< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/04/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تعارض الأدلّة
( الخاتمة في تعارض الأدلّة )
قلنا أمس بأنّ البحث هنا عن عدّة جهات :
الجهة الاُولى في المراد من التعارض إجمالاً، وقلنا بأنه لا شكّ في أنّ التعارض بين الأحكام الشرعيّة يكون في مرحلة الجعل، كما لو ورد (بيع الكلاب الثلاثة جائز) و (بيع الكلاب الثلاثة حرام أو ثمنها سحت) وهو محال عقلاً، وأيضاً التعارض بين ملاكيهما محال عقلاً لتضادّهما، وهذا أمر بديهي، فكلّ المسلمين يعلمون أنه لا يمكن التعارض بين الآيات أنفسها أو بين الأحكام الشرعيّة نفسها، أو قُلْ : يستحيل أن يتعبّدنا الباري تعالى بالمتناقضين أو المتضادّين، كما ويستحيل أيضاً التعارضُ بين الأحكام العقليّة أيضاً، كإمكان وجود بشرٍ خارجَ مجموعتنا الشمسيّة واستحالتِه .
وليس بين الحكمين الفعليين تعارض، فلو وجب على شخصٍ إنقاذ الغريق والصلاة، فإنّ وجوب الإنقاذ يكون فعليًّاً ومنجّزاً لكونه أهمّ من الصلاة، وكذلك وجوب الصلاة يكون فعليًّاً فقط، رغم منجّزيّة وجوب الإنقاذ . المهم هو أنه في هكذا حالة يجتمع حكمان فعليّان متضادّان، ولا مشكلة في البين، وذلك لأنّ الفعليّة ـ كفعليّة وجوب الصلاة ـ هي معلولة لتماميّة مقدّمات الوجوب ـ كبلوغ الإنسان وعقله والزوال ـ .
ويقابل التعارضَ (التزاحمُ) وهو يكون في مرحلة الإمتثال، كما في المثال السابق : (أنقِذِ الغريقَ) و (صَلِّ) فهما غير متنافيين، لا ملاكاً ولا جعلاً ولا فعليّة، وإنما التنافي بينهما يقع في مرحلة الإمتثال فقط، أي يكون الأهمّ هو المنجَّز فقط، ويسقط التنجيز عن المهمّ، لكن تبقى فعليّتُه، بحيث لو صَلّى لصحّت صلاتُه لبقاءِ فعليّته .
ومن المعلوم أنّ أهمّ أبحاث التعارض هو بين الأخبار، وإلاّ فإنّه لا محلّ للتعارض بين الأمارات ـ كخبر الثقة والفراغ واليد وسوق المسلمين ـ والأصول العمليّة، وذلك لما سيأتيك من تقدّم الأمارات على الأصول العمليّة بالورود، كما أنه لا تعارض بين اليد وسوق المسلمين والفراغ ونحوها وذلك لأنّ لكلّ واحدة من هذه الأمارات دوراً ووظيفة، وكذلك لا تعارض بين الأصول العمليّة أنفسها في عالم الجعل، وإنما لكلّ أصل دور ووظيفة أيضاً، فمثلاً : لا مجال للتعارض بين الإستصحاب وبين البراءة أو الحِلّ مثلاً وذلك لكون الإستصحاب مختصّاً بالشبهات الموضوعيّة والبراءةُ والحِلّ مختصّان بالشبهات الحكميّة، كما لا تعارض بين الإستصحاب والطهارة لأنّ الإستصحاب أخصّ من الطهارة، فيقدّم عليها، لأنّ الإستصحاب أصْلٌ كالطهارة، فهو إذن في عرْض الطهارة . كما لا يتصوّر التعارض بين الإستصحاب وبين أصالة عدم التذكية، وذلك لأنّ أصالة عدم التذكية هي فرع من فروع الإستصحاب، وكذلك لا يتصوّر التعارض بين الإستصحاب وبين أصالة الإشتغال، لأنّ الإشتغال هو أيضاً فرع من فروع الإستصحاب . ونحن إذا قلنا (يتعارض الإستصحابان) فنحن لا نقصد التعارض المصطلح، إنما نقصد معنى (التكاذب)، وذلك كما لو كان كلا الإناءين طاهراً، ثم علمنا بطروء نجاسة على أحدهما، فلو أردنا أن نستصحب طهارة كلّ منهما فإنّ الإستصحابين سوف يتكاذبان ـ لأنّ عِلْمنا بنجاسة أحدهما سوف يوقعهما بالتكاذب ـ وهذا ما نعبّر عنه ـ تساهلاً ـ بالتعارض .
فإذن يبقى أنّ أهمّ مباحث التعارض تقع بين الأخبار المعتبرة شرعاً .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo