< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الحُكمُ المطلَق والحُكم المشروط

الحُكمُ المطلَق والحُكم المشروط

شرحنا أمس كلّ الدرس ، وذكرنا ما نسب إلى الشيخ الأنصاري ، فنعيد بعض ما ذكرناه لربط الفكرة السابقة بالفكرة التالية فنقول :

نُسِبَ إلى الشيخ الأنصاريأنه قال[1] إنّ الشروط الواقعة في القضايا الشرطية الشرعيّة إنما تـقيّد متعلّقاتِ الأحكام ، ولا تـقيّد نفسَ الأحكام ، بخلاف ما هو الظاهر عرفاً ـ باعتراف نفس الشيخ الأنصاري ـ ...

وذكرنا الجواب المعروف بين العلماء هو أنّ المعاني الحرفيّة هي جزئيّة إضافيّة ، أي أنها كليّة في ذاتها ، فهي قابلةٌ للتقيـيد ...

والـتحـقيـق أنّ ههنا جوابين : حَـلّي ونـقضي :

أمّا الحـَلّي فهو إبطال لأصل فكرة التقيـيد فنقول : إنّ المسألة مسألةُ تعليق بوضوح[2] ـ لا تـقيـيد وتخصيص وتضيـيق ـ وح فلا مورد للإتيان بإشكال أنّ (المعنى الحرفي جزئيّ حقيقي ، إذن فلا يقبل التقيـيد) ، وعليه فإذا كانت المسألةُ مسألةَ تعليقٍ ـ في مقابل الإطلاق ـ فإنّ من الواضح أنه يمكن تعليق وجوب الحجّ على الإستطاعة في قول المولى (إنِ استـطعتَ فحِجَّ) ، كما يمكن الإطلاق فـتـقول (إعدِلْ) من دون تعليق على شرط الإستطاعة الماليّة على الحجّ أو الزوال أو القدرة على الصيام .

وأمّا الجواب النـَقْضي على كلام الشيخ الأنصاري فهو مبنيّ على افتراض صحّة القول بأنّ المسألة مسألة تقيـيد فنقول : إنّ هيأة (صَلِّ) أو (صُمْ) أو (حِجَّ) تـفيد معنى كلّياً ـ لا جزئيّاً كما يدّعي الشيخ الأنصاري ـ وذلك لأنّ مُفادَها بنظر العرف هو (إفْـعَلْ) ، بدليل إمكان التعويض عن (حِجَّ) بـ (إفْـعَلِ الحجَّ) ، ومُفادُ (إفعلْ) هو الوجوب بوضوح ، ووجوب الحجّ وإن كان جزئيّـاً من جهة ربط الوجوب بالحجّ ـ لذلك فهو جزئيّ من هذه الجهة ـ ، ولكنه كلّيّ من جهة المحكيّ عنه ، أي المعنى الإسمي لوجوب الحجّ ، ولذلك يكون قابلاً للتـقيـيد . ومن هذه الجهة الكليّة حصل التقيـيد في قول الشارع المقدّس (إنِ استطعتَ فحِجَّ) ، لذلك فهو يفيد عرفاً أنّ وجوب الحجّ ـ الذي هو كُلّي ذهني ـ مقيّد بالإستطاعة بلا أيّ إشكال أصلاً .

وبتعبـير آخر : كنّا قد ذكرنا في مسألة وضْعِ الحروف بأنّ الحروف وُضِعَتْ بالوضع العامّ وأنّ المعنى الموضوع له الحرف هو أيضاً معنى عامّ كلّيّ ، فمثلاً هيأةُ الأمر وضَعَها الواضعُ بالشكل التالي : هو تصوّر هيأةَ (صَلِّ) مثلاً و (صُمْ) و (حِجَّ) ، فوضَعَ هذه الهيأةَ المشتركة لمعنى الطلب ، فهيأةُ (حِجَّ) لها جهتان ، جهة جزئيّة بلحاظ هذه الكلمة ، وجهة عامّة بلحاظ هيأة الطلب العامّة ، وبالتالي يكون المعنى الموضوعةُ له الهيأةُ ، تارةً عامّاً ـ بلحاظ الهيأة المشتركة الوضع ـ وتارةً يكون خاصّاً بلحاظ معنى هذه الهيأة الخاصّة ، والمولى تعالى حينما يكلّم الناس فإنما يكلّمهم بلحاظ عامّ ، أي بمعنى (إن استطعتم فحجّوا) ، فالهيأة هنا المراد منها (فافعلوا الحجّ) أي أنّ المنظور إليه هنا المعنى الكلّي للهيأة ، وبما أنه كلّي فهو إذن قابل للتقيـيد .

هذا ، إضافةً إلى عدم وجود معنى صحيح لكلام الشيخ الأنصاري بأنّ وجوب الحجّ مطلق فإذن هو فعليّ حتى قبل الإستطاعة !! نعم نفس الحجّ مقيّد بالإستطاعة !! فهذا الكلام يخالف فهْمَ كلِّ البشر ، لذلك اشتهر القول بعدم صحّة نسبة هذا الكلام للشيخ الأنصاري[3]


[1] والناسب هو العلاّمة الميرزا أبو القاسم النوري في التقريرات المسمّاة مطارح الأنـظار : ص45، ـ 46 .
[2] إستـفدنا هذا الجواب ممّا ذَكَرَه صاحب الكفاية . راجع منـتهَى الدراية : ج2، ص191، وممّا ذَكَرَه السيدُ الخوئي في محاضراته : ج2، ص326 .
[3] راجع منـتهى الدراية : ج2، ص197 ترى مجموعة من العلماء ينكرون هذه النسبة للشيخ الأنصاري .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo