< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ ناجي طالب

بحث الفقه

36/12/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : فَصْلٌ في بعض مستحبات الوضوء

التاسع : غسل كل من الوجه واليدين مرتين[1] ، ولكنْ بأنْ ينويَ الغسْلةَ الثانية لليسرى تتميماً للغَسْلة الاُولى.

الخامس عشر : أن يقرأ سورةَ القدر حالَ الوضوء 384.[2]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

384 يستحب غَسْلُ كلّ من الوجهين واليدين مرّتين مرّتين ، كما هو المشهور شهرة عظيمة ، بل عن الإنتصار والغنية والسرائر : الإجماع عليه ، وعن الإستبصار نفيُ الخلافِ بين المسلمين في كون الثانية سُنَّة ، ويدلّ عليه ما يلي :

1 ـ ما رواه في التهذيبين بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن حمّاد (بن عيسى) عن معاوية بن وهب قال : سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء فقال : ( الوضوء مثنى مثنى )[3] صحيحة السند ، وهي تشمل اليد اليسرى أيضاً بوضوح ، وكذا ما بَعدَها .

2 ـ وما رواه في التهذيبين أيضاً بإسناده ـ الصحيح ـ عن أحمد بن محمد (بن أبي نصر) عن صفوان (بن يحيى) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( الوضوء مثنى مثنى )[4] صحيحة السند .

3 ـ وفي يب بإسناده عن الصفار عن السندي بن محمد(ثقة وجه) عن يونس بن يعقوب (ثقة) قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال ؟ قال : ( يغسل ذكره ويُذهِب الغائطَ ثم يتوضأ مرتين مرتين )[5] صحيحة السند .

4 ـ ومثلُها ما رواه في التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن عروة (موثّق) عن (عبد الله) ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( الوضوء مثنى مثنى ، مَن زاد لم يؤجر عليه ) ، وحَكَى لنا وضوءَ رسول الله (ص) ، فغسل وجهه مرّةً واحدة ، وذراعيه مرّةً واحدة ، ومسح رأسه بفضل وضوئه ورجليه .[6] مصحّحة السند .

5 ـ وما في مرسل الأحول : ( وضع رسول الله (ص) للناس اثنتين اثنتين ) .

6 ـ وما في مرسل ابن أبي المقدام : ( إني لأعجب ممن يرغب[7] أن يتوضأ اثنتين اثنتين وقد توضأ رسول الله (ص) اثنتين اثنتين ) .

7 ـ ومثلها ما في رواية محمد بن الفضل فيما كتبه الكاظم (عليه السلام) إلى ابن يقطين ( إغسل وجهك مرة فريضة ، وأخرى إسباغاً ) .

8 ـ ونحوها رواية الفضل عن الرضا (عليه السلام) .

9 ـ وكذا ما في رواية داود الرقي : ( توضأ مثنى مثنى ) ..

ولا يعارضها جملة أخرى كما في حديث ميسرة : ( الوضوء واحدة واحدة ) ، وما في خبر يونس بن عمار من أنه ( مرة مرة ) ، ونحوه ما في كتاب الرضا (عليه السلام) إلى المأمون ، فناظرةٌ ـ بمقتضى الجمع العرفي بين الروايات ـ إلى بيان مقدار الواجب . وما في رواية ابن بكير ( من لم يستيقن أن واحدة من الوضوء تجزؤه لم يؤجر على الثنتين ) فصريحة في نظرها إلى البدعة والتشريع المحرّم .

نعم يعارضها ما يلي :

1 ـ ما في الكافي عن محمد بن الحسن الصفّار وغيره عن سهل بن زياد ، و(الكافي) عن علي بن إبراهيم عن أبيه و(الكافي عن) محمد بن يحيى العطّار عن أحمد بن محمد (بن عيسى) جميعاً عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي (كان ثقةً ثقةً عيناً ، إلاّ أنه وَقَفَ فصار خبيثاً) قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء فقال : ( ما كان وضوء عليّ (عليه السلام) إلا مَرَّةً مَرَّة )[8] ، يمكن تصحيح السند برواية البزنطي عن الخثعمي ، لأنّ البزنطي من الثلاثة الذين لا يَروون ولا يُرسِلون إلاّ عمّن يوثق به ، وذلك بتقريب أنه لا يمكن أن يستمرّ المعصوم (عليه السلام) على ترك المستحبّ ، ولكننا لا نقدّم رواية الواقفي الخبيث علَى الإمامي .

2 ـ ومثلُها ما في الفقيه قال : وقال الصادق (عليه السلام) : ( واللهِ ما كان وضوء رسول الله (ص) إلا مَرَّةً مَرَّة )[9] ، ولكننا لا نقدّم هذه المرسلة على المسانيد السابقة .

3 ـ وقال ابن إدريس في السرائر : قال أحمد بن محمد بن أبي نصر : عن المثنى (بن الوليد الحنّاط ، لا بأس به) عن زرارة وأبي حمزة (الثمالي) عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في الوضوء : ( واعلم أنّ الفضل في واحدة واحدة ، فمن زاد على اثنتين لم يؤجر )[10] وهي واضحة الإرسال ، على أنها لا تنفي الأجر على الغسلتين ، وإن كانت تفضّل المرّة الواحدة .

4 ـ ومثلهما مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لا يؤجر ، والثالثة بدعة ) ، وهنا أيضاً لا نقدّم هذه المرسلة على المسانيد السابقة .

ولِقِلَّةِ روايات هذه الطائفة ولكونها أضعفَ سنداً من الطائفة السابقة نَرُدّ عِلْمَها إلى أهلها ، ولذلك أعرض المشهور عنها . ولذلك يجب القول باستحباب الغسلة الثانية ، حتى لليد اليسرى ، فضلاً عن جوازها .

* ويستحبّ أن يقرأ أثناء وضوئه سورة القدر ، ففي الفقه الرضوي : ( وأيما مؤمن قرأ في وضوئه (اِنَا أنزلناه في ليلة القدر) خرج من ذنوبه كيومِ وَلَدَتْهُ أمُّه ) ، ورَوَى الكفعمي في البلد الأمين أنّ ( مَن قرأ بعد إسباغ الوضوء (اِنّا أنزلناه في ليلة القدر) وقال اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك" لم تَمُرَّ بذنب أذنبه اِلاّ مَحَتْهُ )[11] .

ملاحظة : لا شكّ أنّ في سورة القدر سرّاً لا نعرفه ، يظهر ذلك من شدّة التأكيد عليها في مواضع عديدة ، كالتأكيد على قراءتها في كلّ الفرائض في الركعة الأولى ـ إلاّ في بعض الموارد الخاصّة ـ وفي ليلة القدر يستحبّ قراءتُها ألفَ مرة ، ويستحبّ قراءتُها سبعَ مرّات بعد الرشّ على قبر الميّت مستقبلاً القبلة ، ولقضاء الحاجات ، فإنه يستحبّ قراءتُها أحد عشر مرة ، واسألِ الله تعالى حاجتَك فإنها تقضى إن شاء الله تعالى ، ويستحب قراءتها بعد صلاة العشاء ست مرات ...

* * * * *

( فَصْلٌ في مكروهات الوضوء )

الثاني : الوضوء من الآنية المفضضة أو المذهبة أو المنقوشة بالتماثيل.[12]

وقد يكره الوضوء بالمياه المسخّنة بالشمس لما رُوِيَ ـ في رواية ضعيفة ـ من أنّ ذلك يورث البرص ، ولم تثبت الكراهة ـ شرعاً ـ ولا الضرر ـ عِلْميّاً ـ . 385.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

385 ... وأمّا الوضوء من الآنية المفضّضة أو المذهّبة أو المنقوشة بالصور فلا شكّ في كراهته وعدم حرمته ، وقد مرّ الكلام في هذه المسألة في بحث الأواني/ المسألة 4 . ويكفي هنا أن نذكر ما رواه الشيخ في يب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن (بن علي بن فضّال) عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن إسحاق بن عمار (بن حيّان الساباطي له أصل وكان فطحيّاً إلاّ أنه ثقة وأصله معتمد عليه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الطست يكون فيه التماثيل أو الكوز ، أو التَّوْر[13] يكون فيه التماثيل أو فضة أنه ( لا يتوضأ منه ولا فيه ... )[14] موثّقة السند .

ويمكن التمسّك بالروايات المطلقة ـ أي التي لم تصرّح بالوضوء ـ التي ذكرناها سابقاً في مسألة 4 ص 664 ، التي يفهم منها كراهة التوضُّئ من أواني الذهب والفضّة ، ولو لوحدة المناط ، أو لوضوح التعليل ، ونكتفي بذكر بعضها :

1 ـ ففي الكافي عن عدّة من أصحابنا عن سهل (بن زياد) عن علي بن حسان عن موسى بن بكر (قد يوثّق لرواية صفوان بن يحيى عنه كثيراً وابن أبي عمير) عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال : ( آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون )[15] . أستقرب أن يكون علي بن حسان هذا هو الواسطي الثقة .

2 ـ وفي الفقيه عن النبيّ (ص) أنه قال : ( آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون )[16] . هاتان الروايتان وما بعدهما تفيد وضوحَ العلّةِ ، وهي أنّ آنية الذهب والفضّة متاع المترَفين الذين لا يوقنون بقُرْبِ أجل الإنسان وبخلود الآخرة وبدناءة هذه الحياة الدنيا مهما تزيّنت في أعين الناظرين ... ويلاحظ الناظر أنّ هكذا روايات لا تفيد الحرمة ، إذ الحرمة لسانها لسان آخر ، لا أنه ترد من جهة الفطحيين فقط ، ورواية واحدة فقط ، وهتان الروايتان الأخيرتان تفيدان الكراهة لا أكثر ، وهكذا تفهم ممّا بعدهما . أمّا لسان التحريم فيَرِدُ عادةً في عدّة روايات صحيحة واضحة ، وذلك لأهميّته ، وينطق به أكثر علمائنا ، لأنّ أواني الذهب والفضّة في محلّ ابتلاء الأغنياء وغيرهم ...

3 ـ وروى في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد(بن عيسى) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن آنية الذهب والفضة فكَرِهَهُما ، فقلت : قد رَوَى بعضُ أصحابنا أنه كان لأبي الحسن (عليه السلام) مرآةٌ مُلَبَّسَةٌ فضةٌ ! فقال : ( لا ، والحمدُ لله ، إنما كانت لها حلقة من فضة وهي عندي ) ، ثم قال : ( إنّ العباس حين عُذِرَ عُمِلَ له قضيبٌ مُلَبَّسٌ مِن فضة من نحو ما يعمل للصبيان ، تكون فضة نحواً من عشرة دراهم ، فأَمَرَ به أبو الحسن (عليه السلام) فكُسِرَ )[17] صحيحة السند . وهي ـ بإطلاقها ـ تفيد كراهية مطلق استعمالها ، سواءً في الوضوء أو في غيره ، ولذلك لم يحتمل علماؤنا الحرمة [18] .

4 ـ ويمكن الإستفادة ممّا رواه في الكافي أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد (بن عيسى أو ابن خالد) عن (الحسن بن علي) ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون (ثقة ثقة) عن بريد (بن معاوية العجلي ثقة فقيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( أنه كَرِهَ الشربَ في الفضة وفي القدح المفضض ، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضض ، والمشطة كذلك ).[19] صحيحة السند. وتقريب الإستفادة منها يكون باستفادة المناط من هكذا موارد ، إذ يبعد وجود كراهة في الشرب من إناء مفضّض والإدّهان من مدّهن مفضّض ، ووضع المشط في إناء مفضّض ، دون الوضوء.

وفي الفقيه : وروى ثعلبة عن بريد العجلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( أنه كَرِهَ الشربَ في الفضة وفي القدح المفضض ، وكره أن يدهن من مدهن مفضض ، والمشط كذلك ، فإن لم يجد بُدّاً من الشرب في القدح المفضض عَدَلَ بِفَمِهِ عن موضع الفضة) [20] .

5 و 6 ـ وروى أحمد بن محمد البرقي في (المحاسن) عن موسى بن القاسم(بن معاوية بن وهب ثقة فقيه ط رضا) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن المرآة ، هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة فضة ؟ قال : ( نعم ، إنما يكره استعمال ما يشرب به ) ، قال : وسألته عن السرج واللجام فيه الفضة ، أيركب به ؟ قال : ( إن كان مُمَوَّهاً لا يقدر على نزعه فلا بأس ، وإلا فلا يركب به )[21] ، ورواها علي بن جعفر في كتابه . ورواها الكليني في أحكام الدواب ، ورواها الحميري في (قرب الإسناد) عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه مثله إلا أنه قال : وسألته عن المرآة ، هل يصلح العمل بها إذا كان لها حلقة فضة ؟ قال : ( نعم ، إنما كُرِهَ ما يُشرب فيه استعمالُه )[22] . محمد بن إدريس في (آخر السرائر) نقلاً من كتاب الجامع لأحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن السرج وذكر مثله . وعدم الكراهة في حلقة الفضّة لعلّ منشأه هو صغر حجم حلقة المرآة ، بحيث لا قيمة لها عند العقلاء ، يؤيّد ذلك عدم الكراهة في المموّه.

فإن قلتَ : النظرُ إلى الشرب فقط ، بدليل قوله (عليه السلام) ( إنما يكره استعمال ما يشرب به ) ،

قلتُ : لا ، وذلك بدليل قوله بالكراهة في السرج واللجام ، وكذلك في السرير ، كما في الرواية التالية.

7 ـ وفي الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن محمد بن سنان عن حماد بن عثمان عن ربعي (بن عبد الله بن الجارود) عن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السرير فيه الذهب ، أيصلح إمساكه في البيت ؟ فقال : ( إن كان ذهباً فلا ، وإن كان ماءَ الذهب فلا بأس )[23] صحيحة السند . وكما في الروايات السابقة ، عدمُ الكراهة في ماء الذهب لأنه لا قيمة له عند العقلاء.


[7] لا شكّ أنّ في الرواية سقطاً، وهي كلمة (عن).
[10] مستطرفات السرائر، ص46، باب نوادر البزنطي، ح2.
[13] التَّوْر هو إناء صغير، نحاس أو خزف، يشرب، ه، ويتوضّأ، ه أيضاً.
[18] راجع التعليقات على العروة الوثقى : بحث (فصل في مكروهات الوضوء / الرابع).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo