< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : إجزاء المأمور به بالأمْرِ الإضطراري

إجزاء المأمور به بالأمر الإضطراري عن الواقع

لا شكّ في لزوم النظر هنا في نفس الرواية الصحيحة ، فإن قال المعصوم (لا تُصَلّ إلاّ في آخر وقت الفريضة مع احتمال طروء السلامة عليك) فليس لك ح أن تصلّي في أوّل الوقت إلاّ مع اليأس من السلامة ضمن وقت الفريضة ، وإلاّ فلو صلّيتَ ثم شُفِيتَ ضِمنَ الوقت بحيث صار يمكن لك أن تصلّي صلاة المختار فعليك أن تعيد صلاتك بلا شكّ ، وليكن هذا هو الفرضُ الأوّل .

والفرضُ الثاني : إن قال الإمام (صَلّ بمجرّد عدم تمكُّنِك على صلاة المختار ولو في أوّل الوقت ، حتى ولو كنت تعلم أنك سوف يمكن لك أن تصلّي صلاة المختار ضمن الوقت) فصلينا صلاة المضطرّ في أوّل الوقت ، ثم شفينا ، فإننا بناءً على الرواية الصحيحة المفترضة لا نعيد الصلاة .

هذا الكلام إلى هذا الحدّ واضح ولا شكّ ولا خلاف فيه ، إنما السؤال يقع على الفرض الأوّل وهو : لو صلّينا صلاةَ المضطَرّ ثم ارتفع العذرُ بعد فوات وقت الفريضة فهل يجب قضاؤها تامّةً أم لا ؟ لا شكّ أنه لا دليل على وجوب القضاء ، إذ لو وَجَبَ القضاءُ لوجب على المعصوم أن يُـبَـيِّنَ لنا ذلك ، ولذلك يتمسّك علماؤنا بالإطلاق المقامي لنفي وجوب القضاء . ومن المعلوم عدمُ صحّة القول (بوجوب القضاء بذريعة أنّ القضاء هو تابع للأداء، فإن لم يمكن صلاة المختار طيلة الوقت فعليه ـ إدراكاً لمصلحة الوقت ـ أن يصلّيها ناقصةً ، ثم يقضيها تامّة ـ إدراكاً لمصلحة الصلاة التامّة ـ ولعلّ المولى قال بالصلاة بسبب إدراك جزء من المصلحة هو الوقت ، ممّا يعني احتمال وجوب القضاء بعد ارتفاع العذر) . فهذا الكلام غير صحيح قطعاً ، وذلك لعدم وجود دليل على لزوم القضاء في هكذا حالة ، ولعلّ القضاء هو بأمر جديد ، كما هو المظنون جداً ، وعليه فلا شكّ في جريان الإطلاق المقامي وإلاّ فالبراءة .

وعليه فلو تيمّمتَ ـ طِبقاً لوظيفتك الشرعيّة ـ وصلّيتَ ، أو صلّيتَ متكتّـفاً للتقيّة ، ثم بعد فوات وقت الفريضة ارتفع العذرُ فلا يجب عليك قضاءُ الصلاة طالما لم يذكر الإمامُ وجوبَ القضاء ، فنـتمسّك بالإطلاق المقامي ، إذ لو كان المولى يريد منّا الإتيان بالصلاة التامّة لَذَكَرَ وجوب القضاء بعد ارتفاع العذر ، واستصحابُ بقاء المصلحة لا يجدي في بقاء الخطاب الأوّل ، لأنّ المفروض أنّ الخطاب الأول بالفعل الناقص ـ جزءً أو شرطاً ـ قد سقط بالإتيان به ، والخطابُ الثاني ـ أي بعد فوات الوقت ـ لا دليل عليه ، والأصلُ البراءة ، على أنّ قولهم (عليهم السلام) ـ بما معناه ـ ( ما فاتـتك من فريضة فاقْضِها كما فاتَـتْك )[1] ظاهر في فوت الفريضة الفعليّة عليه ـ أي ولو كانت الصلاةَ الإضطراريّةَ الناقصة ـ لا فوتِ الفريضة الكاملة الإختياريّة .

وأمّا على مستوى الإثبات ـ أي بالنظر إلى الأدلّة الفقهيّة ـ لو لاحظتَ الأدلّةَ لعرفت هل تقتضي الأوامرُ الإجزاءَ أم لا ، فمثلاً :

في باب التيمّم : قولُ اللهِ تعالى [ وَإِن كُـنـتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَـتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيّـِباً ، فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ، إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُواًّ غَفُوراً (43)] [2] يدلّ بالإطلاق المقامي على عدم وجوب الإعادة أو القضاء إذا ارتفع العذر ، ومِثلُه وقولُه (ص) ( يا أبا ذَرّ ، يَكْفِيك الصعيدُ عَشْرَ سنين )[3] ، فإنّ عدمَ ذِكْرِ القضاءِ دليلٌ عرفي على عدم وجوب الإعادة ، إذ أنّ الإمام (عليه السلام) في مقام بـيان الحكم الشرعي ، فعدمُ ذِكْرِ القضاءِ دليلٌ على عدم وجوبه ، وهو ما يعبّر عنه بـ الإطلاق المقامي . نعم صرّحت بعضُ الروايات بعدم وجوب الإعادة كما في قولِه (عليه السلام) ـ في صحيحة محمد بن مسلم ـ قال : سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء ؟ قال ( لا يُعيد ، إنَّ رَبَّ الماءِ هو رَبُّ الصعيد ، فقد فَعَلَ أحَدَ الطهورين )[4] .

وهكذا الأمر أيضاً في باب التـقيّة فإنك تفهم بوضوح من الروايات ـ أي بالإطلاق المقامي ـ بأنّ مَن صلّى كصلاتهم تـقيّةً فإنه لا يعيد ، لاحِظْ مثلاً صحيحةَ المعلّى بن خنيس قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : ( يا مُعَلَّى ، اُكتم أمرنا ولا تُذِعْهُ ، فإنه مَن كَتَمَ أمْرَنا ولا يُذيعُه أعزه اللهُ في الدنيا ، وجعله نوراً بين عينيه يقوده إلى الجنة ، يا مُعَلَّى ، إنَّ التـقيَّةَ دِيني ودين آبائي ، ولا دين لمن لا تـقية له ، يا مُعَلَّى ، إن الله يحب أن يُعْبَدَ في السر كما يحب أن يعبد في العلانية ، والمذيع لأمرنا كالجاحد له )[5] و في الإحتجاج لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( وآمُرْكَ أن تَصُونَ دينَك وعِلْمَنا الذي أَودَعْناك ، فلا تُـبـْدِ علومَـنـا لمن يقابلُها بالعِناد ، ولا تَفْشِ سِرَّنا إلى مَن يُشَنِّعُ علينا ، وآمُرُك أن تستعمل التقيَّةَ في دِينك ، فإنّ الله يقول [ لاَ يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ] [6] )[7] .

وكذا لا يعيد في الحجّ إذا خالف الحاكمُ عندهم التوقيتَ الشرعي ، فقدّمَ الحجَّ يوماً مثلاً وبالتالي يكون قد وقع الوقوف في عرفة والمكث في المزدلفة والرجم في منى واللبث فيها ليلتين ، كلّ ذلك يكون قد وقع قبل وقتِه بـيومٍ ، ومع ذلك يصحّ حجّ المؤمنين ، ولا تجب عليهم الإعادة ، ويكفي أن نذكر ما رواه في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب عن العباس (بن معروف) عن عبد الله بن المغيرة عن أبي الجارود (زياد بن منذر) قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) : إنّا شككنا في عام من تلك الأعوام في الأضحى ، فلما دخلتُ على أبي جعفر (عليه السلام) وكان بعضُ أصحابنا يضَحّي ، فقال : ( الفِطْرُ يومَ يُفطِرُ الناسُ ، والأضحَى يومَ يُضَحّي الناسُ ، والصومُ يومَ يصوم الناس )[8] مصحّحة السند عندنا ، وإن كان في صحّة سندها كلام معروفٌ وهو في أبي الجارود ، ولكننا نوثّقه لتوثيق المـفيد له ولمدحه مدحاً بليغاً ، ولتوثيق سعد بن عبد الله له ، نقله النجاشي في ترجمة زياد بن عيسى ، وقاله ابن فضّال ، نقله عنه الكشّي ، وقال العلاّمة ثقة صحيح ، ولا يضر فساد عقيدته بوثاقته .

فمقتضى روايات التيمّم والتقية والحجّ هو الإجزاء وعدمُ وجوب الإعادة .

إجزاء المأمور به بالأمر الظاهري عن الواقع

لا شكّ في صحّة مسلك الطريقيّة على ما ذكرنا عدّة مرّات كما هو واضح من آية النبأ والروايات ، ولكن هذا لا يعني إجزاءَ الأمارة عن الواقع مع تبـيُّنِ الخطأ ، وإنما مفادُ تـنزيل الأمارة منزلة الواقع ومفادُ تـنزيلِ الإحتمال منزلة العلم هو حجيّة الآثار العقليّة ولزومُ إقامة مؤدّى الأمارةِ مقام القطع الموضوعي طريقيّاً كان أو صِفَـتِـيّاً ، أمّا في غير ذلك فلا يمكن القول بدلالة حجيّة الأمارة على الإجزاء .

توضيح ذلك : لو قال لنا المرجعُ أو الثقة : (الواجبُ عليكم الآن هي صلاة الجمعة) ، ثم تَبَـيّن لنا خطؤه ، فإنه يجب علينا إعادةُ الصلاة ظهراً بلا شكّ وبالإجماع ، وذلك لعدم وجود دليل على الإجزاء في هكذا حالة ، لا بل المورد هو مجرى لأصالة الإشتغال العقليّة ، إذ أنّ كلّ العقلاء سوف يقولون لك : أنت لم تأتِ بالواجب الواقعي ، وقد تَوَهّم الثقةُ أو المرجعُ باعترافه ، ولا دليل على تـنزيل خبر الثقة أو فتوى المرجع مقامَ الواقع حتى مع تَبَـيُّنِ خطَـئِهما ، فعليك أن تأتيَ بالواجب الواقعي بعد عدم وجود دليل على سقوط الواجب الواقعي . وبتعبير آخر : لا ملازمة بين القول بمسلك الطريقيّة وبين الإجزاء ، أو قُلْ : لا تَدِلّ آيةُ النبأ وغيرُها من الروايات على الإجزاء ، فإنّ آية النبأ تقول : خبرُ الثقةِ هو عِلمٌ ، نعم ، ولكن هل نظرُ الآيةِ حتى إلى ما بعد تبـيُّنِ خطأ قولِ الثقة أو فتوى المرجع ؟! هنا محطُّ رحالِنا وهنا كلامُ رجالِنا . فقد تساءل العلماءُ فقالوا : هل تقوم الأمارةُ الحجّةُ مقام الواقع مطلقاً أي حتى رغم تبـيُّنِ خطئها أو لا ؟ الجواب : لا ندري ، ولذلك نقتصر على القدر المتيقّن ، وهو حالة بقاء الجهل .

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج5، أبواب قضاء الصلوات، ص347، الاسلامية .
[2] سورة النساء :.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج2، ب14 من أبواب التيمّم، ح12، ص983، الاسلامية .
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج2، ب14 من أبواب التيمّم، ح15، ص984، الاسلامية .
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج11، ب24 من أبواب الأمر والنهي، ح23، ص465، الاسلامية .
[6] آل عمران : 28 .
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج11، ب29 من كتاب الأمر بالمعروف، ح11، ص478، الاسلامية .
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي : ج7، ب57 من أبواب ما يمسك عنه الصائمُ، ح7، ص95، الاسلامية .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo