« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي
بحث الفقه

46/10/11

بسم الله الرحمن الرحيم

 كتاب الشهادات.

الموضوع: كتاب الشهادات.

القول: في صفات الشهود.

تابع السادس: ارتفاع التهمة لا مطلقاً، بل الحاصلة من أسباب خاصّة، وهي امور:

منها: أن يجرّ بشهادته نفعاً له -عيناً أو منفعة أو حقّاً- كالشريك فيما هو شريك فيه، وأمّا في غيره فتقبل شهادته. وصاحب الدين إذا شهد للمحجور عليه بمال يتعلّق دينه به، بخلاف غير المحجور عليه، وبخلاف مال لم يتعلّق حجره به. والوصيّ والوكيل إذا كان لهما زيادة أجر بزيادة المال، بل وكذا فيما كان لهما الولاية عليه وكانا مدّعيين بحقّ ولايتهما، وأمّا عدم القبول مطلقاً منهما ففيه تأمّل. وكشهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه له الشفعة، إلى غير ذلك من موارد جرّ النفع[1] .

وهذا العنوان مأخوذ من صحيح أبان:

-(محمّد بن عليِّ بن الحسين بإسناده عن فضالة، عن أبان، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه، قال: تجوز شهادته إلاّ في شيء له فيه نصيب)[2] .

وعلي أي حال، فإن ما يخفف الأمر، ويهون الخطب والنزاع هو ان المعنونين لهذا الشرط ب (إرتفاع التهمة) قالوا: لا مطلقاً، فالشريك مثلا المردودة شهادته، إنما في خصوص ما هو شريك فيه، وليس مطلق الشراكة بين الشاهد والمشهود له، وصاحب الدين فإن شهادته ترد فيما إذا شهد للمحجور عليه بمال يتعلق دينه به، لا مطلقاً، كما لو كان في مال لم يتعلق حجره به، وهكذا الوصي والوكيل إذا كان لهما زيادة أجر بزيادة المال وهكذا في موارد جر النفع لا مطلقا.

هذا، ويمكن الإستدلال على هذا الشرط (إرتفاع التهمة) بجملة من الأخبار مضافا إلى الإجماع.

ومن الروايات موثقة سماعة:

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عمّا يردّ من الشهود؟ قال: المريب، والخصم، والشريك، ودافع مغرم، والأجير، والعبد، والتابع، والمتّهم، كلُّ هؤلاء تردّ شهاداتهم)[3] ،

والظاهر ان موثقة سماعة أن شهادة الشريك مردودة عندما يكون شريكا بما يشهد به من المال، بقرينة الروايات الأخرى ممن ترد شهادته، وإما في غير مال الشركة فلا مانع من قبولها كما في صحيحة أبان على طريق الشيخ الصدوق (قده)، ومرسلة على طريق الشيخ (قده).

-(محمّد بن عليِّ بن الحسين بإسناده عن فضالة، عن أبان، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه، قال: تجوز شهادته إلاّ في شيء له فيه نصيب)[4] .

-(عن القاسم، عن أبان، عن عبد الرحمن، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء ادَّعى واحد وشهد الاثنان، قال: يجوز)[5] .

وأما رواية أبان الثانية التي تجيز شهادة الشريك، فهي محمولة على غير مال الشركة.

ومنها رواية الحلبي:

-(محمّد بن عليِّ بن الحسين بإسناده عن عبيدالله بن عليّ الحلبي، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عما يردّ من الشهود؟ فقال: الظنين، والمتّهم، والخصم، قال: قلت: فالفاسق والخائن؟ فقال: هذا يدخل في الظنين)[6] .

وأما الوصي والوكيل، فإذا كان لهما زيادة أجر بزيادة المال، فلا تقبل شهادتهما لجرهما النفع بذلك، بل قال أيضا سيدنا (قده) في متنه: (بل وكذا فيما كان لهما الولاية عليه وكانا مدعيين بحق ولايتهما).

وذلك لوضوح أنهما حينئذ يكونا قد شهدا بما فيه نصيب لهما فلا تقبل شهادتهما لذلك وكشهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه له الشفعة إلى غير ذلك من موارد جر النفع، وهذا ما هو ظاهر صحيحة الصفار (قده):

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى قال: كتب محمّد ابن الحسن _يعني الصفّار_ إلى أبي محمّد (عليه السلام): هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع: إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين، وكتب: أيجوز للوصيّ أن يشهد لوارث الميّت صغيراً أو كبيراً (وهو القابض للصغير) وليس للكبير بقابض؟ فوقّع (عليه السلام): نعم، وينبغي للوصيّ أن يشهد بالحقّ ولا يكتم الشهادة، وكتب: أو تقبل شهادة الوصيّ على الميّت مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع: نعم من بعد يمين)[7] .

وهذه الرواية واضحة في عدم الإعتداد بشهادة الوصي وإلا فلا حاجة إلى ضم اليمين إلى شهادة رجل آخر.

اللهم إلا أن يقال كما مر معنا من عدم القبول هنا ليس من جهة كونه وصياً، وإنما من جهة أنها شهادة على الميت بالدين ولذلك نجد بعض الروايات في المقام تشير إلى (لا ندري لعله قد اوفاه ببينة لا نعلم موضعها، أو غير بينة قبل الموت) كما في رواية عبدالرحمن:

-(محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن ياسين الضرير، عن عبد الرحمن ابن أبي عبد الله، قال: قلت للشيخ (عليه السلام): خبّرني عن الرجل يدَّعي قبل الرجل الحقَّ، (فلم تكن) له بيّنة بما له، قال: فيمين المدَّعى عليه، فإن حلف فلا حقّ له، (وإن ردّ اليمين على المدّعي فلم يحلف، فلا حقَّ له( (وإن لم يحلف فعليه) وإن كان المطلوب بالحقّ قد مات، فاُقيمت عليه البيّنة، فعلى المدّعي اليمين بالله الّذي لا إله إلاّ هو، لقد مات فلان، وأنَّ حقّه لعليه، فان حلف، وإلاّ فلا حقَّ له، لأنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه ببيّنة لا نعلم موضعها، أو غير بيّنة قبل الموت، فمن ثمَّ صارت عليه اليمين مع البينة، فإن ادّعى بلا بيّنة فلا حقَّ له، لأنَّ المدّعى عليه ليس بحيّ، ولو كان حيّاً لاُلزم اليمين، أو الحقّ، أو يردّ اليمين عليه، فمن ثمَّ لم يثبت الحقّ)[8] .

وأما قول سيدنا (قده): (وأما عدم القبول مطلقا منهما ففيه تأمل)، وذلك لعدم كونهما مورد للريبة دائما، وليس لهما نصيب في بعض الموارد، وعليه يمكن أن نقول بأن الملاك في عدم القبول هو كون الشاهد مدعيا في الواقع، وطرفا للدعوى في أمثال المذكورين في متن المسألة، وعندئذ نقول بعدم رد الشهادة لمجرد مطلق حصول المنفعة المتأتية من الشهادة.

 


logo