< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الرجوع إلى عموم العام أو استصحاب حُكْمِ المخصِّص
لا يزال الكلام في التنبيه التاسع من تنبيهات الإستصحاب وهو الرجوع إلى عموم العام أو استصحاب حُكْمِ المخصِّص، وقد قلنا في الدرس السابق بأنّ المراد من قولنا عموم العام في هذا العنوان هو ما يشمل المطلق، أي أنه ليس المراد من عموم العام هنا هو في مقابل إطلاق المطلق، وإنما المراد من عموم العام هنا هو ما يشمل المطلق الفوقاني، ولذلك لك أن تغيّر العنوانَ فتقول : هل يُتمسّك ـ في مواضع الشكّ في التخصيص أو التقيـيد الزائد ـ بإطلاق الدليل المطلق الفوقاني، أو يُستصحَبُ الحكمُ المخصِّص ؟
الجواب : نعم، يُتمسّكُ بعموم العام، ولا يجري استصحاب الحكم المخصّص لأنه استصحاب في الشبهات الحكميّة ...
بـيانُ المطلب : قد يكونُ عندنا مطلق أزماني مثل [اَوْفُوا] في قول الله تعالى[اَوْفُوا بِالعُقُود] وتخصيصٌ مثل (الغبن حرام لأنه إضرار بالمسلم، سواء كان المغبونُ البائعَ أو المشتري) وحصل عند العرف شكّ في مقدار مدّة خيار الغبن، ففي المدّة المشكوكة الشمول لخيار الغبن، هل يُستصحَبُ هذا الحقُّ أم لا ؟ الجواب : قطعاً لا، لأنّ المقدار المتيقّن هو الساعة الاُولى ـ مثلاً ـ بعد ظهور الغَبن، والزائدُ عن مقدار الساعة الأولى لا عِلْمَ لنا بثبوت خيار الغبن فيه، أو قُلْ : اِنخدش الركن الثاني من أركان الإستصحاب لِتَعَدُّدِ الموضوعِ أو قل لتغيّر الظرف، فلا يجري الإستصحاب في عالم الجعل، وذلك لاحتمال تغيّر الحكم في الساعة الثانية، بل لو بقي نفس سنخ الحكم لكان حكماً ثانياً، ولذلك نقول ( لا يكون له خيار في الساعة الثانية ) لأصالة عدمه بعد تحقّق العقْد، وإنما الإستصحاب يكون في عالم الشبهات الموضوعيّة فقط . ولذلك يتعيّنُ علينا ـ بعد انتهاء الساعةِ الأولى ـ الرجوعُ إلى الإطلاق الأزماني لـ [اَوْفُوا] في قول اللهِQ [اَوْفُوا بِالعُقُودِ]، ولا يجري استصحابُ بقاءِ الحكمِ المخصِّص، أي لا يجري استصحاب بقاء حقّ خيار الغبن إلى ما بعد الساعة الأولى، وذلك لأنّ [اَوْفُوا] مطْلَقَةٌ بلحاظ جميع الأزمنة، أي أنّ المولى تعالى يأمرنا بالإيفاء بالعقود في الساعة الأولى وفي الساعة الثانية والثالثة وهكذا ... خَرَجَ مِن وجوبِ الإيفاء بالعقود الساعةُ الأولى ـ بمقتضى الغبن ـ فيجب ـ مع عدم رجوع المغبون إلى البائع في الساعة الأولى ـ أن يُتمسّك بالإطلاق الأزماني لـ[اَوفوا]، ولذلك قالوا بأنّ خيار الغبن فوريّ كما ذهب إلى ذلك الشيخ الأعظم الأنصاريوغيره .
وهنا بعض فوائد تفيدنا في هذا المثال وفي الأمثلة التالية :
ليس البحث في المقام في تقديم العموم أو الإستصحاب عند التعارض، فإنه لا كلام في تقديم أضعف الأمارات على أقوى الأصول كما تعلم، وإنما النزاع في المقام هو في أن الموردـ كثبوت حقّ الفسخ في الوقت الثاني ـ هل هو مورد للتمسك بالعام فلا مورد للإستصحاب، أم هو مورد من موارد الرجوع إلى حكم المخصص وليس من موارد الرجوع إلى عموم الدليل، أم هو مورد لحكم آخر كالبراءة مثلاً .
قد ذكروا هذا البحثَ هنا باعتبار أنه على القول بعدم جريان الإستصحاب في الشبهات الحكميّة فمن فروع ذلك هو لزومُ الرجوع إلى عموم العام، وقد كان يمكن ذِكْرُ هذا البحثِ في بحث (العام والخاصّ) بلحاظ لزوم الرجوع في الحالة المذكورة إلى العام بلحاظ الأفراد المشكوكة .. فلا مشكلة كبيرة من هذه الجهة .
يجب أن تقول نتمسّك بالإطلاق الأزماني لـ [اَوفوا] وليس لك أن تقول نتمسّك بالعموم الأفرادي لـ [العقود]، وذلك لأنّ كلامنا إنما هو بلحاظ الزمان الثاني، فنقول في الساعة الثانية والثالثة يجب الإيفاء بالعقد، أي ليس للمغبون الحقّ في خيار الغبن بعدما تبيّن له الثمنُ السوقي في الساعة الأولى .
نعم، في مثال خيار المجلس نتمسّك بالعموم الأفرادي لـ [العقود]، فقد استدلّوا على خيار المجلس بقول النبيّw ـ في الروايات الصحيحة ـ : ( البيِّعانِ بالخيار حتى يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام )[1] فأثْبَتَََw لكلّ منهما الخيارَ قبل التفَرُّق ولو من أحدهما لغايةِ إخراج الطرف الآخر من حقّ خيار المجلس . ويظهر أنّ اختيار الفسخ ـ باستعمال حقّ خيار المجلس ـ هو من باب فسخ البيع السابق لا من باب البيع الثاني . المهم هو أنه في خيار المجلس يجري نفس الكلام تقريباً، إلاّ أنه في الحالة المشكوكة ـ كما لو انفصلا بخطوتين فقط ـ يجب أن نرجع إلى العموم الأفرادي لـ [العقود] لا إلى الإطلاق الأزماني، أي يجب أن نـتمسّك ـ في الحالة المشكوكة ـ بعموم [العقود] لا بإطلاق [اَوفُوا]، وذلك لعدم ثبوت [أوفوا] من أوّل الأمر، فإنه في نفس المجلس لا يجب الإيفاءُ بالعقد طالما هما جالسان في المجلس، وقد يقال (لا، بل نستصحب بقاءَ خيار المجلس بالخطوتين الاُولتين) . ولكنك تعرف أنّ خيار المجلس هو مخالف لمقتضى العقد شرعاً وعقلائيّاً، فيجب أن يُقتصَرَ فيه على القدر المتيقّن .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo