< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/06/03

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان : نَظْرَةٌ نورانية إلى قول الله تعالى[ لا يَمَسُّهُ إلاّ المطهّرون ]

* نَظْرَةٌ نورانية إلى قول الله تعالى[ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78)
لا يَمَسُّهُ إلاّ المطهّرون (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العَالَمِينَ (80)]
قال العارف الكامل والوليّ الواصل مولانا السيدر حيدر الآملي المتجلّي والمتوفَّى في القرن الثامن في كتابه (تفسير المحيط الأعظم) ص 346 ـ في قول الله تعالى[ لا يمسّه إلاّ المطهّرون ] ـ قال : ( هي إشارة إلى أن القرآن لا يَنطق عنه وعن تأويله وتحقيقه ولا يحصل مسّه الحقيقي ـ الذي هو عبارة عن الإطلاع على ظاهره وباطنه وباطن باطنه إلى أن يصل إلى الأبطن السبعة ـ إلا لرجال مطهّرين من أنجاس الشرك الجليّ والخفيّ ودنس رؤية الغير في الوجود مطلقاً، واللام في [لا يَمَسُّهُ] لام النّفي ـ لا لام النّهي كما ذهب إليه أرباب الظاهر ـ وذلك لأن الإنسان لا يصير محبوباً لله تعالى إلا إذا صار طاهراً في الظاهر بالتوحيد الألوهي والقيام بأركان الشريعة، وفي الباطن بالتوحيد الوجودي والقيام بأركان الطريقة والحقيقة، لأنّه طاهر منزّه عن جميع النقائص ولا يحبّ الطَّاهرُ إلا الطَّاهرَ، من كمال النسبة بينه وبينه وطريق المؤانسة بأخلاقه وأوصافه ... لأن هذا إخبار عنهم وعن المناسبة الحقيقيّة والطَّهارة الذاتيّة الجبليّة، أي جبّلة لهم بالذّات، وبالجملة لا يمسّ كتابَه الكريم بالحقيقة، أي لا يطَّلع عليه إلاّ الطَّاهرون من النّجاسات المذكورة والمنزّهون عن الأخلاق الذّميمة، ومن هذا قال [ وما يعلم تأويله إلاّ اللهُ والرّاسخون في العلم ] لأنّ ... مناسبة حقيقية من هذه الوجوه، رزقنا الله الاتّصاف بها وبأمثالها ... إلى تحصيل الطهارات الحقيقيّة والكمالات الأخرويّة، ووفقنا للقيام بتأويل القرآن والحقيقة) (إنتهى، ولا شكّ في وجود بعض الأخطاء لم نتدخّل لإصلاحها حفاظاً على النصّ) .
ثم قال ص 319 : (وينبغي أن يحضر في ذهن القاري عظمةُ المتكلَّم، ويعلم أنّ ما يقرأُه ليس بكلام البشر، وأنّ في تلاوة كلام الله غايَةَ الخطر، فإنه تعالى قال [ لا يَمَسُّه ُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ]، وكما أنّ ظاهر جلد المصحف وورقه محروس عن ظاهر بشرة اللامس الغير ( متطهر) مطهر، فكذلك باطنُ معناه ـ بِحُكْمِ عِزّهِ وجلالِه ـ محجوبٌ عن باطن القلب أن يستضيء بنوره إلا إذا كان متطهّراً عن كلّ رجس، مستنيراً بنور التعظيم والتوقير عن ظلمة الشرك، وكما لا يَصْلُحُ لِمَسِّ جلْدِ المصحفِ كلُّ يَدٍ، فلا يصلح لتلاوة حروفه كلّ إنسان، ولا لِحَمْلِ أنوارِه كلُّ قلب، ولأجل هذا كان عكرمة بنُ أبي جهل إذا نشر المصحف يُغْشَى عليه ويقول (هو كلام ربّي)، فيعظَّم الكلامَ بتعظيم المتكلِّم، وعلمتَ أنّ عظمة المتكلِّم لا تخطر في القلب بدون الفكر في صفات جلاله ونعوت كماله وأفعاله، وإذا خطر ببالك الكرسيّ والعرش والسّماوات والأرضون وما بينهما، وعلمت أنّ الخالق لجميعها والقادر عليها والرّازق لها هو الله الواحد القهّار، وأنّ الكلّ في قبضته، والسّموات مطويّات بيمينه، والكلّ سائر إليه وأنّه الَّذي يقول : هؤلاء في الجنّة ولا أبالي فإنّك تستحضر من ذلك عظمة المتكلَّم ثمّ عظمة الكلام) (إنتهى) .
وقال الشيخ الأجلّ جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري (المتوفَّى سنة 826) في كتابه (كنز العرفان في فقه القرآن ) : (.. في كتاب مكنون أي مصون مستور عن الخلق في لوحه المحفوظ . وقيل : المصحف الذي بيد الناس، والضمير في [ لا يَمَسُّهُ ] يعود إلى الكتاب لأنه أقرب، فعلى القول الأول : لا يمسه إلا الملائكة المطهرون من الذنوب، وعلى الثّاني : لا يمسّه إلاّ المطهّرون من الأحداث والخباثات وهو مرويّ عن الباقر (عليه السلام) وجماعةٍ من المفسّرين، ويكون المراد النّهيَ عن مسّه لا نفي المسّ الَّذي هو خبر وإلاّ لزم الكذب لأنّا نعلم ضرورة أنّه يمسّه من ليس بمطهّر، ويؤيّده الرواية عن الصادق (عليه السلام) وقد قال لولده إسماعيل : ( اِقْرَأ المصحفَ ) قال : لستُ على وضوء، فقال : (لا تمسّ الكتابة ومسّ الورق )، وإذا لم يجز لغير المتوضّي مسُّه فللجنب اَولى)(إنتهى) .
أقول : يبعد إرادة المتطهِّرين من ( المطهَّرون ) إذ يحتمل قوياً إرادة المطهَّرين ذاتاً وهم أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، يقول الله تعالى[إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً] فهم المطهَّرون، وكذلك الملائكة ـ كجبرائيل (عليه السلام) ـ مطهّرون، وبهذا القول قال جمع من علمائنا كالسيد الحكيم والسيد الخوئي وصدر المتألهين الشيرازي في أول كتابه القيّم ( مفاتيح الغيب ) .
اُنظُرْ إلى الإستعمالات القرآنية [ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ ] أي المتطهّرين ولم يقل ( المطَهَّرين)، وقال أيضاً [ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ ] ولم يقل ( المطَهَّرين )، والمراد من المطَّهِّرين والمتطهِّرين هو من يتطهَّر بعد عروض النجاسة أو الحدث عليه، أمّا قوله تعالى[ وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ] أي ذاتاً طاهرة لا تعرض عليهنّ الأحداث والأخباث، و[ رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً ] أي من كلّ عيب .. وهكذا ..
ثانياً : لا يصح إرادة هذا المصحف الذي بين أيدينا من ( الكتاب المكنون )فإنه ليس شرفاً للكتاب أن يكون بين جلدتين وإلاّ لكانت كتب الضلال ذات شرف، لأنها في كتاب مكنون، وإنما المراد بالكتاب المكنون (اللوح المحفوظ) الذي هو عِلْمُ جبرائيل(عليه السلام).
وأيضاً يكفينا الإجمال في كلمة [ كتاب مكنون ] في إبطال الإستدلال بالآية فلعلّ المراد بالقرآن الكريم الذي هو في [ كتاب مكنون ] ذاك الذي في عِلْم الله تعالى .
ثالثاً : قولُه تعالى[ لا يَمَسُّهُ إلاّ المُطَهَّرون ] واردٌ موردَ الإخبار والمدح وهو أنّ هذا القرآن الكريم ـ الذي هو في عِلْمِ جبرائيلt ـ لا يمسُّه أي لا يصل إليه ـ في عظمته أو في إدراك معانيه ـ إلاّ المطَهَّرون من العيوب وهم أهل بيت العصمة والطهارة والروح الأمين (عليهم السلام) .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo