< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/06/09

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: نظرةٌ إلى القراءات العشرة

نظرةٌ إلى القراءات العشرة
لا شكّ أنّ الأحوط القراءة بإحدى القراءات العشرة ما لم يعلم شذوذها، والقاعدةُ أنه يكفي القراءةُ على النهج العربي المتداول في زمن أئمّتنا (عليهم السلام) مع أنّ المنسوب إلى أكثر علمائنا وجوب القراءة بإحدى السبع، واستدلّ له بأنّ الإشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، ولإتفاق المسلمين على جواز الأخذ بها إلا ما علم رفضه وشذوذه، فعن الشيخ الطوسي في التبيان أنّ المعروف من مذهب الإمامية والتطلّع في أخبارهم أنّ القرآن نزل بحرف واحد غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القرّاء وأنّ الإنسان مخيّر بأيّ قراءة شاء قرأ، ونحوَه قال الطبرسي في مجمع البيان، واستدلّ بعضهم على جواز القراءة بإحدى القراآت السبعة باتّفاق المسلمين على جواز القراءة بإحداها، رغم استبعادنا تواترَ هذه القراآت عن النبيّ (ًص) أو تواترَ جوازِ القراءة بها عنه (ص) !! ..
وقبل أن ننظر في أدلّة جواز القراءات يجب أن نذكّر بأنّ كلامنا إنما هو في التغاير البنيوي في الكلمات لا في الإمالة ونحوها ممّا يدخل في اللهجات .
فنحن ـ إذَنْ ـ سنتكلّم في مثل [ مالك ] و(ملك) و[ فتبيّنوا ] و(فتثبّتوا) و[ عليهِمْ ] و(عليهُمْ) و(عليهِمُ)، لا في مثل [ طه ] و[ لتشقَى ] التي يصحّ قراءتها كما نقرؤها في بلادنا و[ طه ] و[ لتشقَى ] اللتان يقرؤهما بعضُهم بين المفتوحة والمكسورة كما تقول (ماء)، فإنّ الإمالة في هاء [ طه ] وفي ألف [ تشقَى ] تدخل في اللهجات ولا كلام فيها بين أحد من الناس، كما لا إشكال في قراءة [ الصراط ] بالسين والصاد، وذلك لأنها مكسورة، فلا مشكلة في البين عند كلّ العرب، ومثلُها [ بَسْطَةً ] بالسين والصاد .
فقد قرأ عاصم والكسائي ويعقوب وخلف[ مالك يوم الدين ] وقرأها الباقون (ملك)، فهل يجوز لك أن تقرأ في الصلاة (مَلِكِ) كما قرأها الباقون ؟ هنا الكلام .
إذن يجب أن ننظر بدقّة في كلّ الروايات التي لها اعتبار سندي لننظر هل يُفهم منها جوازُ القراآت السبعة أو العشرة كما يدّعون أم يُفهم منها عدمُ الجواز، ثم ننظر في دعوى الإجماع والتواتر فأقول :
روى في الكافي ج 2 ص 630 ما يلي :
1 ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أُذَينة([1]) عن الفضيل بن يسار(من أصحاب الإجماع) قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إن الناس يقولون : إن القرآن نزل على سبعة أحرف ؟ فقال : ( كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد )[2] صحيحة السند، ورواها البرقي وغيره عن حمّاد بن عيسى عن جابر بن عبد الله([3]) قال : قيل لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ الناس يقولون ...
2 ـ محمد بن يحيى(العطّار) عن محمد بن الحسين(بن أبي الخطّاب) عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجلٌ على أبي عبد الله (عليه السلام) ـ وأنا أستمع ـ حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( كُفَّ عن هذه القراءة، اِقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم (عج) قرأ كتابَ الله تعالى على حَدِّه وأخرج المصحف الذي كتبه عليّ (عليه السلام) )[4]، وهكذا نقلها عنه السيد نعمة الله الجزائري في كتابه (نور البراهين) .
هذا ولكنْ نقلها عنه الحرُّ العاملي في (ئل) و(الفصول المهمّة في اُصول الأئمّة) هكذا : ... عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن سالم أبي سلمة قال : قرأ رجلٌ ...
ورواها محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) هكذا : ... عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن هاشم عن سالم بن أبي سلمة قال ... وهكذا نقلها في البحار أيضاً عن البصائر .
والصحيح ما في الكافي في عبد الرحمن وما في البصائر في سالم بدليل أن طريق الشيخ إلى (أبي سلمة أو أبي خديجة)سالم بن مكرَّم هو : (أخبرنا إبن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفّار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن عبد الرحمن(بن محمد)بن أبي هاشم البزّاز(ثقة ثقة جليل من أصحابنا) عن سالم بن أبي سلمة([5]) وهو أبو خديجة) (إنتهى) . وهكذا الأمر أيضاً في طريق الصدوق (عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة سالم بن مكرَّم الجمّال)، وهكذا أيضاً في الروايات، مثل ... أخبرنا عبد الرحمن بن أبي هاشم عن أبي خديجة قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) ... وهي روايات كثيرة، ولم يروِ عنه عبد الرحمن بن أبي نجران، والأمرُ واضح جداً، وإنما ذكرته بالتفصيل كي لا يقع في الإشتباه أحد . وبناءً على هذا السند يكون السند صحيحاً .
وأمّا من حيث الدلالة، ففيها غموض وتردّد، فما معنى ( اِقرأ كما يقرأُ الناس ) ؟ فهل معناها إقرأ بالقراءة المتداولة الأشهر في المدينة المنوّرة وهي واحدة ؟
أم إقرأ بإحدى القراآت المتداولة أيام المعصومين (عليهم السلام) ؟ وهل هي سبعة ؟ أم عشرة ؟ هذا السؤال يرد أيضاً على الرواية التالية .
3 ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن الحكم عن عبد الله بن جندب(كان ثقة عابداً وكيلاً للإمامين الكاظم والرضا (عليهم السلام) رفيع المنزلة عندهما) عن سفيان بن السمط([6]) قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن تنزيل القرآن ؟ قال : ( اِقرؤوا كما عُلِّمْتُم )، مصحّحة السند .
4 ـ الحسين بن محمد(بن عامر بن عمران الأشعري ثقة) عن علي بن محمد(بن يحيى الخزّاز مجهول) عن (الحسن بن علي بن زياد)الوشاء(من وجوه الطائفة) عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : ( إنّ القرآن واحد، نزل من عند واحد، ولكن الإختلاف يجيئ من قبل الرواة )[7]، مصحّحة السند بناء على صحة روايات الكافي المسنَدة التي لم يُكذَّب أحدُ رواته . وهذه الرواية موجودة في كتاب (التحريف والتنزيل) المنسوب إلى أحمد بن محمد(بن سيّار) المعروف بالسيّاري(ضعيف فاسد المذهب مجفوّ الرواية) قال : حدّثني البرقي وغيرُه عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر عن جميل بن دراج عن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) .
5 ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(ابن خالد أو إبن عيسى) عن علي بن الحكم(ثقة جليل القدر) عن عبد الله بن فرقد والمعَلَّى بن خنيس([8]) قالا : كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) ومعنا ربيعة الرأي فذكرنا فضل القرآن فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ( إن كان ابنُ مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضالّ )، فقال ربيعة : ضالّ ؟ فقال : ( نَعَم، ضالّ )، ثم قال أبو عبد الله(عليه السلام) : ( أمّا نحن فنقرأ على قراءة اُبَي )، مصحّحة السند . هذا وقد يشكّ البعضُ في المراد من قوله (عليه السلام) ( أبي ) هل هو اَبِي (أي الباقر (عليه السلام) ) أم اُبَي بن كعب، لأنّ اُبَي بن كعب[9] كان من القرّاء المشهورين في عصر النبيّ (ص) وبعده . أقول : الظاهر قويّاً إرادةُ اُبَي بن كعب، وذلك لأنه (عليه السلام) لو أراد اَبِي ـ أي الباقر (عليه السلام) ـ لقال "أمّا أنا فإني أقرأ .." ولكنه قال ( أمّا نحن ـ أي نحن الأئمّة ـ فنقرأ على قراءة اُبَي )، على أنه لا معنى لقوله(عليه السلام) "على قراءة اَبِي" فإنّ الباقر(عليه السلام) لم يكن له قراءةٌ مميّزة عن غيره من آبائه المعصومين (عليه السلام) أو عن سائر الناس[10].

قد تقول : إنّ أئمّتنا(عليهم السلام) كانوا ينهَون شيعتَهم عن شتّى القراآت إلاّ القراءة الشائعة عند الناس، فكانوا يأمرونهم بأن يقتصروا على القراءة المشهورة المتداولة التي كانوا يتعلّمونها في المساجد والكتاتيب، وهي قراءة واحدة لا أكثر كما رأيت في قوله(عليه السلام) ( كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد ـ أي على قراءة واحدة أو قل بكيفية واحدة وعلى منوال واحد ـ من عند الواحد ) و ( انّ القرآن واحد ـ أي ليس فيه اختلاف أو احتمال أنّ يكون هناك قرآنان ـ نزل من عند واحد، ولكن الإختلاف ـ أي في القراآت ـ يجيئ من قبل الرواة ـ أي أنّ رواة القراآت مشتبهون أو كاذبون ـ ) أي ليس صحيحاً أنّ هناك عدّةَ قراآت صحيحة وأنّ الإنسان مخيّر بينها، وإنما هي قراءة واحدة فقط ... ولذلك جاء النهيُ في قوله (عليه السلام) ( كُفَّ عن هذه القراءة، اِقرأ كما يقرأ الناس ـ أي كما هو معروف ومشهور عند الناس ـ حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم (عج) قرأ كتابَ الله تعالى على حَدِّه ) أو ( اِقرؤوا كما عُلِّمْتُم )، ومن المعلوم أنّ المعلّم ـ حين يعلّم ـ إنما يعلّم على أساس القراءة المشهورة فقط، وهي قراءة الناس كلّ الناس، ولا أقلّ من أنه القدر المتيقّن، فإذا جمعتَ إلى هذا قولَه تعالى[ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)][11] ـ أي وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ من أيّ تحريف في كلمة أو حرف أو حركة ـ نصل إلى أنّه يجب قراءة القرآن كما هو موجود في المصاحف فقط، مِن دون أيّ تغيير، فلا يجوز في الصلاة ولا يصحّ أن نقرأ في سورة الفاتحة ـ مثلاً ـ ( مَلِكِ يومِ الدين) .
ولكن يصعب الإعتقادُ بصحّة هذا الكلام، إذ كان في كلّ مدينة قراءةٌ تُغاير القراءةَ في المدينة الاُخرى ممّا لا يبقى معه تعيين لقراءةٍ واحدة مشهورة، خُذْ مثلاً [ مالك يوم الدين ] و(ملك يوم الدين)، فالاُولى يقرؤها عاصم والكسائي ويعقوب وخلف، والثانية يقرؤها نافع ويزيد بن القعقاع في المدينة، وابن كثير في مكّة، وحمزة بن حبيب وعلي بن حمزة في الكوفة، وابو عمرو بن العلاء في البصرة، فلِمَ نرجّحُ قراءةَ [ مالك ] على (ملك) ؟! وما وجه الترجيح ؟!



[1] إسمه محمد بن عمر بن اُذينة ولكنه غلب عليه إسم أبيه.، ثقة .
[3] جابر هذا ليس إبن عبد الله الأنصاري، ذلك لأنّ جابر بن عبد الله الأنصاري كان من أصحاب رسول الله ص وبقي حيّاً إلى زمن الإمام الباقر عليه السلام وتوفّي سنة 78 هـ كما نصّ على هذا الشيخ الطوسي في رجاله، فكيف يروي عن الإمام الصادق. عليه السلام 83 ـ 148 هـ ؟! ولا شكّ في أنه جابر العبدي، وهو مجهول .
[5] لا شكّ في وقوع اشتباه عند الشيخ الطوسي، فإنّ أبا سلمة كنية لأبي خديجة لا لأبيه، كما صرّح بذلك النجاشي والبرقي والكشّي وابن قولويه في كامل الزيارات . .
[6] يمكن توثيقه لرواية إبن أبي عمير عنه بسند صحيح . .
[8] يروي عنه صفوان بسند صحيح . .
[9] كان من فضلاء أصحاب رسول الله ص، شهد العقبة مع السبعين، وكان يكتب الوحي، شهد بدراً والعقبة الثانية، وبايع رسول الله ص، كان عربياً مدنيّاً من الخزرج، وكان من الإثني عشر الذي أنكروا على أبي بكر، وكان من القرّاء المشهورين، وهذه بعض الشواهد على ذلك :
قال صاحب المجمع : رُوِيَ عن جماعة من الصحابة منهم اُبَي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم قرؤوا فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن . وأورد الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن مظاهر قال : أعطاني ابن عباس مصحفاً فقال : هذا على قراءة اُبَي فرأيت في المصحف فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى .
وروى الشيخ الصدوق في الأمالي/ المجلس التاسع والسبعون وكذلك رواه في عيون أخبار الرضا عليه السلام : قال حدّثنا عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدّب وجعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنهما قالا : حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحِميري عن أبيه عن الريان بن الصلت قال : حضر الرضا عليه السلام مجلس المأمون بِمَرْو وقد اجتمع في مجلسه جماعه من علماء أهل العراق وخراسان ... فقالت العلماء للإمام الرضا عليه السلام : ... فأخبِرْنا هل فَسَّرَ اللهُ تعالى الإصطفاءَ في الكتاب ؟ فقال الرضا عليه السلام : فَسَّرَ الإصطفاءَ في الظاهر ـ سوى الباطن ـ في إثني عشر موضعاً وموطناً، فأوّلُ ذلك قولُه تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطَك المخلصين هكذا في قراءة اُبَي بن كعب، وهي ثابتة في مصحف عبد الله بن مسعود، وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله تعالى بذلك الآل، فذكره لرسول الله ص، فهذه واحدة ... [9] صحيحة السند .
وفي وسائل الشيعة – الحر العاملي – الاسلامية : ج 4 ب 46 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2 : التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن موسى الخشاب عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه .عليه السلام ان رجلين من أصحاب رسول الله ص اِختلفا في صلاة رسول الله ص فكتبا إلى اُبَي بن كعب : كم كانت لرسول الله ص من سكتة ؟ قال : "كانت له سكتتان إذا فرغ من أمّ القرآن وإذا فرغ من السورة" ضعيفة السند بغياث بن كلّوب، والحسنُ بنُ موسى الخشّاب من وجوه أصحابنا كثيرُ العلم والحديث، وهذا يعني أنه ثقة قطعاً، وإلا لم يمدحوه بهذا الشكل .
[10] لم أجد روايةً معتبرة غير ما ذكرت، ولذلك لم أذكر ما أرسله محمدُ بنُ سليمان .عن بعض أصحابه عن أبي الحسنعليه السلام قال : قلت له : جُعِلتُ فِداك، إنّا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم ؟ فقال : لا، إقرؤوا كما تعلّمتم، فسيجيء من يعلّمكم، على أنها واضحة في ورودها في مقام التقية لقول السائل "ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم" أي لا نستطيع ... إضافة إلى أنّ قوله فسيجيء من يعلّمكم أي فسيجيء من يعلّمكم الصحيح، وهذا إشارة إلى خطأ ما يخالفهم في القراءة .
[11] سورة الحجر ايه 9 ص 262.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo