذلك تركنا هذا البحثَ لغيرنا ، فنحن مجرّدُ عبـيدٍ لله جلّ وعلا وتحت ظلّ حنانه ، نـتـنفّس برَوحه ونحيا بـِمَـنِّـه ، ولو رفع ربُّنا كَرَمَه عنّا وأوكلنا إلى أنفسنا لَوَقَعْنا في محاذيرَ لا يَعْلَمُها إلاّ هو تعالى ، نعوذ بالله من ذلك . (ولعلّنا نكتب في هذا الأمر غداً إن شاء الله ، لكن على مستوى العرفان ومن أصل الفيض الإلهي وأنّ الخلائق هي طلبت درجةً معيّنةً في مرحلة عالم الفيض الأوّل ، واستعدّت أن تحمل أمانة الوَلاية لله ، فأوجبت هي على نفسها هذه الواجبات ، لا أنّ الله تعالى أوجد هذا إنساناً وذاك ملاكاً وذاك جِنّاً وذاك نباتاً وذاك حجراً بالقهر وغصباً عنها ثم أوجب عليها الواجبات الفلانية ، لا ، وإنما هي طلبت الكمال إلى حدّ معيّن فخلقها الله تعالى كما أرادت في ذلك العالم وهو ما فوق عالم الملكوت) .

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo