< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/06/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الكلام في ادّعاء الأخباريين عدمَ حجيّةِ ظهورات القرآن الكريم

الكلام في ادّعاء الأخباريين عدمَ حجيّةِ ظهورات القرآن الكريم :
إدّعى الأخباريون أنّ ظهورات القرآن الكريم غير حجّة "لاختصاص فهمه بأهله ومن خوطب به، ولأنه لأجل احتوائه على مضامين شامخة ومطالب غامضة عالية لا يكاد تصل إليها أفكار اُولي الأنظار غير الراسخين، العالمين بتأويله، كيف، ولا يكاد يصل إلى فهم كلمات الأوائل إلاّ الأوحدي من الأفاضل، فما ظنّك بكلامه تعالى مع اشتماله على علم ما كان وما يكون وحكم كلّ شيء، أو بدعوى شمول المتشابه الممنوع عن اتّباعه للظاهر، لا أقلّ من احتمال شموله له، لتشابه المتشابه وإجماله، أو بدعوى أنه وإن لم يكن منه ذاتاً إلاّ أنه صار منه عرضاً، للعلم الإجمالي بطروء التخصيص والتقييد والتجوّز في غير واحد من ظواهره كما هو ظاهر، أو بدعوى شمول الأخبار الناهية عن تفسير القرآن بالرأي لحمل الكلام ـ الظاهر في معنى ـ على إرادة هذا المعنى" كما أفاد صاحب الكفاية في بيان كلامهم .
أقول : ذكر في الوسائل ج 18 ب 13 من أبواب صفات القاضي و منتهى الدراية ج 4 ص 289 بشكل تسلسلي الكثير من الروايات في التأكيد على ما ذكره صاحب الكفاية ولعلّ أهمّها ما يلي :
ـ عن بعض أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أنه قال أبو عبد الله (عليه السلام) لأبي حنيفة : ( أنت فقيهُ أهلِ العراق ؟ ) قال : نعم، قال : ( فبِمَ تُفتيهم ؟ ) قال : بكتاب الله وسُنّة نبيِّه، قال : ( يا أبا حنيفة، تعرِفُ كتابَ الله حق معرفته، وتَعرفُ الناسخَ والمنسوخ ؟ ) قال : نعم، قال : ( يا أبا حنيفة : لقد ادعيتَ عِلْماً، ويلك ما جعل اللهُ ذلك اِلاّ عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ! ولا هو اِلاّ عند الخاص مِن ذُرّيّة نبيّنا محمّد (ص)، وما ورَّثَكَ اللهُ من كتابه حرفاً ) ـ وذَكَرَ الإحتجاجَ عليه ـ إلى أن قال : ( يا أبا حنيفة، إذا وَرَدَ عليك شيءٌ ليس في كتاب الله ولم تأتِ به الآثار والسُنّة كيف تصنع ؟ ) فقال : أصلحك الله، أقيس وأعمل فيه برأيي )، فقال : ( يا أبا حنيفة، اِنّ أوَّلَ مَن قاس إبليسُ الملعون، قاس على ربنا تبارك وتعالى، فقال "أنا خيرٌ منه، خلقتني من نار وخلقته من طين ) قال : فسكت أبو حنيفة، فقال : (يا أبا حنيفة، أيُّما أرْجَسُ البولُ أو الجنابة ؟ )[1] فقال : البول، فقال : ( فما بالُ الناسِ يغتسلون من الجنابة، ولا يغتسلون من البول ؟ ) فسكت، فقال : (يا أبا حنيفة، أيُّما أفضلُ : الصلاةُ أم الصوم ؟ ) قال : الصلاة، قال : ( فما بالُ الحائضِ تَقضي صومَها، ولا تَقضي صلاتَها ؟ )فسكت .
لاحِظْ قولَه "اَقِيسُ واَعْمَلُ فيه برأيي" تعرف أنّ جواب الإمام (عليه السلام) ناظر إلى هكذا تفسير باطل فاسد يرفضه المؤمنون جميعاً، وليس ناظراً إلى رفض تفسير علمائنا الأتقياء الذي يحاولون أن يستنطقوا القرآن، ويفسّرونه بعِلْمٍ ـ لا على رأيهم المعتمد على ظنّهم ـ . ومثلُها ما بعدها .
ـ ومنها : ما رواه زيد الشحام قال : دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر(عليه السلام) فقال : ( يا قتادة، أنت فقيهُ أهلِ البصرة ؟ ) فقال : هكذا يزعمون، فقال أبو جعفر(عليه السلام): (بلغني أنك تفسِّرُ القرآنَ )، فقال له قتادة : نعم، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): (بعِلْمٍ تفسِّرُهُ أم بجهل ؟ ) قال : لا بعلم، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): (فإنْ كنتَ تفسِّرُهُ بعِلْمٍ فأنت أنت وأنا أسألك ) قال قتادة : سَلْ، قال : ( أخبِرْني عن قول الله عز وجل في سبأ [ وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ]([2]) ؟ ) فقال قتادة : ذلك مَن خَرَجَ مِن بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله، فقال أبو جعفر (عليه السلام): ( نشدتُك اللهَ يا قتادة، هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزادٍ حلالٍ وراحلةٍ وكراء حلال يريد هذا البيت فيُقطع عليه الطريقَ فتَذهب نفقتُه ويُضرَبُ مع ذلك ضربةً فيها اجتياحُه ؟ ) قال قتادة : اللهم نعم، فقال أبو جعفر(عليه السلام): ( وَيْحَكَ يا قتادة، اِنْ كنتَ اِنّما فسرتَ القرآنَ مِن تلقاء نفسك فقد هلكتَ وأهلكتَ، واِنْ كنتَ قد أخذتَه من الرجال فقد هلكت وأهلكت، ويحك يا قتادة، ذلك مَن خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفاً بحقِّنا، يَهوانا قلبُه، كما قال الله عز وجل [ واجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ الناسِ تَهْوِي إليْهِمْ ] ولم يَعْنِ البيتَ فيقول "إليه"، فنحن واللهِ دعوةُ إبراهيم (عليه السلام)التي مَن هوانا قلبُهُ قُبِلَتْ حِجَّتُه، واِلاّ فلا، يا قتادة : فإذا كان كذلك كان آمناً مِن عذاب جهنم يوم القيامة ) قال قتادة : لا جَرَمَ واللهِ لا فَسَّرْتُها اِلاّ هكذا، فقال أبو جعفر (عليه السلام): ( ويحك يا قتادة اِنما يَعرِفُ القرآنَ مَن خُوطب به ) .
إذن هاتان الروايتان ناظرتان إلى الإستغناء عن أئمّة الهدى (عليهم السلام) في التفسير، ولا تدلان على اختصاص فهم القرآن بالأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، أي أنهما لا تنفيان حجيّةَ ظهور القرآن الكريم مطلقاً ـ أي حتى ولو كان الظهور واضحاً ـ .
ـ منها : ما رواه العياشي في تفسيره عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : (ليس شيءٌ أبْعَدَ مِن عقولِ الرجالِ عن القرآن ) ووردت هذه العبارة في رواية جابر بن يزيد([3]) .
أقول : هذه الرواية تنفي وصولَ عقولِ الرجال إلى عمق تفسير القرآن الكريم، فهم وحدهم الذين يعرفون كلّ دقائق القرآن وبواطنه، ولكن مع ذلك هي لا تنفي حجيّة ظهورات القرآن إن كانت واضحة، فنحن نعرف من قوله تعالى[ قل هو الله أحد ] مثلاً ـ التي لعلّها أوضح آية في كتاب الله ـ أنه الوجود كلّه، ولا مجال لأَنْ يوجدَ معه إلهٌ آخر، وأنه أحد في كلّ صفة من صفاته، وهو الأحد في كلّ إسم من اَسمائه، وهو الأحد في الأبدية والأزلية، وهو الأحد الذي لا تنتهي أسماؤه وصفاته إلى حدّ محدود ... ونحن وإن كنّا نعرف ذلك، لكننا نعرف ذلك إلى حدّ محدود، وعلى مستوى المفاهيم فقط، ولكننا لا نعرف حقائق ذلك، أي على مستوى حقّ اليقين وعين اليقين ...
ـ ومنها : ما رواه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( الراسخون في العلم أميرُ المؤمنين والأئمة من وُلْدِه (عليهم السلام) ) . هذا الصنف من الروايات هو من المسلّمات عند الطائفة، ولا ينكرها شيعي قط، والمفسّرون لا يدّعون أنهم راسخون في العلم كالمعصومين (عليهم السلام)، نعم هم راسخون إلى حدّ معيّن فقط .
ـ ومنها : ما رواه مرازم عن أبي عبد الله (عليه السلام): (إنّ الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان([4]) كل شيء، حتى واللهِ ما ترك اللهُ شيئاً يحتاج إليه العباد، حتى لا يستطيع عبدٌ يقول لو كان هذا اُنزل في القرآن اِلاّ وقد أنزله الله فيه ) . وهذا الصنف لا ينكره شيعي قط، فالمفسّرُ الشيعي التقيّ لا يُدرك كلّ معاني القرآن الكريم ولا يدّعي ذلك، ولكنها مع ذلك لا تنفي حجيّةَ الظهور . ومثلُها ما بعدها .



[4] إشارة إلى قوله تعالى[وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ. وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ 89] سورة النحل .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo