< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/04/20

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: وجوبُ الموافقة الإلتزامية لا يمنع من جريان الاُصول العمليّة الترخيصية

النقطة الثانية : والنظر فيها إنما هو إلى سؤالين :
الأوّل : هل أنّ وجوب الموافقة الإلتزامية التفصيلية ـ لو سُلّمَ ـ يمنع عن جريان الاُصول العمليّة الترخيصية في أطراف العلم الإجمالي حينما لا يوجد مانع من المخالفة العملية ـ كما في موارد دوران الأمر بين المحذورين ـ أم لا ؟
والسؤال الثاني معاكس للسؤال الأوّل وهو : هل أنّ جريان الاُصول العملية في أطراف العلم الإجمالي يمنع من لزوم الموافقة القلبية التفصيلية أم لا ؟ طبعاً هذا السؤال مبنيّ على أنّ وجوب الإلتزام القلبي شقّ من شقَّي التنجّز، فإذا جرت الاُصول العملية في طرفَي العلم الإجمالي ـ في حالة دوران الأمر بين المحذورَين ـ وأدّت إلى انتفاء التنجّز ونفي وجوب الإمتثال، فهل هذا يعني أنّ هذه الاُصول العملية ـ التي أدّتْ إلى انتفاء التنجّز ـ تنفي أيضاً وجوبَ الإلتزامِ القلبي التفصيلي أم لا ؟

إذن السؤال الأوّل هو : هل أن وجوب الموافقة الإلتزامية التفصيلية يمنع عن جريان الاُصول العملية الترخيصية إن لم يوجد مانع عن جريانها كما فيما لو كانت أطراف العلم الإجمالي كثيرة إلى حدّ يصير بعض الأطراف خارج محلّ الإبتلاء ـ كما في حالة سوق المسلمين ـ وكما في حالة دوران الأمر بين المحذورين ؟
فنقول : لو سلّمنا وجوبَ الإلتزامِ القلبي التفصيلي فذلك لا يمنع من جريان الأصول العملية الترخيصية في أمثال حالة دوران الأمر بين المحذورَين ـ وذلك كما لو تردّدنا في وجوب السورة بعد الفاتحة في ضيق الوقت أو في حرمتها ـ وذلك لأنّ وجوب الإلتزام القلبي ناظر إلى الواقع، والأصولُ الترخيصيةُ ناظرةٌ إلى الترخيص على مستوى التنجيز والظاهر فقط، فالموردان مختلفان تماماً .
وبتعبير آخر : ما هو المانع من جريان الاُصول العملية الترخيصية في كلا الطرفين، بعد أن كانت الاُصول العملية ترخّص فقط في تنجيز الحكمين المردّدين، ولا ترخّص فعليّتهما، فهي لا تنظر إلى الترخيص الواقعي، وإنما تنظر فقط إلى الترخيص الظاهري، إذن وجوبُ الموافقة التفصيلية ـ لو سلّمنا به ـ لا يمنع من جريان الأصول الترخيصية، لأنّ الاُولى ناظرةٌ إلى الواقع والثانية ناظرةٌ إلى الظاهر . هذا أوّلاً،
وثانياً : ذكرنا سابقاً أنّ لزوم الموافقة الإلتزامية مستقلة عن جريان الاُصول العملية بناءً على رأينا من عدم تقيّد الأحكام الشرعية بالإيمان القلبي التفصيلي بها،

هذا لو كانت هذه الاُصول تجري في موارد العلم الإجمالي، لكنْ في جريانها إشكالاتٌ معروفة من عدم المقتضي أصلاً ـ لعدم النظر عند جعل الاُصول العملية إلى موارد العلم الإجمالي، يكشف عن هذا انصرافُ ألْسِنَةِ الاُصولِ العمليّة عن موارد العلم الإجمالي بنظر العقلاء ـ ومن اللغْوِيّة في جريانها ثم تساقطِها ـ على فرض وجود المقتضي ـ .

وفي الجواب عن السؤال الثاني نقول : نَقَلَ السيدُ الشهيد عن السيد الخوئي رحمهما الله تعالى أنه قال في بيان المانعية (إنّ جريان الأصل في الأطراف يستلزم المخالفة الإلتزامية تكويناً لاستحالة الإلتزام بشيء مع التعبّد بخلافه في تمام الأطراف) [1](إنتهى) .
أقول : قد يكون لا ينبغي أن نجيب على سؤالهم الثاني هذا ـ السالف الذكر ـ بأنه "هل يستلزم جريانُ الأصولِ العملية في أطراف العلم الإجمالي ـ كما في موارد دوران الأمر بين المحذورَين ـ الترخيصَ في المخالفة القلبية التفصيلية أم لا ؟" وذلك لانه لا شكّ في أنّ الاُصول العملية الترخيصية ناظرةٌ إلى الترخيص في مرحلة التنجيز، وليست ناظرةً إلى الترخيص الواقعي ـ كما ذكرنا قبل قليل ـ والموافقةُ التفصيلية ناظرةٌ إلى لزوم الإيمان بالحكم الواقعي، فالموردان مختلفان تماماً .
وبتعبير آخر : إنه لا ببأنهلا يوجد ارتباط بين جريان الاُصول العملية الترخيصية لأنها ظاهرية فقط وبين التسليم القلبي بالحكم الواقعي المجهول عندنا، وإنما هما مستقلاّن عن بعضهما تماماً، فإذا سقطت الأحكام الإلزامية المتضادّة المتعلّقة بعدّة أطراف أو بطرف واحد عن التنجيز ـ لدورانها بين المحذورَين ـ فما السبب لسقوط لزوم الموافقة القلبية وذلك بأن نسلّم بالحكم الواقعي الضائع ؟! فالاُصول العملية الترخيصية ظاهرية فقط، فهي لا تنفي الواقعَ، فلا وجه لسقوط وجوب الموافقة الإلتزامية الإجمالية، أي يجب على المكلّف أن يؤمن بالواقع على ما هو عليه ولو كان مجهولاً عنده . وبتعبير ثالث : لو أجرينا البراءةَ عن كلا الحكمين المتضادّين ـ لدوران الأمر بينهما ـ فما السببُ وما الوجه في جريان البراءة عن لزوم الموافقة القلبية ولو بنحو الإجمال ؟!
المهم هو أنه لا يوجد ارتباط بين جريان الاُصول الترخيصية وبين الموافقة القلبية التفصيلية، لأنّ الاُولى ناظرة إلى الظاهر، والثانية ناظرة إلى الواقع، إذ أننا في مقام العمل نقول : اَقرأ هذه السورة ـ التي هي بعد الفاتحة وفي ضيق الوقت ـ مسلّماً بما هو موجود في الواقع، مؤمناً بكلّ أحكام الله الواقعية، مع أننا أجرينا الاُصولَ الترخيصية في مرحلة التنجيز والظاهر .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo