< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : دليل وجوب المـقدّمات المـُفَوّتة

دليل وجوب المـقدّمات المـُفَوّتة

قلنا أمس إنّ مَنشأ هذا البحثِ هو وقوف العلماء أمام الإشكالات التالية فقالوا : ما هو الوجه في وجوب امتـثال مقدّمات الحجّ قبل وقت الحجّ ولعلّ المستطيعَ لا يـبقى حيّاً ولا مستطيعاً إلى زمان الحجّ وبعد الحجّ فيتبـيّنُ أنّ الوجوب لم يكن فعليّاً عليه ؟

وكذا في مثال الصيام ؟!

وأيضاً لِمَ يجبُ على المكلّف أن يتعلّم الأحكامَ الإبتلائيّةَ قبل وقوعها ؟! وشرحنا المطلب بتطويل ..

فإن قلتَ : ما فائدةُ فِعليّةِ وجوب الحجّ قبل وقته ، مع أنّ نفس الحجّ غيرُ مقدور عليه فِعلاً لأنه يكون في موسمه ؟!

قلتُ : إنّ من فوائد الوجوب الفعلي من حين الإستطاعة ـ مع أنّ الواجب معلّقٌ على مجيء وقته ـ هو الحفاظ على الإستطاعة ووجوب تحرّك العبد نحو تهيئة مقدّمات الواجب قبل فوات الأوان ، وقد عَبَّر بعضُهم عن هذه المقدّمات الواجبـيّة بالواجبات التبعيّة ، في مقابل الواجبات الأصليّة كالحجّ والصيام ، وفي الصيامِ الفائدةُ هي أن يلتـفت الشخصُ إلى وقت طلوع الفجر فلا يأكل عند طلوعه شيئاً ، وأن يغتسل المجنبُ من الجنابة وأن تغتسل المرأةُ التي نَـقَت من الحيض أو النفاس أن تغتسل مِن حَدَثِ الحيض أو النفاس قبل طلوع الفجر .

وقد ذهب إلى مقالة صاحب الفصول بعضُ العلماء كصاحب الكفاية ، وخالفهم البعضُ الآخر كالمحقّق النائيني والسيد الشهيد الصدر فقالا ـ بحقّ ـ بإمكان الإعتماد بالقول بوجوب المقدّمات المـُفَوّتة على حُكْمِ العقل بوجوبها ، إنما في الأمور التي يَتوقّف أداءُ الواجبِ فيها دائماً على فِعْلِ المقدّماتِ المـُفَوّتة ـ كما في مثالَي الحجّ والصيام ـ ، وإلاّ ـ فلولا لزوم التهيؤ قبل وقت الواجب ـ لالتَغَى أصلُ الحجِّ والصيامِ بين كلّ الناس ، ولذلك فليس الطريقُ منحصِراً بنظريّة الواجب المعلّق ، وهذا هو الصحيح . أمّا احتمالُ عدم بقائه حيّاً وقادراً في وقت الواجب فأمْرٌ غيرُ مربوطٍ بنا ، وإنما هي أمورٌ مربوطةٌ بالله العليّ القدير ، فنحن علينا بظاهر الأمور ، وهو وجود الإستطاعة فِعْلاً وحياتُـنا الآن ، فنـتمسّك بوجود الإستطاعة والحياة ـ كما قال صاحب الفصول ـ لِنَدّعي ـ ككلّ العقلاء ـ تحقّقَ الوجوبِ الفعلي للحجّ ، وهذا دليلُنا الآخَر على وجوب المقدّمات المفَوِّتَة ، وقد أخذ السيد الخوئي[1] ـ بحقّ ـ بكلا الجوابين .

أمّا في مثال (إذا زالت الشمسُ فتوضّأ وصَلِّ) فلا يجب تهيئةُ الماء للوضوء قبل الزوال حتى وإن عَلِم أنه لن يستطيع على الطهارة المائيّة بعد الزوال[2] ، وذلك لقول الله تعالى ﴿ إذا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا .. ﴾[3] بناءً على فهْمِ (إذا زالت الشمسُ فتوضّؤوا) ، أمّا قبل الزوال فلا يجب الوضوء أو تهيئةُ الماء حتى وإن علمنا بعدم تمكّنـنا من إيجاد الماء بعد الزوال ، وبتعبـير آخر : لعدم تحقّق الوجوب الفعلي للصلاة بَعدُ ، ولعدم كون الطهارة المائيّة للصلاة من المقدّمات المفوّتة التي يفوت الواجب دائماً بتركها قبل وقتها ـ كما كان الحال في مثالَي الحجّ والصيام ـ ، فإنّ من النودار أن يتوقّف تحقّق الصلاة عن طهارة مائيّة على لزوم تحصيل الماء قبل الزوال ، فغالباً يكون الماءُ موجوداً بعد الزوال ، ولذلك لا يَحْكُمُ العقلُ بلزوم تهيئة الماء وتطهير اللباس والبدن قبل الزوال حتى وإنْ عَلِمَ المكلّفُ أنه لن يتهيّأ له الماءُ بعد الزوال ، كما لا يَحكُمُ العقلُ ـ بوضوح ـ بوجوب رَبْطِ المـُنَـبِّه للإستيقاظ على صلاة الصبح حتى ولو علم أنه لن يستيقظ في وقت الفريضة ، ولا أقلّ لقاعدة البراءة الشرعيّة من وجوب ربط المنبّه أو تطهير الثياب أو البدن أو التوضؤ قبل الزوال حتى وإن علمنا بعدم تمكنِـنا من ذلك بعد الزوال ، وذلك لأنه شكٌّ في أصل التكليف .

إذا عرفت ما نقول تعرفُ أمرين :

الأوّل : إنّ كلّ الواجبات الشرعيّة أو أغلبَها هي معلّقة على زمان متأخّر أو على مقدّمات ـ وليست منجّزةً في الحال ـ سواء كان الواجب بعد دقيقة أو نصف دقيقة أو ربع دقيقة ، أو كان بعد ساعة أو يوم أو سنة ، لكن يتوهّمُ الإنسانُ أنّ الذي هو واجب في هذه الدقيقة هو منجّز ، والذي يجب بعد ساعة مثلاً هو معلّق ، فقالوا : (صلاة الظهر منجّزة علينا فورَ الزوال) ، ولم يلتـفتوا إلى أنها بعد الزوال تحتاج إلى مقدّمات لنَمْتـَثِـلها ، ولو قال المولى لعبده (تصدّقِ الآن) فإنّ على العبد أن يأخذ المالَ ويقدّم يدَه إلى الفقير ليعطيه المال ، ولذلك نقول كلّ الواجبات أو أكثرها هي معلّقة ، لأنها معلّقة على مقدّمات لا تكون حاصلةً عادةً .

والثاني : إنّ كلّ الواجبات الشرعيّة مشروطةٌ بـبقاء الإنسان حيّاً وقادراً إلى آخر وقت الواجب .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo