< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الأصول

37/02/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : بقيّة الكلام في الإستصحاب في الموضوعات المركّبة

قلنا أمس إنّ الأقوال في المسألة ثلاثة :

اَمّا القول الأول : فقد عَلَّلَه أصحابُه بأن بقاء الجزء المرادِ استصحابُه ـ وهو مثلاً قلّة الماء ـ إلى زمان تواجد الجزء الآخر ـ وهو زمان الملاقاة ـ مشكوك ، حتى ولو لم يكن هناك شك في بقائه بلحاظ الزمان ـ كما إذا كان زمان صيرورته كرّاً معلوماً ـ ومع ذلك فإنه يكفي في جريان الإستصحاب تحـقُّقُ الشك في البقاء بلحاظ زمان الطرف الآخر ، لأنّ الأثر الشرعي مترتِّبٌ على وجود الجزء الأوّل في زمان وجود الجزء الآخر لا على وجود الأوّل في ساعة كذا بعنوانها ، ولذلك لا يجري استصحابُ الجزء المجهول بلحاظ الزمان ، لأنّ الأثر لا يترتّب على بقاء قلّة الماء الساعة الثانية مثلاً ، وإنما يترتّب الأثر ـ وهي نجاسة ماء الخزّان ـ على اقتران قلّة الماء مع وقوع الثوب ، ولذلك يجري خصوص استصحاب قلّة الماء حتى وقوعَ([1] ) الثوب في الماء ، أي يجري الإستصحاب النسبي .

ونلاحظُ على هذا القول :

أوّلاً : إنّ الجزء المعلوم زمانيّاً إذا اُريد استصحابُه بلحاظ زمان الجزء المجهول زمانيّاً فهذا لن يكون إلاّ لإثبات الإقتران الذي هو موضوع الحكم ، فيكون استصحاب الجزء المعلوم زمانيّاً أصلاً مثبتاً بوضوح .

وثانياً : عرفتَ ممّا سبق عدمَ جريان الإستصحابين المتعارضين أصلاً ، لعدم كفاية وجود المقتضي في جريان الإستصحاب ، فنحن قبل أن نصل إلى مرحلة التعارض والتساقط نقول بعدم جريان الإستصحاب ، وقلنا هناك إنه لا يمكن أن يقول لنا المولى تعالى ـ في مرحلة الجعل ـ (الإستصحابُ حجّةٌ مطلقاً حتى في حالة التعارض والتكاذب) .

وممّا مرّ تعرفُ عدمَ صحّةِ ما قيل في القول الثاني ، فإنّ الإستصحاب لا يجري في أيّ صورة من الصور الثلاثة طالما كان المراد من الإستصحاب هو تحصيل التقارن لأنه سيكون ح أصلاً مثْبِتاً بلا شكّ .

فمثلاً : إذا كان زمان التردُّدِ بين الحادثين متطابقاً كما إذا كانت الملاقاة مرددة بين الساعة الواحدة والثانية وكذلك زمان صيرورة الماءِ كرّاً ، فإذا استصحبنا قلّةَ الماءِ إلى واقع زمان تواجد الملاقاة فلن يكون الهدف من هذا الإستصحاب إلاّ تحصيل التقارن ، وح سوف يكون هذا الأصلُ أصلاً مثْبِتاً ، إذن فلن يجري الإستصحابُ بلحاظ الزمان النسبي ، على أنك كيف تستصحب قلّةَ الماء إلى الساعة الثانية وتقول لعلّ الماء بقي قليلاً إلى الساعة الثانية ، فتستصحب قلّةَ الماء ـ بناءً على قلّته سابقاً ـ إلى حين وقوع الثوب في الخزّان ، لتبني على نجاسة الماء ، أليس يُحتمَلُ أن يكون الثوب قد وقع في خزّان الماء الساعة الثانية ، أي بعدما صار الماء كرّاً ؟! وبتعبير آخر : ألسنا نحن مردّدين ـ بنحو العلم الإجمالي ـ بوقت صيرورة الماء كرّاً وبوقت وقوع الثوب ، إذن كيف تستصحب قلّة الماء لتبني على نجاسة الماء ، أليس يُحتمَلُ أن يكون نقْضُ هذا اليقينِ ـ السابق بقلّة الماء التي نريد استصحابها ـ مِن نقْضِ اليقينِ ـ بكون الماء قليلاً وطاهراً ـ باليقين ـ بوقوع الثوب في الماء بعد صيرورته كرّاً ـ ؟! لا مِن نقْضِ اليقينِ بالشكّ ؟! إذن لا يُعلم أن المورد موردٌ لجريان استصحاب قلّة الماء ، لعدم العِلمِ بتواجد أركان الإستصحاب . وبتعبير ثالث : المراد مِن "لا تَنقضِ اليقينَ بالشكّ" هي الحالة البسيطة ، لا الحالة المقترنة بالعلم الإجمالي ، فنحن نعلم أنّ الثوب قد وقع حتماً ، لكنّ التردّد في وقت وقوعه ، إمّا في حالة قلّة الماء وإمّا في حالة صيرورته كرّاً ، ففي هكذا حالة لا يُعلم أنّ الشارع المقدّس أمرنا بالإستصحاب حتى في هكذا حالة . إذن لن يجري الإستصحابُ بلحاظ عمود الزمان أيضاً .

ومن هنا يتبيَّنُ أنَّ القول الثالث الذي مُفادُه عدمُ جريانِ استصحاب بقاء قلّة الماء في صورة الجهل بالزمانين وفي صورة العلم بالزمان هو الصحيح . وأمّا في صورة الجهل بزمان ارتفاع قلّة الماء ـ مع العلم بزمان الملاقاة ـ فلا بأس بجريان استصحاب قلّة الماء فيها إلى واقع زمان الملاقاة ، فلا يكون الإستصحاب نسبيّاً .

هذا ولكننا نخـتلف عن القول الثالث في اَنّا نرى جريان استصحاب عدم الكرية في مجهولي التاريخ مع افتراض أنّ فترة تردد زمان ارتفاع قلّة الماء أوسع من فترة تردد حدوث الملاقاة في المثال المذكور ، فإذا كانت الملاقاة مرددةً بين الساعة الأولى والثانية وكان تبدل عدم الكرية بالكرية مردداً بين الساعات الأولى والثانية والثالثة ، فلا محذور في إجراء استصحاب قلّة الماء إلى واقع زمان الملاقاة ، لأنّ وقوع الثوب في الخزّان على أبْعَدِ تقديرٍ يكون هو الساعة الثانية ولا علم بارتفاع قلّة الماء في هذه الساعة ، وذلك لاحتمال حدوث الكرية في الساعة الثالثة ، وهذا استصحاب موضوعيّ في كلا الجزئين ، ولا مانع من جريانه فيهما ، ولا ينبغي الإشكال فيه .

 


[1] (حتّى) هنا ناصبة، بمعنى (أكلتُ السمكةَ حتى رأسَها) بالفتح، أي ورأسَها أكلتُه، يعني حتى رأسَها أكلتُه، أو إلى أنْ أكلتُ رأسَها، فهي من قبيل العطف، وليست جارّة بمعنى (إلى) كما في قوله تعالى[ حتى مطلع ِ الفجر ] وكقوله تعالى[ لَيَسْجُنُنَّه ُ حَتَّى حِينٍ ] ففي هتين الآيتين الكريمتين يكون ما بعد (حتى) خارجاً عمّا قبلها، أي يكون الفجر خارجاً عن الليل موضوعاً وحكماً، المهم هو أنّ ما بعد (حتى) في المتن داخلٌ فيما قبلها .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo