< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/07/21

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: تكملة البحث حول حجيّة الإجماع
... وإنْ عرفنا أنهم اعتمدوا على أدلّة لكننا رغم بحثنا لم نرَها ولم نعرفها، فليس علينا عقلاً أن نتّبع ما استفادوه من أمارة أو أصل لا نعرفهما، فلعلّهم استفادوا شيئاً لا نستفيده نحن منهما ..
المهمّ هو أنه لا وضوح عقلاً على أنّ إجماع الطائفة يجب أن يكون حجّة شرعاً، أو يجب أن يكون كاشفاً عن الحكم الشرعي، خاصةً إذا كان الإجماع مدركيّاً، كما هو الحال غالباً جداً، فإنّ قاعدة اللطف العقلية تُثبت وجوبَ أن يتلطّف الخالق عزّ وجلّ بعباده، ويهديهم النجدين، ويهيّئ لهم أسباب الحياة الكريمة، ولا تُثبِتُ وجوبَ أن يبيّن المولى تعالى الأحكامَ الواقعية لعباده أو أن لا يدعهم يُجمعون على خطأ إن لم يكن الحكم الشرعي بتلك الخطورة المهمّة .
ثم ـ على مستوى الصغرى ـ مِن أين لنا أن نحصِّل الإجماعَ بأنفسنا ؟ فإنه بلا شكّ أكثرُ فقهائنا الأقدمين لم يكتبوا أو لم تصل آراؤهم إلينا، فإنّنا لا نعرف مِن علمائنا الفقهاء من أوّل الغيبة الكبرى (260 هـ ق) إلى زمان وفاة الشيخ الطوسي (460 هـ ) إلاّ حوالي عشرين منهم ! بينما يجب أن يكونوا بالآلاف([1])، وحتى هؤلاء العشرين لا نعرف كلّ آرائهم !!

وأمّا على أساس النقل، فقد روى العامّة عن النبيّ (ص) أنه قال ـ ما محصّله ـ "إنّ اُمّتي لا تجتمع على ضلالة"، وهي مجموعة روايات محصّلُها ما ذكرنا .
ويَرِدُ عليها :
1 ـ إنها ضعيفة السند عندنا وعندهم، بل هي لم ترد في الصحاح الستّة، وذكرها الحاكمُ في مستدركه على صحيح البخاري ومسلم مشيراً إلى عدم نقاء السند .
نعم روى في الخصال عن الصادق عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام)في قصّة احتجاج عليّ (عليه السلام)على أبي بكر، حيث تمسّك أبو بكر في تلك القصة بقول رسول الله(ص) ( إنّ الله لا يجمع اُمّتي على ضلال)، وعليّ (عليه السلام) ناقَشَهُ في دلالة الحديث، ولم يناقش في أصل صدور الكلام، وكأنه مسَلّم بصدور الحديث ! والجواب إنّ السند مشتمل على مجاهيل([2]) .
2 ـ سلّمنا وقلنا ( لا تجتمع اُمّة رسول الله (ص) على ضلالة )، لكنْ أليس مِن جملة الاُمّةِ المعصومون ؟ فإنْ عَلِمْنا بوجود المعصوم في الأمْر الشرعي حَكَمْنا بصحّة هذا الحكم، وهذا معنى ( لا تجتمع اُمّتي على خطأ ) أو ( على ضلالة )، وليس معناها ( لا يجتمع الفقهاء على خطأ ) والفرقُ بينهما واضح، فإنّ الفقهاء بعضُ الاُمّة وليسوا كلّ الاُمّة .
تنزّلنا وقلنا نسحب المعصومين (عليهم السلام) من المجمِعين، لكنْ إذا علمنا أنّ كلّ الاُمّة ـ فقهاءهم وعوامّهم ـ أجمعت على أمْرٍ فإننا سنعلم أنه بديهيّ في الإسلام بلا شكّ ولا ريب، كوجوب الصلاة وحرمة شرب الخمر، وبالتالي لن يكون محلّ شكّ بين الفقهاء .
3 ـ قد يجتمع الفقهاء على حكمٍ ومع ذلك لا يكشف إجماعُهم عن الحكم الواقعي، بل قد يخالف إجماعُهم الواقعَ ويقعون في الخطأ، ومع ذلك هم لم يجتمعوا على ضلالة، وذلك كما لو أفتى فقهاؤنا ـ بعِلْمِنا أو بغير عِلْمنا ـ بناءً على بعض أمارات ـ كما في مسألة جواز الصلاة في عرق الجنب من الحرام ومسألة عمر يأس المرأة ـ أو بناءً على أصل عملي ـ لعدم إيجادهم لدليل محرز على ذلك ـ ومع ذلك ورغم مخالفتنا للواقع لا نُعتبَرُ ـ شرعاً وعقلاً ـ ضالّين، لأننا اتّبعنا الأمارات أو الاُصولَ العمليةَ الشرعية .

* الكلام حول حجيّة الإجماع المنقول :
حتى الآن كان الكلام حول حجيّة الإجماع المحصّل، والآن نتحدّث عن حجيّة الإجماع المنقول بواسطة خبر الثقة ـ وذلك للمفروغية عن عدم حجيّة نقْلِ غيرِ معلوم الوثاقة، ونحن نقول بحجيّة خبر الثقة في الموضوعات ـ فنقول :
إنّ كلّ الخبراء والمتتبّعين يعلمون بعدم دقّة ناقلي الإجماع، وإنما يَعْرِفُون فيهم التساهلَ، لا لقلّة دينهم أو دقّتهم ـ معاذَ الله ـ ولكنهم كانوا يَرَون تماميّةَ الدليل أو كثرةَ القائلين بما يقولونه، فيطمئنّون بلزوم وجود إجماع على ذلك، وأنّ مَن لا يعتقد بما يقولون فهو غير محقّق وهو مخطئ لا محالة .. إذن مشكلتنا في صحّة نقلهم للإجماع .
ويكفي أن نذكر بعض ما ذكره الشهيد الثاني في رسائله([3]) وهي أوّل ثلاثين تناقضاً فقط وسنذكرها بترتيبه هو، قال : ( هذه رسالة تشتمل على مسائلَ ادّعى فيها الشيخُ الإجماعَ مع أنّه نفسَه خالف في حكم ما ادّعى الإجماعَ فيه، أفردناها للتنبيه على أنْ لا يَغْترّ الفقيه بدعوى الإجماع، فقد وقع فيه الخطأُ والمجازفةُ كثيراً من كلّ واحدٍ من الفقهاء سيّما من الشيخِ والمرتضى رحمهما الله .
1 ـ فممّا ادّعى فيه الإجماعَ مِن كتابِ النكاحِ دعواه في الخلاف الإجماعَ على أنّ الكتابيّة إذا أسلمت وانقضتْ عِدّتُها قَبلَ أن يُسلِمَ الزوجُ يَنْفَسِخُ النكاحُ، وقال في النهاية وكتابَي الأخبار : لا ينفسخُ النكاحُ بينهما، ولكن لا يُمَكَّنُ من الدخولِ عليها ليلاً، كما في الروايةِ .
2 ـ ومنها : أنّه ادّعَى فيه الإجماعَ على كَراهةِ وطء الأمة إذا اشتراها حاملاً، وأفتى في النهايةِ بالتحريمِ قبلَ مُضيّ أربعةِ أشهرٍ وعشرةِ أيّام .
3 ـ ومنها : أنّه إذا ملك الرجلُ أمةً ولمسها، أو نظر منها إلى ما يَحْرُمُ على غيرِ المالك، قال في الخلاف : تحرم على أب اللامسِ وابنِه، وكذلك تحرمُ أُمّها وإنْ علتْ وبنتُها وإنْ سفلتْ على المولى ؛ مُحْتَجّاً بإجماعِ الفرقةِ، وفي موضعٍ آخر مِن الكتاب خَصّ التحريمَ بالنظرِ إلى فَرجِها .
4 ـ ومنها : أنّه ادّعى في الخلاف الإجماعَ على أَنّ مَن تزوّج حرّةً على أمةٍ، كان للحرّة الخيارُ في نفسِها لا في عقد الأمةِ . وفي التبيان ذهب إلى تخييرِها بين فسخ عقدِ نَفسِها وفسخِ عقد الأمةِ .



[1] تقرأ في حياة الشيخ الطوسي أنه ربّى "مئات العلماء" . وقال بعضهم إنه حينما ورد الشيخ الطوسي بغداد "كانت بغداد حافلة بالآلاف من العلماء في جميع الفنون ومن جميع المذاهب الإسلامية" .
[2]أخذنا هذا الردّ من مباحث الاُصول : ج 2 من القسم الثاني ص 289 .
راجع الرواية في الخصال للشيخ الصدوق ح 30 ص 548، وهي رواية طويلة، هذا بعضُها قال : حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسني قال حدثنا أبو جعفر محمد بن حفص الخثعمي قال حدثنا الحسن بن عبد الواحد قال حدثني أحمد بن التغلبي قال حدثني أحمد بن عبد الحميد قال حدثني حفص بن منصور العطار قال حدثنا أبو سعيد الوراق عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه (عليه السلام) قال : لمّا كان مِن أمْرِ أبي بكر وبيعةِ الناس له وفِعْلِهِم بعلِيّ بن أبي طالب (عليه السلام) ما كان، لم يزل أبو بكر يُظهِرُ له الإنبساطَ ويَرى منه انقباضاً، فكَبُرَ ذلك على أبي بكر فأحب لقاءه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه لما اجتمع الناس عليه وتقليدهم إياه أمْرَ الأمة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه، أتاه في وقت غفلة وطَلَبَ منه الخلْوَةَ، وقال له : والله يا أبا الحسن ما كان هذا الأمر مواطاةً مني، ولا رغبة فيما وقعت فيه، ولا حرصاً عليه ولا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأمة ولا قوة لي لمال ولا كثرة العشيرة ولا ابتزاز له دون غيري، فمالك تُضْمِرُ علَيّ ما لم أستحقه منك وتُظهِرُ لي الكراهةَ فيما صرت إليه وتنظر إليّ بعين السأمة مني ؟ قال فقال له (عليه السلام). : فما حَمَلَك عليه إذا لم ترغب فيه ولا حرصت عليه ولا وثقت بنفسك في القيام به، وبما يحتاج منك فيه ؟ فقال أبو بكر : حديث سمعته من رسول الله (ص) ( إنّ الله لا يجمع أمتي على ضلال ) ولما رأيت اجتماعَهم اتبعت حديث النبيّ (ص) وأحَلْتُ أن يكون اجتماعُهم على خلاف الهدى، وأعطيتُهم قِوَدَ الإجابة، ولو علمت أن أحداً يتخلف لامتنعت، قال فقال عليّ : أمّا ما ذكرت من حديث النبيّ (ص) ( إن الله لا يجمع أمتي على ضلال ) أفكنتُ مِنَ الاُمّةِ أو لم أكن ؟ قال : بلى، قال : وكذلك العصابة الممتنعة عليك من سلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وابن عَبّادة ومَن معه من الأنصار ؟ قال : كلٌّ مِنَ الأمة، فقال عليّ : فكيف تحتج بحديث النبيّ وأمثالُ هؤلاءِ قد تخلفوا عنك، وليس للأمة فيهم طعن ولا في صحبة الرسول (ص) ونصيحته منهم تقصير، قال : ما علمت بتخلفهم إلا من بعد إبرام الأمر، وخِفْتُ إنْ دَفَعْتُ عني الأمْرَ أن يتفاقم، إلى أن يرجع الناس مرتدين عن الدين، وكان ممارستكم إليّ ـ إن أجبتم ـ أهونَ مؤونةٍ على الدين، وأبقى له مِن ضرْبِ الناس بعضهم ببعض فيرجعوا كفاراً، وعلمتُ أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم وعلى أديانهم، قال عليّ (عليه السلام): أجل، ولكن أخبِرْني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحقه ؟ فقال أبو بكر : بالنصيحة والوفاء ورفع المداهنة والمحاباة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب والسنة وفصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وإنصاف المظلوم من الظالم القريب والبعيد . ثم سكت، فقال عليّ (عليه السلام) : اُنشِدُكَ بالله يا أبا بكر، أفي نفسك تجد هذه الخصال أو فيَّ ؟ قال : بل فيك يا أبا الحسن ... فلم يزل (عليه السلام) يَعُدُّ عليه مناقِبَهُ التي جعل الله (تعالي) له دونه ودون غيره ويقول له أبو بكر : بل أنت، قال : فبهذا وشبهه يستحق القيام بأمور أمة محمّد، فقال له عليّ (عليه السلام) : فما الذي غرك عن الله وعن رسوله وعن دينه وأنت خُلْوٌ مما يحتاج إليه أهلُ دينه ؟ قال : فبكى أبو بكر وقال : صدقت يا أبا الحسن، اَنْظِرْني يومي هذا، فادَّبَّرُ ما أنا فيه وما سمعتُ منك، قال فقال له عليّ : لك ذلك يا أبا بكر، فرجع مِن عندِهِ وخلا بنفسه يومَه ولم يأذن لأحدٍ إلى الليل، وعمر يتردد في الناس لما بلغه من خلوته بعليّ (عليه السلام)، فبات في ليلته فرأى رسول الله (ص) في منامه متمثلاً له في مجلسه فقام إليه أبو بكر ليسلم عليه فولى وجهَه، فقال أبو بكر : يا رسول الله هل أمرت بأمر فلم أفعل ؟ فقال رسول الله (ص) : أرد السلام عليك وقد عاديت الله ورسوله ؟! وعاديت مَن والَى اللهَ ورسولَه ؟! رُدَّ الحقَّ إلى أهله، قال فقلت : مَن أهلُه ؟ قال : مَن عاتبك عليه، وهو علِيّ، قال : فقد رددت عليه يا رسول الله بأمرك، قال : فأصبح وبكى، وقال لعليّ (عليه السلام): اُبْسُطْ يدَك، فبايعه وسَلَّمَ إليه الأمْرَ، وقال له : اَخرُجُ إلى مسجد رسول الله (ص)فاُخبرُ الناسَ بما رأيتُ في ليلتي وما جرى بيني وبينك، فاُخرِجُ نفسي من هذا الأمر واُسَلِّمُ عليك بالإمرة، قال فقال له عليّ (عليه السلام) : نعم، فخرج مِن عندِهِ متغيّراً لونُه، فصادفه عمر وهو في طلبه فقال له : ما حالك يا خليفة رسول الله ؟ فأخبره بما كان منه وما رأى وما جرى بينه وبين عليّ (عليه السلام)، فقال له عمر : اُنْشِدُك بالله يا خليفة رسول الله أن تَغْتَرَّ بسِحْرِ بني هاشم، فليس هذا بأوّل سِحْرٍ منهم .. فما زال به حتى رده عن رأيه وصرَفَهُ عن عزمه ورغَّبَهُ فيما هو فيه وأمَرَهْ بالثبات عليه والقيام به، قال : فأتى عليّ(عليه السلام) المسجدَ للميعاد فلم يَرَ فيه منهم أحداً، فأحسَّ بالشرِّ منهم، فقعد إلى قبر رسول الله، فمَرَّ به عمر فقال : يا عليّ، دُوْنَ ما تَرُومُ خَرْطُ القَتاد، فعَلِمَ بالأمر وقام ورجع إلى بيته .. إلخ ..
[3]رسائل الشهيد الثاني/ الجزء الثاني/ جعلها تحت رقم 31 بعنوان (إجماعات ادّعاها الشيخ الطوسي) ص 847 ..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo