< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/06/08

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: إختلاف القراءات في [يطهرن]

وأمّا بالنسبة إلى اختلاف القراءات فإنّ الواجب علينا أن نأخذ بما ثبت إمضاؤه من الأئمّةi، مثل يطهرن، فالموجود في القرآن الكريم الذي نقرؤه هو [يَطْهُرْنَ] بالتخفيف ـ وكذا قرأها أكثر القرّاء السبعة ـ وقرأها بعضهم ـ وهما حمزة والكسائي ـ (يَطَّهَّرْنَ)، قال تعالى[ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ، قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ ]([1]) .
* * * * *
* نظرةٌ إلى قوله تعالى[ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ ]
لا شكّ أنّ أكثر القرّاء السبعة قرؤوا [حَتَّى يَطْهُرْنَ] بالتخفيف أي حتى يخرجن من الحيض ـ عملاً بمفهوم الغاية، أي فإذا طَهُرْنَ من الحيض أي خرجنَ منه فلا مانع من إتيانهنّ ـ وعليه فيجب الجمعُ بين قولِه تعالى [ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ] ـ التي تفيد جوازَ المقاربةِ بمجرّد أن تَطْهُرَ ـ وقولِه [ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ] ـ التي تفيد عدمَ جوازِ المقاربة حتى تغتسل ـ بالقول بكراهة الوطء من دون الإغتسال ـ لا باستحباب الوطء بعد الإغتسال ـ والأمر بالإتيان في هكذا مواضع يفيد الإباحة، مثل قوله تعالى [ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ] ([2]) .
ولك أن تقول : حينما يقول اللهُ تعالى [.. فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ ] معنى ذلك أنّ الحرمة منصبّة على خصوص حالة ما لو كانت حائض، أمّا بعد ذلك فيجب ـ طِبقاً لهذه الآية المباركة ـ أن يكون ذلك جائزاً . ولك ـ مع الوسوسة ـ أن ترجع إلى أصالة الجواز .
وعلى أيّ حال، فالله تعالى يريد من عباده أن يفعلوا الراجح ولا يفعلوا المرجوح، فإنّ الله عزّ وجلّ [ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ ] أي الذين يطهّرون أبدانهم بالإغتسال، وهو أمر معلوم الرجحان عقلاً ... وهل يحبّ الله تعالى إلاّ الطهارة لعباده ؟! والتطهُّرُ أمْرٌ فوقَ الطهارة التلقائية ـ التي هي مجرّد النقاء من الحيض ـ وهو هنا الإغتسال .

وقرأ إماما قرّاء الكوفة بالتشديد، وهما حمزة (بن حبيب الزيات الكوفيّ التميمي، كان شيعياً، وقد أثنى عليه الخاصّةُ والعامّة، وُلِد سنة 80 هـ وتوفّي 154 أو 158 هـ فهو إذن من ط الإمام الصادق (عليه السلام) الذي استشهد سنة 148 هـ) والكسائي(هو علي بن حمزة النحوي الكوفيّ، أدّب الرشيدَ وابنَه الأمين، توفّي 189 هـ فهو من ط الإمام الكاظم (عليه السلام) الذي استشهد سنة 183 هـ) فقرءا : يطَّهَّرْنَ بالتشديد أي يتطهرن، وسكت الإمام الصادق والإمام الكاظم (عليهم السلام) عن ذلك، ممّا يعني أنهما رضيا بقراءتهما أيضاً ! والظاهر من [ يَطَّهَّرْنَ ] هو الإغتسال، لا غسل موضع الدم، فإنه لا يطلق على غسل موضع الدم ( يتطهر ) وإنما يقال له (حتى يغسل موضع الدم)، لأنّ معنى يتطهر هو أنه كلّه يتطهّر، قال تعالى[ وإنْ كُنْتُمْ جُنُباً فاطَّهَّرُوا] ([3])، على أنه لا بأس بإتيان المستحاضة رغم وجود دم، وعلى هذا المعنى يجب القول ـ بقرينة [ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ] ـ أنّ الحرام هو مقاربتها أثناء الحيض فقط، فيكون الإغتسال رافعاً للكراهة .
بل حتى لو تردّدنا بين معنى الإغتسال ومعنى تطهير موضع الدم فإننا نرجع إلى أصالة جواز الوطء مع غسل موضع الدم .
وهنا يجب قول الكلمة التالية وهي انه مع إمضاء المعصومين (عليهم السلام) لكتا القراءتين، فلا ينبغي أن نرجّح نحن قراءةً على اُخرى، وإنما يجب القول بالتخيير بينهما، فنحن لا نريد إلاّ ما أمضاه أئمّتنا (عليهم السلام)، ولا يهمّنا عين ما نزل، وذلك لأنهم (عليهم السلام) هم الحقّ، وقولهم الصدق، وهذا يعني أنّ ما يقولونه كلّه الواقع، وأنّ التخيير واقعي لا ظاهري .



BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo