46/07/12
التعليق على كلام صاحب الكفاية بأن الأحكام الشرعية متضادة اذا بلغنا مرتبة الفعلية
الموضوع: التعليق على كلام صاحب الكفاية بأن الأحكام الشرعية متضادة اذا بلغنا مرتبة الفعلية
أوجزنا المقدمات الأربعة التي ذكرها صاحب الكفاية لإثبات الامتناع و شرحنا قبله المقدمة الأولى منها والتي زعم فيها أن هناك تضادا بين الأحكام الخمسة في مقام فعليتها وبلوغها مرتبة البعث والزجر وعلل ذلك ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في زمان وان لم يكن بينها مضادة ما لم يبلغ الى تلك المرتبة وعلله بأنه لا منافاة ولا معاندة بين وجودات الاحكام الانشائية، ثم ذكر أن الامر بالضدين مطلقا او الأمر والنهي على واحد هو من التكليف المحال، صاحب الكفاية له عبارة في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري حيث يقول بأن الحكم الواقعي حقيقي عن مصلحة او مفسدة في متعلقه وان لم يكن في المبدأ الاعلى الا العلم بالمصلحة او المفسدة كما أشرنا فلا يلزم اجتماع ارادة وكراهة وانما لزم انشاء حكم حقيقي بعثا أو زجرا ولا مضاد بين الانشائين اذا اختلفا.... يظهر منه هنا أنه يقول بالمضادة و المنافاة على مستوى مبادئ الحكم و أيا يكن اذا قصرنا النظر على محل الكلام هنا فلا اشكال في أن ظاهر كلامه ان الاحكام الشرعية متضادة اذا بلغنا مرتبة الفعلية لأن حكمين متخالفين على شيء واحد يقتضيان سلوكين متنافيين في وقت واحد مما لا يمكن، من هنا تكون المضادة بين الحكمين البالغين مرتبة البعث و الزجر، وقد صار كلامه مدعاة لاثارة البحث حيث ان المشهور ان الاحكام الخمسة متضادة و يطلقون الكلام فيه بل حتى بعد صاحب الكفاية وجدنا بعض المحققين كالشيخ النائيني يرى ان هذه المقدمة بل الثانية بل الرابعة مما لا ينبغي المناقشة فيها لكونها صحيحة، انما المناقشة في الثالثة وقد أقر به جماعة من المحققين، الا ان باب حديث التضاد بين الاحكام الشرعية بات من الابحاث الشائعة في الآونة الأخيرة وأول من ناقش بوضوح في هذا المجال هو المحقق الأصفهاني في الحاشية حيث ذهب بصريح العبارة الى نفس التضاد بين الاحكام الشرعية الخمسة على مستوى المبادئ والجعل وينبغي قبل الدخول الى البحث والمناقشات، أقول تارة نفترض ان مراد المحققين من دعوى التضاد بين الاحكام الشرعية هو دعوى التضاد الاصطلاحي أي ما يعرفه المنطقي تضادا وهما الأمران المتعاقبان على موضوع واحد واللذان تكون بينهما تمام المنافرة بحيث لا يمكن اجتماعهما في زمان واحد حيث يشترط فيه هذا التضاد ان يكون هناك موجود خارجي شخصي و يشترط ان يكون كل واحد من الضدين صفة وجودية و يشترط ان يكون هناك قابلية لاتصاف المحل بهما و يشترط ان يكونا متنافرين متعاندين في الوجود الآني في الموضوع الواحد، أقول تارة يكون مراد الاصولي من التضاد المنطقي و أخرى يكون مراده شيء خاص، فعلى الأول بنيت أكثر المناقشات اما ان كان مراده الثاني اي مطلق المنافرة بين أمرين وجوديين وهو الذي نستقربه بلحاظ معرفتنا بالأصوليين و اطلاقهم للاصطلاحات فتكون أكثر المناقشات غير مقول بها، وعلى أي حال لا بد ان نبني على ان المراد من المصطلح حقيقته أي ما هو التضاد في نظر المنطقي وحينها تنصب الاشكالات من قبل المحققين ومن أهم من استشكل في المقام المحقق الأصفهاني حيث يقول ان كان مراده الأول فهو دخل في بحث لا داعي به حيث ان الحكم الشرعي يكون من سنخ الاعتبار وليس من سنخ الموجودات الخارجية الشخصية حتى يكون ما يعتريه مما يصح نسبته اليه او عدمه و خلاصة فكرته ان الحكم الشرعي بمعنى الجعل الشرعي لا اشكال في أنه من الامور الاعتبارية فلا يصح انطباق تعريف التضاد عليه وليس من الاحوال الخارجية ليقال البعث والزجر من الامور المتضادة، الشق الثاني هو ان كانت حقيقة الحكم الشرعية الكيف النفساني أي ارادة الفعل وكراهته فلماذا لا يكون التضاد اذ انه من الامور الحقيقية الحالة بالمكلِف الشارع، واما من حيث المتعلق فلا شوق مطلق بل يوجد متشخصا بمتعلقه و يستحيل ان يكون الخارج عن النفس مقوما لما في النفس لأنه متأخر رتبة، خلاصة ما يقوله اننا اذا عرفنا الحكم بأنه الارادة و الكراهة فنقول تارة الحديث من حيث الموضوع و أخرى من حيث المتعلق فلا اشكال في ان النفس من حيث الموضوع مجردة بسيطة قابلة لأن تحل فيها صفات و اما من حيث المتعلق فهو في النفس ولا يكون الخارجي متعلقا في النفس، و عليه لا تضاد بين الحكمين حتى ولو أريد منه هذا الأمر، الآن هل يعقل ان جميع المحققين كانت المسألة بهذا الوضوح و هم يطلقونها كالتعبدات الدينية؟ هذا قرينة على ان المحققين لا يريدون من التضاد حيث ذهب المحقق الأصفهاني و غيره وان توصيف هؤلاء المحققين الأحكام بالتضاد انما نشأ من جهة المعاندة و المنافرة بين الحكمين في مقامين الأول على مستوى الارادة المولوية وعلى مستوى ستحالة امكان جمع المكلف بين المثلين و الثاني غير مطروح في المقام لأن الحديث عن التكليف المحال لا ما هو بالمحال، و عليه العبرة بالمبدأ و لا اشكال ولا ريب في ان المحقق الأصفهاني لا يخفى عليه المنافرة بين ارادة الفعل وارادة الترك التشريعيتين، و قوله بأن النفس بسيطة مجردة يمكن ان تجتمع فيها ارادات و كراهات كثيرة لتجردها و بساطتها لا ينبغي ان يكون مراده منه ان النفس لتجردها يمكن على موضوع واحد ان يريد صاحب النفس بما هو مولى ارادة عارمة الفعل و يريد الترك لشيء واحد فهو يقول ان الحكم الشرعي لا يوصف مع الحكم الشرعي الآخر بأنه من الضدين لأن موطن الحكم ان كان النفس فلا تضاد وعليه لا تضاد اصطلاحي هنا في النفس المولوية، و عليه لو كان الوصف للحكم الشرعي بما هو و للمصطلح بحده فلا اشكال في ان مناقشته في محلها و يكون نفى التضاد بالاصطلاح المنطقي ولا كون قد نفى ما هو مراد الأصوليين من المنافرة.