< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/07/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : اشتراط الطهارة المعنويّة في مسّ كتابةِ القرآن الكريم
أمّا اشتراط الطهارة المعنويّة في مسّ كتابةِ القرآن الكريم
فقد اشتهر بين أصحابنا القدماء القولُ بكراهة مسّ المحدث بالأصغر لكتابة القرآن الكريم، وحرمة مسّها على الجنب والحائض والنفساء، وقليل منهم حَرّم المسَّ على مطلق المحْدِثِ، أي حتى على المحدث بالأصغر، وقد تكلّمنا في هذا الموضوع في الدرس السابق، ونكمل اليوم فنقول :
2 ـ من الروايات :
ـ روى في الكافي عن محمد بن يحيى (العطار) عن أحمد بن محمد (بن عيسى) عن الحسين بن سعيد عن حمّاد بن عيسى عن الحسين بن المختار (القلانسي) عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمّن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء ؟ قال : ( لا بأس، ولا يمسَّ الكتابَ )[1]، بفَتْحِ سين (يمسّ) على معنى النهي ـ لا النفي ـ، وهي موثقة السند بناءً على كون الحسين بن المختار واقفياً .
ـ وروى في التهذيبين بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمّاد(بن عيسى) عن حريز عمَّن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كان إسماعيل بن أبي عبد الله عنده فقال : ( يا بُنَيّ، اِقرأ المصحف )[2]، فقال : إنّي لستُ على وضوء ؟ فقال : (لا تمسّ (الكتابَ ـ تهذيب) (الكتابةَ ـ استبصار) ومسَّ الورقَ، واقرأه ) مرسلة، ولكن بما أنّ حمّاد بن عيسى ممَّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ـ أي من روايات ـ لأنّ كتبهم كانت مراجع الشيعة وعليها معوَّلهم فلا بُدّ من الإحتياط فيها حتماً .
وقد اعتمد السيد الخوئي على الموثقة فقط في الإفتاء بالحرمة، والسيد الحكيم على الموثقة والمرسلة مع دعوى الإجماع على الحرمة وصاحبُ الجواهر على الآية والروايات والإجماع ...
ويقول علي بن بابويه وولده الصدوق في (فقه الرضا) و(الهداية) : ( ولا تمسّ القرآن إذا كنت جنباً أو كنت على غير وضوء، ومسَّ الورق ) .

أقول : في كلامهم نظرٌ من وجوه :
1 ـ أمّا الإستدلالُ بالآية المباركة ففيه :
2 ـ وأمّا استدلالهم بموثقة أبي بصير ومرسلة حريز فأقول :
لو كان الحكم الواقعي هو حرمة المسّ لورد في ذلك عشرات الروايات من زمان رسول الله (ص) عند العامّة والخاصّة، لأنّ القضية محلُ ابتلاءٍ كبير جدّاً، فعُمْدَةُ دراسة العلوم الدينية من زمان رسول الله والأئمة (عليهم السلام) وإلى زماننا هذا هو القرآن وتفسيره، وكل الكتب الدينية محشوّة بالآيات القرآنية، بل كان المسلمون يطبعون سورة (قل هو الله أحد) وبعضَ الآيات القرآنية على الدراهم والدنانير في بلاد الإسلام كالبصرة وغيرها من أيام الإمام الباقر (عليه السلام)، وها نحن نراها بأُمّ العَين في أيّامنا[3]، وكان المسلمون يتعاملون بها بأمرٍ من أئمتنا (عليهم السلام) حتى ولو كان الشخص جنباً، فلو كان ذلك محرَّماً لشاع وانتشر، اُنظُرْ إلى بعض هذه الروايات :
ـ روى الشيخ الطوسي في التهذيبين بإسناده ـ الصحيح ـ عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الحسين(بن أبي الخطاب) عن صفوان بن يحيى عن اسحاق بن عمّار (ثقة فطحي) عن أبي إبراهيم (الكاظم (عليه السلام)) قال : سألته عن الجنب والطامث يـَمَسّان بأيديهما الدراهمَ البيض؟ قال : ( لا بأس )[4] موثقة السند .
على أيّ حال فإنه يُطمأن بصدور هذا المعنى من الأئمة (عليهم السلام)، فيجوز للجنب والحائض مسُّها، فضلاً عن المحدِث بالحدث الأصغر .
ـ وقال المحقّق الحلّي : وفي كتاب الحسن بن محبوب عن خالد(بن جرير البجلي، نقل في رجال الكشّي عن محمد بن مسعود عن علي بن الحسن بن فضّال أنه صالح) عن أبي الربيع (الشامي ـ مجهول) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الجنب يمسّ الدراهم وفيها اسمُ الله واسمُ رسوله ؟ قال : ( لا بأس به، ربّما فعلتُ ذلك )[5]، والحسن بن محبوب ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما صحّ عنهم .
ـ وروى المحقّق الحلّي أيضاً نقلاً من كتاب جامع البزنطي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته هل يمسّ الرجل الدرهم الأبيض وهو جنب ؟ فقال : ( واللهِ إنّي لأوتي بالدرهم فآخذه وإنّي لجنب )[6].
فإن قلتَ : الدراهم فيها خصوصيّة شدّة الإبتلاء، وهذا يعني أنّ الإحتياط فيها يورث الحرجَ الشديد !
قلتُ : لو كان الأمر كذلك، لورد الجواز مع الحرج، والحرمةُ مع عدمه، خاصّةً مع الجنابة، فإنّ الإنسانَ المسلم لا يبقى فترة طويلةً على الجنابة، فيمكن له ـ من دون حرج ـ عدمُ مسّ تلك الدراهم إلى ما بعد الإغتسال .
ولذلك فهذه الروايات تخلق اطمئناناً بعدم كراهة مسّ المحدِث بالجنابة والحيض للآيات المطهّرة، ذلك لأنّ أئمتنا (عليهم السلام) يفعلون ذلك ويرشدونا إلى جواز ذلك من خلال عملهم (عليهم السلام) مِن خلالِ قولهم ( لا بأس ) كما في الموثّقة .
بل الناظر إلى هذه الروايات ـ مع شدّة الإبتلاء بالمسألة ـ يحصل عنده اطمئنان بصدورها، فلا يُصغى بعد هذا إلى ما رواه الشيخ الطوسي ـ في التهذيبين ـ عن الشيخ المفيد عن أحمد بن محمد(بن الحسن بن الوليد) عن أبيه عن محمد بن يحيى(العطّار) وأحمد بن إدريس جميعاً عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد عن مصدّق بن صدقة (فطحي ثقة) عن عمار بن موسى الساباطي (فطحي ثقة) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( لا يمسّ الجنب درهماً ولا ديناراً عليه اسم الله، ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله، ولا يجامع وهو عليه، ولا يدخل المخرج وهو عليه )[7] موثّقة السند .
أقول : لا يُصغى إليها لما ذكرناه في الأصول في تعليقتنا على قوله (عليه السلام ) خُذْ بما اشتهر بين أصحابك ودعِ الشاذَّ النادرَ ) الواردة في تقديم الأشهر رواية على الرواية النادرة، بل لو كان مسُّها محرَّماً لورد فيها الكثير من الروايات لشدّة الإبتلاء بها، بل إن سياقها لا يساعد على إرادة التحريم، لأن بعض المذكورات مكروهة قطعاً وبالإجماع .


[7] تجد كل هذه الروايات في وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص233، أبواب الوضوء، ب12، ط الاسلامية و ب 18 من أبواب الجنابة، وهذه الرواية بالذات أخذتها من التهذيب، ب 3 من كتاب الطهارة ح 21، وإن كان قد ذكر أولها في الوسائل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo