< قائمة الدروس

الأستاذ الشیخ حسان سویدان

بحث الأصول

45/03/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المباحث العقلية/ بحث الترتب/ تتمة الكلام في مقدمات المحقق النائيني لفكرة الترتب

تقدم الحديث في المقدمة الاولى من المقدمات الخمس التي افادها المحقق النائيني اعلى الله مقامه الشريف والتي تضمنت امرين تقدم شرحهما ثم عقب بمؤاخذةٍ زعمها بيِّنة على الشيخ الانصاري اعلى الله مقامه الشريف وهو انّ الشيخ القائل باستحالة الترتب بين الاهم والمهم افاد بانه بناء على السببية في حجية الامارات يتخيّر الانسان بين الامارتين، وقد فَهم المحقق النائيني من كلامه انه قائل في هذه الحالة بالترتب من الطرفين فاعتبرها كبوة الجواد الاصيل ولم يحتمل غير ذلك فان المنقول عنه في نهاية المطلب بان اشتباه الاساطين غير عزيز واضح في جزمه بهذا الامر، وهذا يدعونا قبل تقييم المقدمة الاولى الى الحديث مع الشيخ من جهة ومع المحقق النائيني من جهة اخرى، تعلمون على اي شيء يبتني القول بالترتب وهو انّ العقل حاكم بتقييد الجعل في المهم بالعصيان أو الادق بالعزم على عصيان الاهم، وهذا اذا تحقق اي العزم يُصَيِّر المهم فعلياً ولا اشكال ولا ريب في انّ الاهم بالعزم على عصيانه ما لم يفت وقته ويمكن امتثاله يبقى على فعليته اذ فعلية الحكم وعدم فعليته ليست باختيار المكلف بل باختيار الشارع بحسب الضوابط التي اودعها له، اذا عصى وانقضى الوقت مات الغريق او انقضى وقت الصلاة اي صحيح ليس لها معنى الفعلية بعد التي يسميها الشهيد الصدر الفاعلية، لكن المفروض انهما لا يزالان في حال تزاحم فقد حصل عزم على المعصية، ففعلية المهم تلتقي مع فعلية الاهم، من هذا المدخل قال الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية وجماعة باستحالة الترتب باعتبار فعليتهما معاً، وقال صاحب الكفاية بان المهم وان لم يكن يطارد الأهم لكن الاهم يطارد المهم مع كونه فعليا صار المهم فيعود الى طلب الجمع بين الضدين في حال عزمك على معصية الاول يُطلب منك الجمع بينه وبين الثاني لان الاول لا يزال على فعليته لم ترتفع فعليته والثاني بات فعليا بالعزم فيوجد حكمان فعليان يستحيل الجمع بينهما فضلا عن حال معصيتهما معاً هذا المرتكز، والاصل ان العقل يحكم بتقييد الجعل والعقل دوره الكشف عن ان الشارع الحكيم لا يمكن ان يريدهما معا، فهو يكشف عن قيد لدى الشارع الحكيم غاية الامر لم نكشفه بتنصيص من الشارع بنقل اكتشفناه بعقل هذا بالدقة المطلب والاستحالة ووجه الاستحالة، نحن اجبنا بالوجه الذي ذكرناه ضمن سبع او ثمان نقاط بما لا يتطرق هذه الاشكالات اليها، والعبرة ليس بلفظ الفعلية فالفظوا الفعلية بقدر ما تشاؤون العبرة بامكان الامتثال وعدم امكان الامتثال في الخارج والمطالبة على طول الخط بالاثنين اما مع عدم المطالبة على طول الخط بالاثنين لا نعود الى ما كنا فيه سابقا، الشيخ الانصاري اول ما لا بد لكم أن تعرفوه ويكون واضح عندكم لا انه انكر الترتب من طرف واحد وآمن بالترتب من الطرفين فلو انه يؤمن بالترتب من الطرفين ما كان خص كلامه بمسلك السببية فكان يجري على الطريقية وعلى السببية حيث لا يكون التكليفان اهم ومهم ويكون الترتب من الطرفين، اذاً هناك علة جعلت الشيخ الانصاري يقول بالتخيير في المقام بين الأمارتين والأخذ بالامارتين في خصوص ما لو بنينا على مسلك السببية فهو لا يقبل هذا التخيير فيما لو بنينا على الطريقية وإلا ما المعنى أن يخصها بالسببية لولا ان نكتةً مدُّ نظره تختص بمسلك السببية هذه نكتة.
النكتة الثانية المهمة ان الشيخ على مسلك السببية افاد بان التنافي بين النصين في المنتهى اي عدم القدرة على امتثالهما معا ليس التضاد او التناقض في المبدأ، بناء على مسلك السببية يُفضي بنا الى التخيير.
النكتة الثالثة افاد الشيخ الانصاري اطلاقا في كلامه اذ لم يخص التخيير هنا بما لو كان احدهما اهم والاخر مهم او كانا على درجة واحدة من الاهمية راجعوا كلامه في الرسائل، فهو قائل بالتخيير بمقتضى اطلاق كلامه حتى بناء على كون احدهما على تقدير كونه هو حكم الله اهم من الاخر على تقرير كونه هو حكم الله الصادر، وهذا ماذا يعني؟ باختصار هذا يعني ان الشيخ الانصاري غير ناظر اصلا وابدا الى فكرة الترتب بل غاية ما ينظر اليه الشيخ الانصاري مع الحفاظ على مبانيه من انكار الترتب والقول باستحالته انه ان كنّا قائلين بالسببية، هو مسلك السببية خلاصته: له اشكال الشكل الذي امن بامكانه الشيخ الانصاري لا انه اختاره وإنما امن بامكانه المصلحة السلوكية على طبق احدى الامارتين يعني ليس المنظور الملاك الواقعي للحكم المنظور ملاك ثانوي في طول التعارض والتنافي بين الروايات، فهو اذاً ماذا يقول؟ بالدقة هو يقول باب التزاحم في المنتهى - من هذه الجهة - مثله مثل باب التعارض في المبدأ في انه لا يمكن الاخذ بكلتا الروايتين الدالتين على الحكم هناك في التضاد أو التناقض على الحكمين هنا، وعلى هذا الاساس لابد من الانتهاء الى مقتضى القاعدة في المتعارضين وبناء على الطريقية مقتضى قاعدة في المتعارضين التساقط القاعدة الاولية لولا روايات الترجيح، ومع فقد المرجحات اما تخيير ثبت من قبل الشارع بمثل موثقة سمّاعة أو لا نؤمن بالتخيير على الخلاف بين المحققين بعد انعداما لمرجحات هل يوجد قاعدة ثانوية أم لا، أما على السببية فننتهي إلى تخيير بالاخذ باحدى الحجتين ومن الطبيعي اننا سوف ننتهي حينئذ الى العمل بمؤداها وما تضمّنته وسلوكنا على طبقها يُحدث مصلحة تُتلافى بها مصلحة الواقع على تقدير خطئها للواقع، ونتيجة ذلك التخيير العقلي - وهنا العقل عم يُنشئ لا أنه يخبر - بالاخذ باحدى الحجتين ولا يُنظر هنا للحكم وأنّ متضمَّن احدى الروايتين اهم ما دامت القاعدة تقتضي التخيير عقلاً بينهما على مسلك السببية وعدم جواز اهمالهما معا فمن الطبيعي ان يتخير حينئذ بالاخذ باحداهما واين هذا من مسلك الترتب؟ واين هذا من دعوى تخيير يكون العقل فيه دور الكشف؟ هو الذي لا يجتمع مع القول باستحالة الترتب ويكون هجينا حينئذ انه من طرف واحد مو مستحيل من طرفين مستحيل من ضم المستحيل الى المستحيل، لكن اذا كان التخيير عقليا بهذا البيان فقد انسجم كلام المحقق الانصاري اعلى الله مقامه الشريف ونعرف حينئذ لماذا خصه بمسلك السببية لو كان يقول من الطرفين يا اخوان لكان عممه لمسلك الطريقية في حجية الامارات لماذا خصصه بالسببية هذا اولا، وثانيا لكان خصه بما لو تضمناه حكمين متساويين في الاهمية او لا اقل لا ترجيح لاحدهما على الاخر فلماذا اطلق على مسلك السببية القول بالتخيير حتى لو كان المتضمن في احدهما اهم من الاخر اذاً هذا شيء اجنبي بالكامل عن فكرة الترتب.
وقد تنبه لهذه النكتة السيد البروجوردي اعلى الله مقامه الشريف فيما نُقل عنه في التقرير الا انه للاسف الشديد لم يوضح الفكرة فقط قال هذا تخيير عقلي ولا علاقة له بالترتب لكن لماذا وكيف لم يبين راجعوا نهاية الاصول ان شئتم.
اما المحققون الاخرون فقد وجدنا المحقق الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله في التقرير المنسوب اليه هو احد افاضل تلامذته انا اقول منسوب من باب انه لم يمضه بقلم السيد علي الميلاني، فقد ذكر بشكل صريح موافقة الميرزا النائيني وان اشكاله وارد على الشيخ انه ناقض نفسه الشيخ ثم نقل كلاما، واللطيف انه صاحب التقرير هنا يقول قال الاستاذ صريحاً نص العبارة: وما قد يقال في الدفاع عنه - اي عن الشيخ - من ان كلامه حيث قال بصرف القدرة في احد الضدين في حال عدم صرفها في الاخر انما هو في مرحلة الامتثال وكلامنا في الترتب يتعلق بمرحلة الجعل والتشريع فقد اختلط الامر على الميرزا لان الشيخ قائل بالتزاحم والترتب هناك لكونه في مقام الامتثال ولا يقول به هنا لانه في مقام الجعل ففيه وجوه من النظر. ثم صار بصدد المناقشة، اشكَل اولا بان الشيخ وان ذكر ذلك في مرحلة الامتثال لكنه قال بعد ذلك بان المطلب كذلك في كل متزاحمين شرعيين بانه بناء على السببية كل متزاحمين بناء على الطريقية يتعارضوا بناء على السببية نتخير هذا في كل متزاحمين شرعيين، اذاً هو لا يخص بعالم الامتثال، الاشكال الثاني مرحلة الامتثال انعكاس لمرحلة الجعل من غير الممكن يكون في قيود في مرحلة الامتثال الا وترجع الى قيود مأخوذة في مرحلة الجعل لان الامتثال هو عالم التطبيق لقوانين الحكم في عالم الجعل سواء فيما يرتبط بصيرورة الحكم فعليا عند تحقق شرائطه وموضوعه بالكامل بشراشيره وشرائطه تكوينا او عند امتثال العبد له انما يمتثل عندما ننتزع العنوان الانتزاعي من تطبيق المأتي به على المأمور به، فكل امتثال يرجع في الحقيقة الى حيثية في الجعل والتشريع.
اشكاله الثالث ان القواعد العقلية غير قابلة للتخصيص فاذا كان العقل يحكم بالترتّب في عالم الامتثال فهو لابد وان يحكم بالترتب في عالم الجعل، ما ادري هذا المطلب كيف وُلد وقد اتضح السقم فيه، صحيح ان عالم امتثال الحكم انما يتحقق عندما ننتزع انطباق المأمور به على المأتي به وصحيح انه لت توجد شروط في عالم إمتثال الحكم إلا إذا كانت شروط في عالم جعل الحكم، وصحيح أن القواعد العقلية آبية عن التخصيص لان عالم ثبوتها واثباتها واحد فاذا استقل العقل في ان تقييد احدهما بعصيان الاخر او العزم على عصيان الاخر مستحيل فيحكم في جميع الجهات وهذا الثالث بالحقيقة ليس شيئا جديدا هذا فرع انه قيود الامتثال ترجع الى قيود الجعل، اقول ما نقله عن البعض لم اجد تصريحا به في كلام احد واذا كان ناظرا في هذا الكلام الى ما افاده السيد البروجوردي في نهاية الاصول فتفسير كلامه وتوضيحه هو ما ذكرناه لا ما ذكر في هذا الكلام اذ هذا الذي ذكر بظاهره واضح الفساد عند من له ادنى قدم في هذا العلم علم الاصول انه لا يوجد شيء اسمه قيود للامتثال اذا ما رجعت الى قيود الجعل يا اخوان ولذا لا ندري الى من ينظر، لكن اغلب الظن انه ناظر الى كلام السيد البروجوردي لانه في احتمال ثاني ان يكون الشيخ الوحيد ناظر الى كلام المنتقى لكن هو بعيد عن كلام المنتقى منطقة كما سيتضح غدا ان شاء الله، اقول ايا كان نظره اليه انا لا اشك اذا كان هنالك قائل بان الكلام في مقام الامتثال مش في مقام الجعل فقطعا هذا القائل ناظر الى تقييد وتخصيص الشيخ قوله بالسببية لان صريح كلام الشيخ انه انما يقول هذا على مسلك السببية وحينئذ فلا اشكال في أن مقصود هذا القائل اذا كان من اهل العلم - هو حتما من اهل العلم حتى يتعرض لقوله -هو انه بناء على السببية يلزم الامتثال في ضمن احدى الامارتين ولا يصح اهمالهما معاً وهذا نقوله في كل حالات التزاحم حيث يكون التنافي في المنتهى لا في مبدأ الحكم يعني حتى لو كان احد مضموني الروايتين يؤشر الى حكم اهم مما تضمنته الرواية الاخرى لان التخيير تخيير عقلي حينئذ كما شرحت قبل قليل فليس النظر الى متضَّمن الرواية صار النظر في أن العقل يحكم بعدم جواز اهمال الحجتين التي كل واحدة في حد نفسها لولا التزاحم حجة، ولمّا جرّ باب التزاحم الى باب التعارض فعلى مبنى السببية القاعدة العقلية تقتضي التخيير لا التساقط بكل بساطة، وحيث ان المقام مقام التزاحم لا ينتهي الامر الى المرجحات السندية وهذه الامور والى اخره، فعلى هذا الاساس تصبح الاشكالات كلها اجنبية عن محل البحث يا اخوان التي ذكرت في المقام، لكن يهمني أن أشير الى الكلام الاول من هذه الكلمات انه جعل الشاهد بان الشيخ قال كذلك الامر في كل متزاحمين شرعيين اي مجعولين للشارع ادى الامر الى تزاحمهما، شو بصير؟ لا يمكن الاخذ بهما ويستحيل الترتب على الطريقية ننتهي الى باب التعارض على السببية نقول بالتخيير، هذه خلاصة كلام الشيخ يا اخوتن، وهذا الشاهد لا يصلح شاهدا حينئذ على ان الشيخ الانصاري مراده التخيير الشرعي بمعنى قيد يكشفه العقل ويرجع الى الجعل والا لما خصه بباب السببية ما بيبقى معنى لتخصيصه بباب السببية، فالصحيح ما فهمه السيد البروجوردي وكلام الشيخ النائيني ليس في محله والكلام الذي افاده في نهاية كلامه ينعكس عليه رضوان الله تعالى عليهم اجمعين اما ما افاده صاحب المنتقى سيأتي غدا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo