< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/02

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: هل يجب قصد الوجه في العبادات
المقام الثاني :
عرفتَ أنّ المقام الثاني هو في إمكان أخْذِ وجوبِ قصد الوجه ـ أي الوجوب أو الإستحباب ـ في الخطاب، هذا أوّلاً وعلى مستوى الإمكان والثبوت ؟ ثم أليس من اللغو واللعب أن يصلّي الإنسان بنيّة المطلوبية المطلقة وهو قادر على معرفة عنوان العبادة هل أنها واجبة أو مستحبّة ؟
وثانياً ـ على مستوى الإثبات ـ هل دلّ دليلٌ ـ ولو دليل عقلي ـ على وجوب الإمتثالِ التفصيلي ـ عند إمكانه طبعاً ـ في العبادات ـ ولو بادّعاء اقتضاء التكليف لزومَ قصْدِ شخصِ الحكم ـ ؟ فقد يقال بأنه لا يحسن عقلاً عند امتثال العبادات أن يَقصد الممتثلُ مطلقَ المطلوبية بعد تمكّنه من معرفة هويّة المطلوب هل أنه واجب أو مستحبّ، وذلك الوجوبُ ـ إنْ ثَبَتَ ـ يستلزمُ عدمَ كفاية الإمتثالِ الإجمالي، طبعاً مع التمكّن من الإمتثال التفصيلي في العبادات ـ وذلك لعدم تحقيق قصد الطاعة ـ بعد الإتفاق على كفايته في التوصليّات، وهي التي يكون المطلوب فيها نفس وجودها في الخارج بأيّ داع كان، ولو بدون قصد القربة، كالتطهير من الخبث والإنفاق على الزوجة ودفن الميّت، فإنه يكفي التطهير ويصحّ حتى ولو لم يقصد الطاعة والقربة إلى الله تعالى فيه .
فأقول : يجب أوّلاً أن نَذْكُرَ رأيَ الخصمِ المخالِفِ لنعرف الأمر عنده تماماً، وقد اخترنا كلام المحقّق النائيني لاحتمال أن يكون أجودَ مَن عَرَضَ رأيَ الخصمِ، خاصّةً وأنه تبنّاه، فقد قال : "مراتبُ الإمتثال والإطاعة عند العقل أربعة : المرتبة الأولى الإمتثال التفصيلي .. المرتبة الثانية الامتثالُ العلمي الإجمالي كالإحتياط في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي .. المرتبة الثالثة الإمتثال الظني .. ـ إلى أن قال : ـ المرتبة الرابعة الإمتثال الإحتمالي ـ كما في الشبهات البدْوية أو الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ـ عند تعذر الإمتثال الإجمالي أو الظني . ولا إشكال في أنه لا تصل النوبة إلى الإمتثال الإحتمالي إلا بعد تعذر الإمتثال الظني، ولا تصل النوبة إلى الإمتثال الظني إلا بعد تَعَذُّرِ الإمتثالِ الإجمالي، إنما الإشكال في المرتبتين الأوْلتين . فقيل : إنهما في عرْضٍ واحد، وقيل بتقديم رتبة الإمتثال التفصيلي مع الإمكان على الامتثال الإجمالي، وعلى ذلك يبتني بطلانُ عبادة تاركي طريقِ الإجتهاد والتقليد والعمل بالإحتياط، وهذا هو الأقوى، ولكن في خصوص ما إذا استلزم منه تكرار جملة العمل، فإنّ حقيقة الإطاعة عند العقل هو الإنبعاث عن بعث المولى، بحيث يكون الداعي والمحرك له نحو العمل هو تعلق الأمر به وانطباق المأمور به عليه، وهذا المعنى في الإمتثال الإجمالي لا يتحقق، فإنّ الداعي له نحو العمل بكل واحد من فردَي الترديد ليس إلا احتمال تعلق الأمر به، فإنه لا يعلم انطباق المأمور به عليه بالخصوص . نعم، بعد الإتيان بكلا فردَي الترديد يَعلم بتحقق ما ينطبق المأمور به عليه، والذي يعتبر في حقيقة الطاعة عقلاً هو أن يكون عمل الفاعل ـ حال العمل ـ بداعي تعلق الأمر به حتى يتحقق منه قصد الإمتثال التفصيلي فيما بيده من العمل، ومجرَّدُ العلم بتعلُّقِ الأمر بأحد فردَي الترديد لا يقتضى أن يكون الإنبعاث عن البعث المولوي، بل أقصاه أن يكون الإنبعاث عن احتمال البعث بالنسبة إلى كل واحد من العمَلَين . نعم، الإنبعاثُ عن احتمال البعث وإن كان أيضاً نحواً من الطاعة عند العقل إلا أن رتبته متأخِّرة عن الإمتثال التفصيلي . فالإنصاف، أنّ مدَّعي القطع بتقدم رتبة الإمتثال التفصيلي على الإمتثال الإجمالي في الشبهات الموضوعية والحكمية مع التمكن من إزالة الشبهة لا يكون مجازفاً في دعواه، مع أنه لو سُلِّمَ الشك في ذلك فقد عرفت أن الأصل يقتضي الإشتغال لا البراءة، لأن مرجع الشك في ذلك إلى الشك في التخيير بين الإمتثال التفصيلي والإجمالي أو تعين الإمتثال التفصيلي . هذا إذا كان المعلوم بالإجمال مردداً بين المتباينين بحيث استلزم من الإحتياط تكرار جملة العمل .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo