< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : روايات الإحتياط

قلنا في الدروس السابقة بأنّ النتيجة من مقبولة ابن حنظلة وغيرها هي أنّ الترجيح في الروايتين المتعارضتين تعارضاً مستقرّاً يكونُ ـ عمَليّاً ـ بمخالفة العامّة فقط .

وقد تقول بمعارَضة هذه الروايات المذكورة بالروايات الآمرة بالإحتياط ، ولعلّ أهمَّ رواياتِ الإحتياط :

1 ـ ما رَواه الحسن بن محمد الطوسي في الأمالي عن أبيه عن المفيد عن جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن عمرو بن شمر(غُمِزَ فيه وضُعّف) عن جابر(بن يزيد الجعفي ثقة في نفسه له كُتُب) عن أبي جعفر(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : ( اُنظروا أمْرَنا وما جاءكم عَنّا ، فإنْ وجدتموه للقرآن موافِقاً فخُذوا به ، وإن لم تجدوه موافِقاً فرُدُّوه ، وإنِ اشتبه الأمْرُ عليكم فقِفُوا عنده ورُدُّوه إلينا حتى نشرحَ لكم من ذلك ما شُرِحَ لنا )[1] ، وذلك بـبـيان أنّ مقتضى الأمر بالوقوف هو العمل بالإحتياط ، ومِثْلُها ما بَعدَها .

ويَرِدُ عليها ـ إضافةً إلى ضَعْفِها السندي ـ أنّها ليست واردةً في مقام التعارض ، وإنما هي واردةٌ في مقام الشكّ في صحّة حديث واحد غريب يورث الشكّ ، فمن الطبيعي أن يُرجِعَ فيه أئمتُنا (عليهم السلام) إلى القرآن الكريم لإثبات أنّ أحاديثهم لا تخالف كتاب الله عزّ وجلّ .

2 ـ وروى سعيد بن هبة الله الراوندي في رسالته التي ألفها في أحوال أحاديث أصحابنا واثبات صحتها عن محمد وعلي(فقيه ثقة) ابني علي بن عبد الصمد عن أبيهما(عالم جليل فقيه) عن (الإمام الزاهد الثقة)أبي البركات علي بن الحسين عن أبي جعفر بن بابويه (الشيخ الصدوق) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمد ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( الوقوف عند الشبهة خيرٌ من الإقتحام في الهلكة، اِنَّ على كل حق حقيقةً ، وعلى كل صوابٍ نوراً ، فما وافق كتابَ اللهِ فخذوه ، وما خالف كتابَ اللهِ فدَعُوه )[2] ، ومِثْلُها مقبولةُ عمر بن حنظلة السالفة الذكر ( إذا كان كذلك فأرجئْهُ حتى تلقى إمامَك ، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الإقتحام في الهلكات ) . وفي روايات الزهري والسكوني وعبد الأعلى : (الوقوف عند الشبهة خير من الإقتحام في الهلكة ، وترْكُكَ حديثاً لم تَرْوِهِ خيرٌ مِن روايتِك حديثاً لم تُحْصِه ـ أي لفظاً ومعنى ـ )[3] ، ومثلها رواية أبي شيبة عن أحدهما (عليهما السلام) وموثقة سعد بن زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبيّ (ص) أنه قال : ( لا تجامعوا في النكاح على الشبهة ، وقِفُوا عند الشبهة ) إلى أن قال : ( فإنّ الوقوف عند الشبهة خيرٌ من الإقتحام في الهلكة ) .

والردُّ على الإستدلال بهذه الروايات هو أنّ هذا النصّ ناظرٌ إلى حالة ما لو حصَلَ شبهةٌ وخوفٌ من الوقوع في الهلكة ، ونحن إذا اتبعنا الروايةَ المخالفة للعامّة فنحن لن نقع ح في الشبهة ولن نخاف من الوقوع في الهلكة .

3 ـ ومنها موثقة حمزة بن الطيار : أنه عرض على أبي عبد الله (عليه السلام) بعض خطب أبيه (عليه السلام) حتى إذا بلغ موضعاً منها قال له : ( كُفَّ واسْكُتْ ) ، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( إنه لا يَسَعُكُم فيما يَنْزِلُ بكم مما لا تعلمون إلا الكفُّ عنه والتثبُّتُ والردُّ إلى أئمة الهدى (عليهم السلام)حتى يَحْمِلُوكم فيه على القصد ويَجْلُوا عنكم فيه العمى ويُعَرِّفُوكم فيه الحقَّ، قال الله تعالى[فسْأَلُوا أهْلَ الذِّكْرِ إن كنتم لا تعلمون ] ) . وجوابها أننا إن اتّبعنا الميزانَ الذي وضَعَه لنا المولى عزّ وجلّ في حال التعارض لا نعتبر أننا نخوض فيما لا نعلم وأننا في عَمَى .

4 ـ ومثلها في الضعف الدلالي ضعيفة محمد بن عبد الله المسمعي الآتية بعد قليل في طائفة التخيير ح 5 .

والنتيجة هي عدمُ ثبوت وجوب الإحتياط في مقام التعارض بين الروايتين الصحيحتين ، نعم لا شكّ في أنه إذا أجرينا ميزان مخالفة العامّة وتساوَى العامّةُ بلحاظ الروايتين المتعارضتين ـ كما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة السابقة من قوله ( يُنظَرُ إلى ما هم إليه أمْيَلُ ، حكامهم وقضاتهم فيُترك ويؤخذ بالآخر ) فسأله ابن حنظلة : فإن تساويا من هذه الجهة أيضاً ؟ ـ حينئذٍ نقول بالإحتياط كما قال الإمام (عليه السلام) : ( فأَرْجِئْهُ حتى تَلْقَى إمامَك ).

 

[ تـنبـيهات الأخبار العلاجيّة ]

1 ـ لا شكّ أنك تعلم أنّ الأخبار العلاجيّة إنما يأتي دورُها إن لم يمكن الجمعُ العرفي ، وقد ذكرنا هذا الأمْرَ في أوّل بحث تعارض الأدلّة ، والدليلُ على هذا هو أنّ الظاهر من السائلِ الحكيم أنه بعدما عجز عن الجمع العرفي بين الروايات ـ بالحكومة أو التخصيص أو التقيـيد أو بالقرينة ونخـتصر الكلّ بـ الأظهريّة ـ جاء يسأل الإمامَ عن حكم الروايتين المتعارضتين ، أمّا إذا أمكن الجمع العرفي بينهما فهو لن يحتار ولن يسأل ولن يعبّر عن الروايتين بالمختلفتين ، وسوف يجيـبه الإمام بوجوب الجمع العرفي بينهما ، ولن يجيـبَه بأن يترك ما وافق العامّة ويعمل بما خالفهم ، فإنه خطأ واضح ، ولذلك ترى السيرةَ العقلائيّة والمتشرّعيّة قائمةً على الجمع العرفي قبل الوصول إلى الأخبار العلاجيّة السالفة الذكر . هذه السيرةُ الواضحة هي قرينة لبّيّة تخصّص رواياتِ العلاج بالموارد التي يمكن الجمع العرفي بينها .

 


[1] () ئل 18 ب9 من أبواب صفات القاضي ح37 ص86 .
[2] () ئل 18 ب9 من أبواب صفات القاضي ح35 ص86 .
[3] () أخذتُ هذه الرواية وما بَعدها إلى موثّقة حمزة من فرائد الأصول ج2 للشيخ مرتضى الأنصاري ( 1214 - 1281 هـ‌ ق) / البراءة والإشتغال ص65 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo