« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي
بحث الفقه

46/10/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 كتاب الشهادات.

الموضوع: كتاب الشهادات.

القول: في صفات الشهود.

ومنها: أن يشهد ذو العداوة الدنيوية على عدوّه، وتقبل شهادته له إذا لم تستلزم العداوة الفسق. وأمّا ذو العداوة الدينية فلا تردّ شهادته له أو عليه حتّى إذا أبغضه لفسقه واختصمه لذلك.[1]

تارة تكون العداوة دنيوية، وطورًا تكون دينية، فأما الأولى، فلا إشكال في عدم قبول شهادة العدو على عدوه دنيويًا، وذلك للروايات والإجماع، ومن الروايات التي يمكن الإستدلال بها على ذلك،

صحيح محمد بن مسلم:

-( أحمد بن محمّد بن عيسى في (نوادره)، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لم تجز شهادة الصبي، ولا خصم، ولا متّهم، ولا ظنين)[2] .

-(عن إسماعيل بن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: لا تقبل شهادة ذي شحناء، أو ذي مخزية في الدين)[3] .

-(محمّد بن عليِّ بن الحسين بإسناده عن عبيدالله بن عليّ الحلبي، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عما يردّ من الشهود؟ فقال: الظنين، والمتّهم، والخصم، قال: قلت: فالفاسق والخائن؟ فقال: هذا يدخل في الظنين)[4] .

واما الثانية، فلا مانع من قبول الشهادة إذا كانت عليه العداوة دينية، كشهادة المسلم على الكافر أو له ويدل عليه إطلاقات ادلة الشهادة وعموماتها، وقد خرجت شهادة العدو على عدوه إذا كانت دنيوية بالدليل المنساق منه عرفا على كونها دنيوية، وتبقى الدينية تحت العموم.

ومنها: السؤال بكفّه، والمراد منه من يكون سائلًا في السوق وأبواب الدور، وكان السؤال حرفة وديدناً له. وأمّا السؤال أحياناً عند الحاجة فلا يمنع من قبول شهادته[5] .

ويمكن الإستدلال على رد شهادة من يسأل بكفه، كل من صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليهما السلام)، وصحيحة محمد بن مسلم:

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن العمركي، عن عليِّ بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن السائل الّذي يسأل بكفّه هل تقبل شهادته؟ فقال: كان أبي لا يقبل شهادته إذا سأل في كفّه)[6] .

-(من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، عن حمّاد بن عثمان، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ردَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شهادة السائل الذي يسأل في كفّه، قال أبو جعفر (عليه السلام): لأنّه لا يؤمن على الشهادة، وذلك لأنّه إن اُعطي رضي، وإن منع سخط)[7] .

وهنا لا بد من توضيح بعض الأمور الواردة في الاخبار:

١- ما يبدو من الروايات أن معنى السائل بكفه هو معنى كنائي، يدل على السؤال سواء أكان بكفه أو بطلبه المساعدة بلسانه أو بالإشارة وغيرهما وإن لم يكن قد مد يده بنحو خاص.

٢- ما يظهر من الصحيحة أن السؤال في الكف هو أمر قد إعتاده السائل، واحترفه وصار من ديدنه طلب المساعدة من الناس وإن لم يكن محتاجا لذلك، وليس منه الطلب العابر المتقطع عند الضرورة والحاجة الفعلية، وذلك لأن الضرورات تبيح المحظورات كما في أبواب القيام في الصلاة:

-(محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه ‌السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ) قال: الصحيح يصلّي قائماً، وقعوداً: المريض يصلّي جالساً، وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالساً)[8] .

-(وعن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين، عن سماعة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المريض هل تمسك له المرأة شيئاً فيسجد عليه؟ فقال: لا، إلاّ أن يكون مضطرّاً ليس عنده غيرها، وليس شيء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه)[9] .

٣- الواضح أن القيام إنما هو حالة تحقق العدالة من السائل، وإلا فلا تقبل الشهادة لعدم العدالة في المقام.

٤- والواضح أن كلامنا هنا، إنما هو بمعزل عن استلزام السؤال بالكف لأي عنوان محرم كالتدليس مثلا، وإلا فلا تقبل منه الشهادة لإرتكابه المحرم وسقوط العدالة.

٥- لا إشكال في كراهة مطلق السؤال من غير الله تعالى، وهذا المركوز في أذهان أصحاب النفوس الزاكية، وذوي الهمم العالية ويدل عليه:

-(محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه ‌السلام): يا محمّد، لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد احد)[10] .

-(قال الكليني: وروي عن لقمان أنّه قال لابنه: يا بني، ذقت الصبر وأكلت لحاء الشجر فلم أجد شيئاً هو أمرّ من الفقر، فإن بليت به يوماً فلا تظهر الناس عليه فيستهينوك ولا ينفعوك بشيء، ارجع إلى الذي ابتلاك به فهو أقدر على فرجك وسله فمن ذا الذي سأله فلم يعطه؟ أو وثق به فلم ينجه؟)[11] .

 


logo