< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/08/05

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: [ في حجيّة التواتر ]
لا يزالُ الكلام حول حجيّة الأمارات الظنيّة، وقد تعرّضنا حتى الآن إلى بعض مصاديق الأمارات الظنيّة، فبحثنا أوّلاً عن حجيّة الظنّ وعدمها، ثم تعرّضنا إلى حجيّة السيرة، ثم إلى حجيّة الظهور، ثم إلى حجيّة الإجماع، والآن نتعرّض إلى حجيّة التواتر .
والسؤال في هذا الفصل هو : هل التواتر حجّة أم لا، فنقول :

* هل التواتر في الروايات حجّةٌ شرعاً أم لا ؟
الجواب هو أننا يجب أن نقول بحجيّته عقلاً بلا شكّ، طبعاً بعد استيفاء شرائط حصول الإطمئنان الآتية، وليس ذلك إلاّ لحصول الإطمئنان بالصدور، لا لحجيّة تواتر الروايات مطلقاً، ولذلك لو تواترت الرواياتُ بإيمان معاوية بن أبي سفيان مثلاً لما أخذنا بهذا التواتر، وذلك لوجود تواتر أكبر منه في فسقه وفجوره .
ومن شرائط التواتر الذي يوجب الإطمئنان :
ـ الكثرة الكميّة : فأن يتمتّع التواتر بمقوّي كمّي، أي أن تكثر الأخبار إلى حدّ يزول احتمالُ الخلاف .
ـ الكيفية : فأن يكون الأمر المتواتر قريباً في نفسه، كإيمان سلمان الفارسي، بمعنى أن لا يوجد معارِض للمعنى المتواتر كإيمان معاوية لعنه الله المعارَض بروايات كثيرة أنه كان محارباً لله ولرسوله ولوليّه وو ..، ولا يفرق الأمر بين أن تكون ألفاظ الروايات واحدةً أو مختلفة، طالما أنها تصبّ في معنى واحد، وهو إيمان سلمان المحمّدي وفسق معاوية .
وبتعبير آخر : أن لا يكون للمعنى المتواتر مضعّف خارجي، أي أن لا يكون له معارض، أمّا لو وُجِد له معارِض فلن يحصل اطمئنان بصحّة المعنى الذي تواترت فيه الروايات وكَثُرَتْ، وذلك كما لو وُجِدت نجاسة في إناء ضائع بين ألف إناء، فاحتمال أن يكون الإناء (ألف) هو المتنجّس واحِدٌ على ألف، لكن رغم شدّة ضعف هذا الإحتمال لن يحصل عندنا علم عرفي واطمئنان بطهارة هذا الإناء، وقد لا يجرؤ بعض الناس المتديّنين على شرب واحد من هذه الآنية، وذلك لأنه إن شرب شخصٌ واحداً منها لقال "وأستطيع أن أشربها كلّها أيضاً بالتسلسل لاحتمال أن يكون كلّ إناء أشربه فيه احتمال واحد على ألف أن يكون هو النجس الواقعي" وهذا قد يرفضه بعض المتديّنين .
ومن أمثلة أن يكون الأمر المتواتر قريباً في نفسه وقريباً إلى العقل حادثة غدير خمّ، فإنّ العقل يرى وجوبَ أن يبلّغ رسول الله (ص) ما اُنزل إليه من ربّه من تعيين الخليفة من بعده ليبيّن للناس تمام شريعة الله ولكي لا تُترَكَ هذه الرسالةُ الجديدة والقريبة العهد من الجاهلية بِيَدِ مَن ينتخِبُه الناسُ، وأنت تعلم أنّ أكثر الناس يتّبعون هواهم ومصالحهم الشخصيّة، ويقدّمونها على الرسالة الإلهية وعلى المصالح العامّة، فحينما تردنا روايات متواترة جداً عن حادثة غدير خمّ ترى كلّ المحقّقين يصدّقون بها فوراً، وذلك لشدّة قربها من العقل ومن الشرع ومن القلب، خاصّةً إذا اتّفقت ألفاظُ الروايات على نصّ واحد وخطبةٍ واحدة من كلّ المسلمين رغم عداوتهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) واختلافاتهم في الميول والأهواء، فهذا الإتفاق على لفظ واحد وخطبة واحدة يقوّي احتمال حصول هذه الحادثة .
إذن ليست المسألة مسألة كثرة الروايات فقط، وإنما هي مسألة ضعف احتمال كذب كلّ الروايات القريبة في ذاتها والتي لا معارض لها، بحيث يوجب هذا التواترُ العلمَ العرفي المعبّر عنه بالإطمئنان .
وهنا ملاحظتان :
الاُولى : إذا كثرت الروايات واختلفت معانيها فقد يحصل اطمئنان بصدور بعضها، كما في روايات وسائل الشيعة مثلاً، فإننا مطمئنّون بصدور الكثير منها، لنفس السبب السالف الذكر، وهو أنه لا يمكن عادةً كذِبُ جميع الفقهاءِ وجميعِ الرواة، خاصةً وأنّ علماءنا الأقدمين مشهود لهم بالتقوى والتحقيق عن وثاقة الرواة ..
والثانية : يشترط في التواتر أن يكون النقلةُ لنا للحادثة كثيرين، فلو ادّعى شخصٌ ثقةٌ عادلٌ واحدٌ أنّ الحادثة الفلانية متواترة، وأنه سمعها من ثلاثين رجلاً عادلاً مثلاً، فإنه لا يحصل تواتر، لأنّ الناقل لنا واحدٌ لا كثير، أي أن الخبر خبر واحد، لا خبر متواتر .
وقولُنا بعدم تواتر خبر الثقة الواحد لا يعني عدم حجيّته، لا، بل هو حجّة، وإنما نقول هو خبر واحد، لا خبر متواتر، فنحن مأمورون بأن نصدّق شرعاً هذا النقل، وذلك لأنه حسّي عادةً ـ وليس حدسيّاً ـ طبعاً بعد قولنا بحجيّة خبر الثقة الواحد في الموضوعات، ولا مشكلة في البَين هنا، بخلاف مشاكلنا في ادّعائهم وجود إجماع فتوائي . لكن من الطبيعي أنه يشترط معرفة مراد ناقل التواتر من قوله بـ (التواتر)، فقد يكون مراده عشرة رجال فقط مثلاً، ويمكن أن نعتقد نحن بلزوم أن لا يقلّ التواتر عن عشرين مثلاً أو ثلاثين، فلا يكون نقله التواتر ح إلاّ بمقدار علمنا بمراده من التواتر، ومع التردّد بمراده بين الأقلّ والأكثر يجب عقلاً أن نأخذ بالقدر المتيقّن فقط . المهم هو أنه لا يصحّ أن يُحكَمَ بالصدور إلاّ إذا حصل اطمئنان بصدور الرواية رغم ادّعائهم التواتر، كما في حديث غدير خمّ .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo