< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/07/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الشرط المتأخّر

لا يستحقّ الممتـثِلُ الثوابَ على فِعْلِ المقدّمات ولا العقاب على ترْكِها

هل يستحقّ الإنسانُ الثوابَ على فِعْلِ المقدّمة أو العقابَ على ترْكِها كالسير إلى الحجّ والوضوء ؟

الجواب : لا ينبغي أن يستحقّ الإنسانُ الثوابَ على مقدّمة الواجب ، نعم يمكن أن يَمُنَّ اللهُ تعالى على العبد الممتـثِل ، لكن لا مِن باب الإستحقاق ، كما لا ينبغي أن يستحقّ العقابَ على ترك المقدّمة ، وإنما يستحقّ العقابَ على ترك نفس الواجب النفسي ، وهذه أمور عقليّة واضحة ، وذلك لأنّه ليس المطلوب هو السير إلى الحجّ في نفسه ، بل قد لا يوجَدُ محبوبـيّةٌ في نفس المسير إلى الحجّ كما قلنا قبل قليل ، وإنما المحبوبُ والواجب هو نفس الحجّ . على كلٍّ ، لا يُحتمَل تعدّدُ العقاب على ترك الحجّ وعلى ترْكِ المسيرِ إليه أيضاً .

الشرط المـتأخّر

كان الكلام في مقدّمة الواجب ، أو قُلْ : في قيود الواجب ، ولاحظتَ أنّ مقدّمة الواجب تكون متقدّمةً زماناً على نفس الواجب ، كالسير إلى الحجّ ، ولكن لاحَظَ العلماءُ أنّ بعضَ الأفعال قد تكون مقيّدةً أحياناً بقيدٍ متأخّر زماناً على وجود نفس الفعلِ ، كتـقيّد صحّة صيام المرأة المستحاضة بالغُسل بعد انـتهاء يوم صيامها ـ على ما ادُّعِيَ ـ وكتـقيّد صحّةِ البـيع الفضولي بالإجازة اللاحقة ـ على القول الحقّ ـ فتساءلوا : كيف يتأخّر الشرطُ ـ أي جزء العلّة ـ ويتقدّم المشروط ـ أي المعلول ـ والمفروضُ أن تكون العِلّة بأجزائها هي المتـقدّمة رتبةً والمقارنة زماناً مع المعلول ، فكيف يمكن اشتراط صحّة صيام المستحاضة السابق بلحوقه بالغُسل بعد انصرام النهار ؟! أم كيف يصحّ النقل والإنـتـقال السابق مع كون إجازة المالك للبـيع الفضولي لاحِـقة ؟! ولهذا السبب جعلوا مسألة (الشرط المـتـأخّر) في هذا الموضع ، وذلك لأنّ قيود الواجب قد تكون مقارنةً على الواجب ـ كما هو الغالب جداً ـ وقد تكون متأخّرة.

تـفصيل ذلك : علمتَ ممّا تقدّم أنّ الوضوء هو عِلَّةُ تحصيل الطهارة ، والكونُ على الطهارة أثـناء الصلاة هو شرط الصلاة وقيدُها ، وهو شرط مقارنٌ زماناً للواجب ، وقيود الصلاة والصيام والحجّ أن تقع في وقتها المعروف وبالشروط المعروفة وهي قيود مقارنة ، كأنْ يُشترَطَ في صلاة الظهر أن تقع بين الزوال وقُبَـيل غروب الشمس بمقدار إيقاع صلاة العصر ، كما ويشترط فيها استقبال القبلة والستر ... وقيد الصيام أن يقع من طلوع الفجر إلى سقوط قرص الشمس عن جبال البلد ...

هذا ، ولكن هناك كلام بين العلماء في إمكان أن تكون بعضُ شروط صحّة الفعل متأخّرةً زماناً عن نفس الفعل ، فقد روَى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبـيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : ( قَضَى أميرُ المؤمنين صلوات الله عليه في وليدةٍ باعها ابنُ سَيِّدِها وأبوه غائبٌ ، فاستولَدَها الذي اشتراها ، فولدَتْ منه غلاماً ، ثم جاء سيدُها الأولُ ، فخاصم سيدَها الآخرَ فقال : "وليدتي ، باعها ابني بغير إذني)[1] ، فقال (عليه السلام) : ( الحكمُ أن يأخذ وليدتَه وابنَها)، فناشده الذي اشتراها ، فقال (عليه السلام) له : ( خُذْ ابنَه الذي باعك الوليدةَ حتى يُنْفِذَ لك البيعَ ) ، فلَمّا أخذه قال له أبوه : (أرسِلْ إبني !) ، قال : (لا واللهِ ، لا أرسِلُ إليك ابنَك حتى ترسل ابني، فلمّا رأى ذلك سَيِّدُ الوليدةِ أجاز بَـيعَ ابنِه )[2] وهي رواية صحيحة السند ، فقال العلماء إنّ الإمام الباقر (عليه السلام) يعلّمنا في هذه الرواية أنّه يمكن إجازة بـيع الفضولي بلحاظ الزمان الأوّل ، أي بحيث تترتّب الآثارُ من الزمان الأوّل ، وهذا غير غريب حتى على المستوى العقلائي ، فإنّ النقل والإنـتقال هي أمور اعتباريّة ، فيمكن للمالك الأوّل أن ينوي النقلَ والإنـتقال من حين جريان البـيع الفضولي ، لأنّ البـيع والنقل والإنتقال هي من الاُمور الإعتباريّة ـ وليست من الأمور التكوينيّة ليجب تقدّم العلّةِ فيها على المعلول رتبةً ومقارنتها زماناً ـ والأمورُ الإعتباريّة سهلةُ المؤونة .

وكذلك الأمْرُ في رواية الكافي أيضاً عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن علي بن مهزيار قال : كتبتُ إليه (عليه السلام) : إمرأةٌ طَهُرَتْ من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت ، فصَلَّتْ وصامت شهرَ رمضان كلَّه من غير أن تعمل ما تعملُ المستحاضةُ من الغُسل لكل صلاتين ، فهل يجوز صومها وصلاتُها أم لا ؟ فكتب(عليه السلام) : ( تقضي صومَها ولا تقضي صلاتها ، إنّ رسول الله) ص) كان يأمر فاطمةَ صلوات الله عليها والمؤمناتِ من نسائه بذلك )[3] [4] [5] صحيحة السند ، هكذا روَوها في الكافي والتهذيب والفقيه وعلل الشرائع ، إلاّ أنّ الشيخ الصدوق رواها في الفقيه وعلل الشرائع هكذا في آخرها : ( لأنّ رسول الله) ص) كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك ) . وقولُه (عليه السلام) ( ولا تقضي صلاتَها ) مخالفٌ لما هو معروف عندنا من وجوب قضاء صلاتها أيضاً لعدم تمام طهارتها ، ولكنْ عدمُ صحّةِ بعض كلام الثقة لا يُسقِطُ سائرَ كلامِه عن الحجيّة كما هو محقّق في محلّه .

على كلٍّ ، قد تقول في تعليقتك على رواية المستحاضة بإمكان أن تقيَّدَ صحّةُ الصيامِ بالغُسل بعد انـتهاء الصيامِ زمانياً . لكن يرد على هذا القول أنه وإن كان الأمر كذلك في عالم الإمكان ، إلاّ أنه لا دليل عليه إثباتاً ، لا من خلال هذه الرواية ولا من خلال غيرها .

تـفصيل ذلك : قال العلماء : قولُه (عليه السلام) ( تقضي صومَها ) لأنها لم تغتسل لكلّ صلاتين مردّد بين سبَـبَين : فإمّا أنها يجب عليها أن تقضي صومها لأنها لم تغتسل كلّ الأغسال : ما كان قبـيل الفجر وما كان عند الظهر وما كان في الليل ، وإمّا أنها لم تغتسل قبـيل الفجر وعند الظهر ، ولا إحتمال ثالث ، والإحتمال الأوّل غير عرفي ، ولذلك كان المنصرَفُ إليه هو الثاني.


[4] ورواها في وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص590، أبواب الحيض، ب41، ح7، ط الاسلامية. وقال في: أبي رحمه الله قال حدثـنا سعد بن عبد الله قال حدثـنا أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن عبد الجبار عن علي بن مهزيار قال : كتبت إليه (عليه السلام) : إمرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل كما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب (عليه السلام) : ( تقضي صومها ولا تقضى صلاتها، لأنّ رسول الله) ص) كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك )

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo