46/07/30
كتاب الشهادات.
الموضوع: كتاب الشهادات.
القول: في صفات الشهود.
الرابع: العدالة، وهي الملكة الرادعة عن معصية اللَّه تعالى. فلا تقبل شهادة الفاسق، وهو المرتكب للكبيرة أو المصرّ على الصغيرة، بل المرتكب للصغيرة على الأحوط إن لم يكن الأقوى، فلا تقبل شهادة مرتكب الصغيرة إلّا مع التوبة وظهور العدالة[1] .
بداية، لا بد من تفصيل المسألة بالعناوين التالية:
١ - تحديد معنى العدالة، وهل لها حقيقة شرعية؟.
٢ - بين الكبيرة والصغيرة.
٣ - المنشأ لإصطلاح مشهور الفقهاء من أنها (ملكة).
٤ - بماذا تعرف العدالة خارجا؟.
٥ - الدليل على عدم قبول شهادة الفاسق.
أما اولًا: فإنه بالعدالة تبنى الأوطان، تعمر البلدان، ويعيش الإنسان براحة وأمان، وبها يعلو الحق ويدحض الظلم والبطلان، ولولاها لإندرست الشرائع، وبطلت الأحكام.
يدل على إشتراط العدالة في الشاهد الآيات الكريمة:
١ - الواردة في العصبة:
﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ﴾.[2]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)[3] .
﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾[4] .
٢- الإجماع بقسميه.
الروايات:
-(محمّد بن عليِّ بن الحسين بإسناده عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف، (وكفِّ البطن) والفرج واليد واللسان، ويعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر، والزنا، والربا، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وغير ذلك، والدلالة على ذلك كلّه (أن يكون ساتراً) لجميع عيوبه، حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ، وحفظ مواقتيهنّ بحضور جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلاّهم إلاّ من علّة، فاذا كان كذلك لازماً لمصلاّه عند حضور الصلوات الخمس، فاذا سئل عنه في قبيله ومحلّته قالوا: ما رأينا منه إلاّ خيراً، مواظباً على الصلوات، متعاهداً لأوقاتها في مصلاّه، فانَّ ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين، وذلك أنَّ الصلاة ستر وكفّارة للذنوب، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلّي إذا كان لا يحضر مصلاّه ويتعاهد جماعة المسلمين، وإنّما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلّي ممّن لا يصلّي، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممّن يضيع، ولولا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح، لأنَّ من لا يصلّي لا صلاح له بين المسلمين، فان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) همَّ بأن يحرق قوماً في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، وقد كان فيهم من يصلّي في بيته فلم يقبل منه ذلك، وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جرى الحكم من الله عزَّ وجلَّ ومن رسوله (صلّى الله عليه وآله) فيه الحرق في جوف بيته بالنار، وقد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلاّ من علّة)[5] .
ويعرف من خلال سؤال السائل عن كيفية معرفة العدالة بأن المرتكز عند الناس إشتراط العدالة ولكن السؤال عن معرفتها خارجا، لا عن أصل إشتراطها، ولذلك لا نرى الكثير من الروايات على إشتراط العدالة في الشاهد.
ومن الواضح أن العدالة ليست من الحقائق الشرعية، بل مردها إلى المعنى اللغوي العرفي وهو الاستواء الاستقامة غاية ما في الأمر أن الشارع قد رتب عليها الآثار لكونها موضوعا للأحكام الشرعية ومعنى العدالة على أقوال فمنهم من قال: أنها الاسلام مع عدم إظهار الفسق، ومنهم قال: هي ملكة راسخة في النفس باعثة على ملازمة التقوى، ومنهم من قال: الستر والعفاف، ومنهم من قال: أنها تتحقق بترك الكبائر مع عدم الاصرار على الصغائر وسيأتي ما هو الأقوى في طي الكلام.
وأما القضية الثانية:
فإنه من الواضح أن المحرمات على قسمين:
أ - كبيرة.
ب - صغيرة.
قد اختلف الفقهاء كثيرا في عد الكبائر من المحرمات فمنهم من جعلها سبعة، ومنهم تسعة، وهكذا إلى أن وصلوا حديثا لما يزيد على الستين كما في بعض الرسائل العملية للفقهاء (أعلى الله مقامهم) وربما يندرج بعضها تحت مفهوم البعض الآخر، فهي من قبيل التفريع والتفصيل.
وقد تسالم الفقهاء (اعلى الله مقامهم) عليه استنادا إلى بعض الروايات عنهم (عليهم السلام) أن الكبائر هي التي أوعد الله عليها النار، كالقتل والزنا، وغصب الأموال بغير حق، وشرب الخمر، والربا، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف وغيرها.
والباقي هي من الصغائر، وهي التي لا يخلو منها الناس إلا قليلا كسقطات اللسان، وأكل اللقمة المتنجسة، والجلوس إلى مائدة عليها الطعام أو الشراب المحرم، ولبس الخاتم الذهب، والشرب من آنية الذهب والفضة، وغير ذلك.
وذهب المشهور إلى ان العادل هو الذي يترك المحرمات بقسميها الكبيرة وعدم الإصرار على الصغيرة، لأن الإصرار عليها يحولها إلى كبيرة، كما أن الكبيرة تغتفر بالاستغفار، والصغيرة مع عدم الاصرار عليها فإنها مغفورة وذلك للآية الكريمة:
﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴿32﴾[6] .
ولرواية ابن سنان:
-(عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن محمّد النهيكي، عن عمار بن مروان القندي، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا صغيرة مع الإِصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار)[7] .
ويمكن الإستفادة من كلام الإمام (عليه السلام) هنا، بأنه لا حاجة إلى الإستغفار من الصغيرة مع عدم الاصرار عليها، فإن إجتناب الكبائر تكفير عن إرتكاب الصغائر مع عدم الاصرار عليها، وعليه يكفي إجتناب الكبائر من الذنوب وبذلك تصح شهادته ويمكن الاستدلال على ذلك بروايات عديدة تعتبر عدم الفسق كاف للحكم بعدالته من جهة كما في:
-(عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن ابن عرفة، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: إنّ لله عزّ وجلّ في كلّ يوم وليلة منادياً ينادي: مهلاً مهلاً عباد الله عن معاصي الله، فلولا بهائم رتّع، وصبية رضّع، وشيوخ ركّع لصب عليكم العذاب صبّاً ترضّون به رضّاً)[8] .
-(محمّد بن علي بن الحسين قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): قال الله جلّ جلاله: أيما عبد أطاعني لم أكله إلى غيري، وأيّما عبد عصاني وكلته إلى نفسه ثمّ لم أُبال في أيّ واد هلك)[9] .
أو عن من صلى الصلوات الخمس كما في:
-)في (الأمالي) عن جعفر بن محمّد بن مسرور، عن الحسين بن محمّد بن عامر، عن عمّه عبد الله بن عامر، عن محمّد بن زياد الأزدي ـ يعني: ابن أبي عمير ـ، عن إبراهيم بن زياد الكرخي، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) قال: من صلّى خمس صلوات في اليوم والليلة في جماعة فظنّوا به خيراً، وأجيزوا شهادته)[10] .
أو من حسن ظاهره كما في:
-(في (الخصال) عن أحمد بن إبراهيم بن بكر، عن زيد ابن محمّد، عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدَّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت اخوّته، وحرمت غيبته)[11] .
-(عن عليِّ بن موسى الكُمنذاني، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاث من كنَّ فيه أوجبت له أربعاً على الناس: من إذا حدَّثهم لم يكذبهم، وإذا وعدهم لم يخلفهم، وإذا خالطهم لم يظلمهم: وجب أن يظهروا في الناس عدالته، وتظهر فيهم مروءته، وأن تحرم عليهم غيبته، وأن تجب عليهم اخوّته)[12] .
أو من لم يعرف شهادة الزور كما في:
-(محمّد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب الخرّاز، عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران، فقال: إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور اُجيزت شهادتهم جميعاً، واُقيم الحدّ على الّذي شهدوا عليه، إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا، وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم، إلاّ أن يكونوا معروفين بالفسق)[13] .
ولذلك ذهب جمع من الفقهاء، (أعلى الله مقامهم) إلى كفايه مطلق الصدق وإن لم يكن عادلا من جهة أخرى، ومنهم المحقق الاصفهاني(قده) ناقلا لها عن شيخه صاحب الكفاية(قده) ولكن هذه الروايات بعضها ضعيف والبعض الآخر محمول أو مؤول وهي على خلاف ظاهر الأدلة المتقدمة مع مخالفتها للإجماع والسيرة.