الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي
بحث الفقه
45/04/25
بسم الله الرحمن الرحيم
محراب المسجد - الأدلة في المقام (مناقشة في دليل القول بالكراهة)/الباب الثالث: هندسة المسجد /فقهالمسجد (مسجد طراز انقلاب اسلامي)
الموضوع: فقهالمسجد (مسجد طراز انقلاب اسلامي)/الباب الثالث: هندسة المسجد /محراب المسجد - الأدلة في المقام (مناقشة في دليل القول بالكراهة)
كما قلنا في الدرس الماضي أن ما استدل به على القول بكراهة اتخاذ المحاريب للمساجد، انما هو خبران؛ وقد ذكرنا الخبر الأول وهو خبر طلحة بن زيد وناقشنا فيه سندا ودلالة.
وذكرنا الخبر الثاني وهو خبر داوود بن قاسم الجعفري الذي يحكي سيرة الامام صاحبر العصر في هدم المنار والمقاصير.
وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [أشعری القمي] عَنْ [أبو هاشم] دَاوُدَ بْنِ قَاسِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدٍ فَقَالَ: «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ يَهْدِمُ الْمَنَارَ وَالْمَقَاصِيرَ الَّتِي فِي الْمَسَاجِدِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لِأَيِّ مَعْنَى هَذَا فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ مُبْتَدَعَةٌ لَمْ يَبْنِهَا نَبِيٌّ وَلَا حُجَّة»[1] .
والاستدلال بهذه الخبر كذلك قابل للمناقشة من جهتين:
الجهة الأولي من جهة السند
نعم لا شك في وثاقة سعد بن عبدالله الذي يلقب بالأشعري وهو ممن حكي اللقاء بالامام العسكري في حديث آخر وفي هذا الحديث قد نقل حكاية لقاء داوود بن قاسم الجعفري بالامام العسكري.
وهو قد عد في الرجال من مشايخ الشيح الكليني.
وأما المشكلة فيه من جهة أن الشيخ الطوسي قد روى عن سعد مباشرة ومن دون واسطة (وَرَوَى سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) والحال أن الشيخ لايستطيع الرواية عنه مباشرة، لأن بينهما أكثر من مائة عام. لأن سعد ق توفي في عام 300. قبل وفاة تلميذه الكليني بحدود ثلاثين عاما! وأما الشيخ الطوسي مولده عام 385 ووفاته 460.
بناء على ذلك أن الحديث يعتبر مرفوع أو مرسل.
والجهة الثانية: الدلالة
يمكن المناقشة في الاستدلال من جهة الدلالة أولا: بما أنه فيه (المقاصير) ولم يرد (المحاريب) ومن الواضح أن المقاصير نوع خاص من المحراب الذي يكون داخلا في المسجد شبه الغرفة التي اذا دخلها الانسان لا يمكن النظر اليه الا من جهة الخلف لا من جهة اليمين واليسار!
فالدليل أخص من المدعا، لأن المدعي انما هو كراهة المحراب مطلقا وأما الدليل يدل على نوع خاص من المحراب الذي يبنى داخل المسجد ولايدل على المحراب الذي يكون في حائط المسجد في جانب القبلة!
وثانيا: أن هذا الخبر وكذلك الخبر الأول وهو خبر طلحة بن زيد لو سلمنا صحة دلالتهما بعد القول بجبر ضعف سنده، انما يدلان على حرمة المحراب فكيف تقولون بالكراهة!
لأن فيهما هدم المحراب والمقاصير وان كان قد ورد في نسخ الحديث (كان يأمر بالهدم) وهو يدل على مرجوحيته ومنعه، مضافا الى تشبيه بمذابح اليهود وهو كذلك يدل على الحرمة لا الكراهة.
لأنه ظاهر في المنع والحرمة وحملهما على الكراهة يحتاج الى القرينة.
ان قيل: تحمل الروايتان على الكراهة لأجل ضعف سندهما وعدم امكان دلالتهما على التحريم، لكن أمر الكراهة سهل من باب التسامح في أدلة السنن.
نقول: كما قلنا لم نقل بالتسامح في أدلة السنن أولا ولو قلناه به لنقول به في المستحبات ولا المكروهات.
ان قيل: بناء على ما قيل في الاستدلال بالخبرين للقول بالكراهة من دلالة الأول على مطلق المحراب والثاني على المقاصير أي المحراب داخل المسجد بشكل الغرفةإ فيجب هنا حمل الأول على الثاني، أي حمل المطلق على المقيد؛ فيفيد أن المحراب الذي يكون اتخاذه مكروها هو المحراب المقاصير.
نقول: لو قلنا بكراهة المقاصير كما هو الحق؛ فالدليل هنا هو خبر سعد ويكفينا في مقام الدلالة ولانحتاج الى حمل الأول على الثاني!
لأن الثاني مويد بصحيحة زرارة في كتاب الصلاة وانما المه الالتفات الى السر والحكمة في كراهة المقاصير. وهو الذي صرح به في خبر سعد (محدثة مبتدعة) وفي صحيحة زرارة (َلمْ يَكُنْ فِي زَمَانِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَإِنَّمَا أَحْدَثَهَا الْجَبَّارُونَ).
عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: «إِنْ صَلَّى قَوْمٌ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ مَا لَا يُتَخَطَّى فَلَيْسَ ذَلِكَ الْإِمَامُ لَهُمْ بِإِمَامٍ وَأَيُّ صَفٍّ كَانَ أَهْلُهُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ إِمَامٍ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُمْ قَدْرَ مَا لَا يُتَخَطَّى فَلَيْسَ تِلْكَ لَهُمْ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ سُتْرَةٌ أَوْ جِدَارٌ فَلَيْسَتْ تِلْكَ لَهُمْ بِصَلَاةٍ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ حِيَالِ الْبَابِ قَالَ وَقَالَ هَذِهِ الْمَقَاصِيرُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَإِنَّمَا أَحْدَثَهَا الْجَبَّارُونَ لَيْسَتْ لِمَنْ صَلَّى خَلْفَهَا مُقْتَدِياً بِصَلَاةِ مَنْ فِيهَا صَلَاةٌ قَالَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصُّفُوفُ تَامَّةً مُتَوَاصِلَةً بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ لَا يَكُونُ بَيْنَ صَفَّيْنِ مَا لَا يُتَخَطَّى يَكُونُ قَدْرُ ذَلِكَ مَسْقَطَ جَسَدِ الْإِنْسَانِ»[2] .
بناء على ذلك أنه ما وجدنا دليلا يدل على كراهة مطلق المحراب.