< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أصالة التذكية في الحيوانات
مسألة 2 : ما عدا الكلب والخنزير من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها قابلٌ للتذكية، فجلدُه ولحمُه طاهرٌ بعد التذكية 312.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
312 أمّا عدم قابليّة الكلب والخنزير للتذكيّة فأمرٌ بديهي، بعد معلوميّة نجاستهما العينيّة قبل فرْض التذكية وبعدها، إذن لا فائدة للتذكية .
أمّا على مستوى الأصل ـ مع وجود الشكّ في قبول الحيوانِ للتذكية ـ فلا محلّ لجريان استصحاب عدم قبوله التذكيةَ، وذلك لأنّ الحيوان حينما خُلِقَ فإمّا أنه كان من الصنف الذي هو قابلٌ للتذكية أو من الصنف الغير قابل للتذكية، فليس هناك حالةٌ سابقة لنستصحبها، ولكن لك أن تتمسّك بقاعدة الطهارة لإثبات طهارتها ـ خاصةً طهارة جِلْدِها الذي هو محلّ الكلام ـ لأنّا نقول : هذه المَيتةُ التي ذبحناها على الطريقة الشرعية هل هي طاهرة أم نجسة في عالم الجعل ؟ لا ندري، فتَجري فيها قاعدة الطهارة وأصالتُها . إذن الأصلُ يفيدنا الطهارةَ، وبالتالي تكون قد عوّضتَ عن إثبات قبول الحيوان للتذكية بإجراء الطهارة على جلودها، لكن في خصوص الطهارة فقط لا على مستوى الصلاة، وذلك لأنه يشترط في الصلاة أن يكون جلدُ مأكولِ اللحم معلوم التذكية لموثّقة زرارة السالفة الذكر[1]، والأصولُ لا تُثبِتُ العناوينَ الوجوديّة كالتذكية.

وأمّا على مستوى الإطلاقات فلا مانع من الرجوع إلى مثل قوله تعالى﴿ قُل لاَّ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً.. ﴾[2] فنتمسّك بعموم الآية ـ لا بأصالة الحِلّيّةَ ـ بلا أيّ مانع، لإثبات حليّة الأكل، فإذا ثبتت الحليّةُ ثبت قبول التذكية بالتضمّن، وثبتت الطهارةُ أيضاً بالتضمّن، إذ لا يمكن أن يكون الأكلُ مِن هذا الحيوان ـ الذي ذبحناه على الطريقة الشرعيّة ـ حلالاً وهو غيرُ مذكّى أو نجس، وبتعبير آخر : هذه الآيةُ الكريمة كما أنها ناظرةٌ إلى حِليّة الأكلِ فهي تضمّناً ناظرة إلى إعطاء الحيوانات أصالة قبولها التذكية .

وأمّا على مستوى الإجماع والشهرة فقد قال الشهيد الثاني في مسالكه (المشهور بين الأصحاب وقوعُ الذكاة على السباع، بمعنى إفادتها جوازَ الإنتفاع بجلدها لطهارته، ذهب إلى ذلك الشيخ وأتباعه وابن إدريس وجملة المتأخرين)[3](إنتهى) .
وقال في الحدائق (لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم أنّ ما عدا الكلب والخنزير والإنسان من الحيوانات الطاهرة يقع عليها الذكاة)[4].

وأمّا على مستوى السيرة المتشرّعيّةفإنّ استعمال المسلمين قاطبة لجلودها ـ من الصدر الأول إلى زماننا هذا ـ من غير نكير، لهُوَ دليلٌ على طهارة جلودها وتذكيتها، بحيث يمكن فهْمُ انعقادِ الإجماع العملي عليه ـ أي السيرة المتشرّعية ـ وهو أقوى من الإجماع الفتوائي .
وأمّا على مستوى الروايات :
1 ـ فقد روى في التهذيب بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن (أخيه)الحسن عن زرعة(بن محمد الحضرمي ثقة واقفي) عن سَماعة(بن مِهْران ثقة) قال : سألته عن جلود السباع ينتفع بها ؟ قال : ( إذا رَمَيْتَ وسَمَّيتَ فانتفع بجلده، وأمّا المَيتة فلا )[5] موثّقة السند، ولا يضرّ إضمارُها بعد الوثوق بكون المسؤول هو الإمام (عليه السلام)، والمظنون قوياً ـ بحسب سياق روايات التهذيب وبحسب الرواية التالية ـ أنه الإمام الصادق (عليه السلام).
وفي الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى(ثقة واقفي) عن سماعة قال : سئل أبو عبد الله (عليه السلام)عن جلود السباع فقال : ( اِركبوها، ولا تلبسوا شيئاً منها تُصَلّون فيه )[6]، فترى الإمامَ (عليه السلام)يجيز الإنتفاع بكلّ جلود السباع، ومعنى ذلك ـ كقدر متيقّن ـ هو كونها طاهرة، أي تقع التذكية عليها، لأنّ أكثر ما يبتلي به الإنسان حينما يركب الدابّة هو مسّها برطوبة أو تقاطر الماء أو المطر عليه أحياناً .
ورواها في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد أيضاً عن عثمان بن عيسى عن سَماعة (بن مِهْران) قال : سألته عن لحوم السباع وجلودها فقال : ( أمّا لحوم السباع والسباعِ من الطير والدوابّ فإنّا نكرهه، وأمّا الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئاً منها تصلّون فيه ) موثّقة السند[7].
2 ـ ومثلها ما رواه في التهذيبين بإسناده عن أحمد بن محمد(بن عيسى أو ابن خالد) عن الحسن بن علي بن يقطين(ثقة فقيه) عن أخيه الحسين(ثقة) عن علي بن يقطين(ثقة ثقة) قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام)عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود ؟ قال : ( لا بأس بذلك )[8] موثّقة السند .
3 ـ وفي يب بإسناده عن محمد بن زياد يعنى ابن أبي عمير عن الريان بن الصلت قال : سألت أبا الحسن الرضا(عليه السلام)عن لبس الفراء والسمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها، والمناطق والكيمخت والمحشو بالقز والخفاف من أصناف الجلود ؟ فقال : ( لا بأس بهذا كله إلا بالثعالب ) .


[1] وهي ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن (محمد)ابن أبي عمير عن (عبد الله)ابن بكير(بن أعين، فطحيّ المذهب إلاّ أنه ثقة من أصحاب الإجماع، وهو ابن أخ زرارة) قال : سأل زرارةُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفَنَك والسنجاب وغيرِه من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله (ص) ( أنّ الصلاة في وبر كل شيء حرامٌ أكلُه فالصلاةُ في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد، لا تُقبَل تلك الصلاة حتى يصلّيَ في غيره مما أحلّ اللهُ أكلَه )، ثم قال : ( يا زرارة، هذا عن رسول الله(ص)، فاحفظ ذلك يا زرارة، فإنْ كان مما يؤكل لحمُه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكِيّ قد ذكّاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما قد نُهِيت عن أكله وحرُم عليك أكلُه فالصلاة في كل شيء منه فاسد، ذكّاه الذبحُ أو لم يذكِّه .) موثّقة السند . ومعنى هذه الموثّقة واضح وهو أنه يشترط في الصلاة العلمُ بتذكية ما يصلّى فيه، والإستصحابُ لا يثبت العلم بالتذكية

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo