< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الزبيب المغلي حرام الأكل والفقّاع طاهر

مسألة 3 : لا يجوز أكلُ الزبيب والكشمش[1]في الأمراق والطبيخ إن غلت فيها، وأمّا التمر فيجوز أكلُه في الطبيخ حتى وإن غَلَى ـ ما لم يُسْكِر ـ وعليه فلا يجوز وضْعُ الزبيبِ في الطبيخ إلاّ بعد إطفاء النار تحته .
مرّ توضيح ذلك قبل قليل فراجع، وإن كان الأحوط عدم وضع الزبيب بعد إطفاء النار مباشرةً خوفاً من غليانه في داخله في الطبيخ فيحرم واقعاً، والقضيّةُ توصّلية لا تعبّدية . وإنما قلنا الأحوط ـ وهو إستحبابي ـ وذلك لإمكان استصحاب عدم الغليان في داخله .
العاشر : قيل بنجاسة الفُقّاع، والصحيح طهارتُه، وهو شراب مُتَّخَذٌ من الشعير على وجه مخصوص، ويقال : إنّ فيه سُكْراً خَفِيّاً، وإذا كان مُتَّخَذاً من غير الشعير فلا حرمة فيه إلا إذا كان مسْكِراً . وأمّا الموجود في أسواقنا اليوم فلا يجوز للمؤمنين أن يشربوا بالآنية الشبيهة بآنية البِيْرة، فإنه تشبّهٌ بالفاسقين وتشجيع لهم للتجرؤ على الإعلان بشربه وتوطئة لقليلي الدين لاستعمال المسكر منه .. فإنْ حصل عندهم ظنّ بوجود نسبة ـ ولو قليلة ـ من المسكر فيه فالأحوط اجتناب شربه حتى مع تغيير الآنية، وذلك لخطورة الأمْر في نفسه .
لا شكّ ولا خلاف في حرمة الفُقّاع، كما لا شكّ عندنا في طهارته، وذلك لعدم وجود أيّ رواية أو دليل على نجاسته، غاية ما يستدلّ به على نجاسته هو أنه خمر، وهذا ما لا شكّ فيه، وذلك لاستفاضة الروايات في ذلك[2] محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن الوشا قال: كتبت إليه يعني الرضا عليه السلام أسأله عن الفقاع قال: فكتب حرام وهو خمر الحديث.وعنه عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال قال: كتبت إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) أسأله عن الفقاع فقال: ( هو الخمر وفيه حد شارب الخمر. ورواه الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد مثله )، ولكننا ذكرنا استفاضة الروايات في طهارة الخمر، فلا يبقى وجهٌ للقول بنجاسة الفُقّاع .
ثم لا شكّ أنك تعلم بأنّ كلّ مسكر حرام، أيضاً لاستفاضة الروايات في ذلك ـ وقد مرّ بعضها قبل قليل ـ سواء كان متّخذاً من الشعير أو من غيره .
إشارة إلى الرواية المشهورة التي رواها في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن (الحسن بن علي بن زياد)الوشا(من وجوه هذه الطائفة وعين من عيونها) قال : كتبت إليه يعني الرضا (عليه السلام ) أسأله عن الفقاع فكتب : ( حرام ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر ) قال : وقال أبو الحسن (عليه السلام ): (لو أن الدار داري لقتلت بايعه ولجلدت شاربه ) قال : وقال أبو الحسن الأخير (عليه السلام ): ( حده حدّ شارب الخمر ) وقال (عليه السلام ): ( هي خمرة استصغرها الناس)[3] .

مسألة 1 : ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في معالجاتهم ليس من الفقاع فهو طاهر حلال.
لا شكّ أنك تعرف علّة حرمة الفقّاع ـ ولو من خلال الروايات ـ وهي أنه خمر مسكر، وعليه فكلّما شُكّ في إسكاره فالمرجع هي أصالة الحلّيّة وأصالة الطهارة .
إلاّ أنه شاع في أسواقنا اليوم ماءُ الشعير الحلال، ويضعونه عمداً في قناني تشبه الفقّاع المحرّم، ليتشجّع المؤمنون على شربه علناً في الأماكن العامّة، وبالتالي سيكون تشجيعاً لقليلي الدين على شرب البيرة ـ أي الفقّاع المحرّم ـ عَلَناً، وأظنّ قوياً أنّ هناك مؤامرة على المسلمين لتشجيعهم على شرب البيرة، ولو من خلال هذه الطريقة، وحينها سيتجرّأُ الفسّاق على شرب البيرة علناً في حال جهل الناظر بأنه كحول محرّم، وهذا هو السرّ في جعله بنفس تلك القناني، ثم إنه قد استفاضت رواياتنا بحرمة التشبّه بالفاسقين، ولا أشكّ أنّ الشارع المقدّس كان يريد من ذلك الإبتعاد عن أعمالهم كي لا يتجرّأ قليلوا الدين على المعاصي، وقد سمعتُ بعضَ قليلي الدين يتجاهرون بتسميته بِيْرَة ـ وهو كما قلنا خصوص الفقّاع المسكر ـ فيقولون "إشتروا لنا بِيرة" أو "شربنا البِيرة" .. وحينما تنكر ذلك عليهم يقولون نقصد الحلال .. وعليه فإنه لا يجوز شرب ماء الشعير بنفس قناني البيرة لأكثر من سبب .
الحادي عشر : قيل بنجاسة عرق الجنب من الحرام، والصحيح طهارتُه.
قال السيد الخوانساري في جامع المدارك في قضية نجاسة عرق الجنب من الحرام : (عن الصدوقين والإسكافي والشيخين والقاضي القول بنجاسته، وربما نسب إلى المشهور بين المتقدمين، وعن الحِلّي والفاضلين ـ أي المحقّق والعلاّمة ـ وجمهور من المتأخرين القول بطهارته) (إنتهى) .
أقول : لا بدّ من ذكر روايات المسألة ـ كما هي عادتنا ـ ثم ننظر ماذا تفيدنا فنقول :
1 ـ روى الشهيد الأوّل الشيخ محمد بن مكي في (الذكرى) قال: والشيخ نقل في الخلاف الإجماع على نجاسة عرق الحرام، وفي المبسوط : نسبه إلى رواية الأصحاب وقوّى الكراهية، ولعله لما رواه محمد بن همّام[4] بإسناده إلى إدريس بن يزداد الكفرتوتي (مهمل) أنه كان يقول بالوقف، فدخل سُرَّ مَن رأى في عهد أبي الحسن (عليه السلام ) وأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب، أيُصَلّى فيه ؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره (عليه السلام ) حرَّكَهُ أبو الحسن(الهادي) (عليه السلام ) بمقرعة وقال مبتدئاً : ( إنْ كان من حلال فصَلِّ فيه، واِنْ كان من حرام فلا تُصَلِّ فيه )[5] "(إنتهى) .
أقول : قد يُمنع من الصلاة فيه كما يُمنع من الصلاة في فضلات وأجزاء ما لا يؤكل لحمه، لكن هذا ليس دليلاً على النجاسة .
2 ـ وفي الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن (عليه السلام ) ـ في حديث ـ أنه قال : ( لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا، ويغتسل فيه ولد الزنا، والناصب لنا أهل البيت وهو شرُّهُم ) مرسلة السند، وهي لا تفيد نجاسة عرق الجنب من الحرام .
3 ـ وفي الكافي عن الحسين بن سعيد ومحمد بن يحيى عن علي بن محمد بن سعد(مهمل) عن محمد بن سالم(بن أبي سلمة ضعّفوه) عن موسى بن عبد الله بن موسى(مهمل) عن محمد بن علي بن جعفر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام ) ـ في حديث ـ فقال : ( .. كذبوا، يَغتسل فيه ـ أي في الماء الذي اغتسل فيه ـ الجنبُ من الحرام والزاني والناصبُ الذي هو شرهما وكلُّ مَن خَلَقَ اللهُ ثم يكون فيه شفاءٌ من العَين ؟! )[6] ضعيفة السند، وهي لا تدلّ على النجاسة .
4 ـ وعن ابن شهرآشوب في المناقب نقلاً من كتاب (المعتمد في الأصول) قال علي بن مهزيار أنه سأل ـ في حديث ـ الإمام الهادي (عليه السلام ) عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقال : ( إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، وإن كان جنابته من حلال فلا بأس ) مرسلة السند .
5 ـ وقال في البحار بعد نقل هذا الخبر : وجدت في كتاب عتيق من مؤلفات قدماء أصحابنا ( أظنه مجموع الدعوات لمحمد بن هارون بن موسى التلعكبري ) رواه عن أبي الفتح غازي بن محمد الطرائفي عن علي بن عبد الله الميمون عن محمد بن علي بن معمر عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي عنه (عليه السلام ) مثله وقال : ( إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال، وإن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام ) ضعيفة السند .
ـ وقال الشيخ الصدوق في المقنع : (واِنْ عرقت في ثوبك وأنت جنب حتى يبتل ثوبك فانضحه بشيء من ماء وصَلِّ فيه . وقال والدي رحمه الله في رسالته إلَيّ : إن عرِقْتَ في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة من حلال، فحلال الصلاة فيه، وان كانت من حرام فحرام الصلاة فيه)(إنتهى)، وهي ليست رواية، ولكننا ذكرناها لأنهم كانوا يفتون بالروايات .
ـ وفي التهذيبين بإسناده عن سعد بن عبد الله عن المنبه بن عبد الله(صحيح الحديث) عن الحسين بن علوان الكلبي[7]عن عمرو بن خالد[8] عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن عليّ (عليه السلام ) قال : سألت رسول الله (ص) عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما، فقال : (إن الحيض والجنابة حيث جعلهما الله عز وجل ليس في العَرَق، فلا يغسلان ثوبهما)[9] وهي لا تفيدنا في المطلوب إنما أوردناها لبعض فوائد .

أقول : لا شكّ أنّ مَن قال بنجاسته اعتمد على الروايات السالفة الذكر من قبيل ( إنْ كان من حلال فصَلِّ فيه، واِنْ كان من حرام فلا تُصَلِّ فيه ) وهي روايات ضعيفة ولا تدلّ على النجاسة، ولا يوجد أيّ دليل يدلّ على النجاسة .
ولكن مع كلّ ذلك ولاستفاضة الروايات في حرمة الصلاة في عرق الجنب من الحرام يجب الإحتياط في ذلك، إذ يبعد الإشتباه في نقل كلّ هذه الروايات أو الكذب فيها، ولكن مع ذلك لا يمكن القول بنجاسته، والظنّ الأقوى أنّ الصلاة فيه فيه نحو كراهية شديدة واشمئزاز لا يناسبان الصلاة وعبادة الله جلّ وعلا .
إذن لا بدّ من القول بطهارة عرق الجنب من الحرام سواء خرج حين الجماع أو بعده، من الرجل أو المرأة، وسواء كان من زنا أو من غيره كوطء البهيمة أو الإستمناء أو نحوها مما حرمته ذاتية، بل الأقوى ذلك في وطء الحائض والجماع في يوم الصوم الواجب المعين، أو في الظهار قبل التكفير .



[1] الكشمش هو الزبيب الطويل الأخضر، والزبيب هو الحبّة الصغيرة من العنب الأسود .، هكذا يقولون في إيران، لكن في لبنان لا يفرّقون بينهما، فكلاهما زبيب .
[4] الظاهر أنه البغدادي، وهو جليل القدر ثقة، كان في زمان الغيبة الصغرى ..
[5] ضعيفة السند ..
[7] روى عن الصادق، وأخوه الحسن أخصّ بنا واَولى، وقال ابنُ عقدة إن الحسن كان اَوثق من أخيه . وفي الكشّي ـ بعد عدّ جماعة ـ هؤلاء من رجال العامّة إلاّ أنّ لهم ميلاً ومحبّة شديدة، وقد قيل إنّ الكلبي كان مستوراً ولم يكن مخالفاً ..
[8] من رجال العامّة، إلاّ أنّ لهم ميلاً ومحبّة شديدة، وهو من رؤساء الزيدية، وذكر ابن فضّال أنه ثقة ..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo