الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي
بحث الفقه
45/09/28
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب القضاء.
الموضوع: كتاب القضاء.
القول: في أحكام اليد.
مسألة (4): لا فرق فيما ذكرناه بين حقوق اللَّه تعالى وحقوق الناس، إلّا في الثبوت بالبيّنة، فإنّ الإنفاذ بها فيها محلّ إشكال والأشبه عدمه[1] .
نعم لا فرق في وجوب تنفيذ حكم الحاكم الأوّل من الحاكم الثاني (القاضي التنفيذي) في كل الحقوق سواءٌ أكانت في حقوق الله تعالى أم في حقوق الناس، وذلك لعموم الدليل الشامل لهما.
ولكن فيما لو كان الثبوت بالبيّنة فالانفاذ بها فيها محل إشكال، بل منع، وذلك لدعوى الإجماع من أكثر من واحد كما في السرائر لإبن إدريس حيث قال: (ولا يقبل عندنا كتاب قاض، إلى قاض، بغير خلاف بيننا، وإجماعنا منعقد على ذلك، وما يرويه المخالف في ذلك، فكله أخبار آحاد، لا يلتفت إليها، ولا يعرج عليها، لأنّ العمل يجب أن يكون تابعا للعلم، ولا علم في ذلك، ولا دلالة عليه.
وإذا كتب الكتاب، فأدرجه، وختمه ثم استدعى بهما، فقال: هذا كتابي، قد أشهدتكما على نفسي بما فيه، لم يصح، ولا يصح هذا التحمل، ولا العمل عليه، وكذلك ان قرأه عليهما، عندنا لما قدمناه، فهذا فرع يسقط عنا)[2] .
وفي تحرير الأحكام للعلامة حيث قال: (الثامن: أجمع علماؤنا على أنّه لا اعتبار بكتاب قاض إلى قاض، ولا يجوز العمل به، أمّا إذا حكم الحاكم، وشهد بحكمه عدلان، وحضرا الخصومة وكيفيّة الحكم، وأشهدهما على حكمه، ثمّ أقاما البيّنة عند حاكم آخر، ثبت ذلك الحكم عند المشهود عنده وأنفذ الثاني ما ثبت عنده، لا أنّه يحكم بصحّة الحكم في نفس الأمر، وإنّما يمضي ما حكم به الأوّل لتنقطع الخصومة)[3] ،
وكشف اللثام حيث قال: (الفصل الثالث في كتاب قاضٍ إلى قاضٍ لا عبرة عندنا بالكتاب إجماعاً كما في الخلاف والسرائر سواء كان مختوماً أو لا، وسواء قال القاضي لشاهدي الإنهاء: أشهدتكما على أنّ ما في هذا الكتاب خطّي أو لا ويدلّ عليه الاعتبار، لأنّ الحكم لا بدّ من أن يناط بالعلم أو الظنّ الشرعي و ليس في المكتوب شيء من ذلك، و قول الباقر (عليه السلام) في خبري السكوني و طلحة بن زيد: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان لا يجيز كتاب قاض في حدّ و لا غيره حتّى وليت بنو اميّة فأجازوا بالبيّنات. قال في المختلف: وهذان الراويان و إن كان ضعيفين، إلّا أنّ الرواية من المشاهير فلا اعتبار حينئذٍ بالطعن في الراوي)[4] ،
رياض المسائل حيث قال: (لا) يجوز أن (يحكم الحاكم بإخبار حاكم آخر) أي لا يمضي ولا ينفذ حكمه في واقعة إذا أنهاه إليه بإخباره (ولا بالبيّنة) (بثبوت الحكم) المزبور (عند غيره) وهو الحاكم الآخر. ولو اكتفى بالضمير وأسقط المضاف كان أخصر وأوضح. ولا بكتابة إليه مطلقاً، إجماعاً في الثلاثة لو كان المحكوم به شيئاً من حقوق الله سبحانه؛ لبنائها على التخفيف؛ ولزوم درئها بالشبهة؛ وعدم ثبوتها بالإقرار ولو في الجملة. وكذا لو كان من حقوق الناس في الإنهاء بالكتابة، بلا خلاف أجده إلاّ من الإسكافي، فأوجب الإنفاذ بها على الحاكم الثاني. وهو شاذّ، بل على خلافه الإجماع في كثير من الكتب كالسرائر والتحرير والمختلف والقواعد وغيرها من كتب الأصحاب، وهو الحجة)[5] .
وهو ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قده) حيث قال: (وعلى كل حال (إذا عرفت هذا ف) اعلم أن (العمل بذلك مقصور على حقوق الناس دون الحدود وغيرها من حقوق الله) تعالى بلا خلاف أجده فيه، بل حكى الإجماع عليه غير واحد، بل قد يشهد له التتبع، وهو حجة لا ما ذكروه من درء الحدود بالشبهات التي لا محل لها بعد قيام البينات اللهم إلا أن يقال: إن الشبهة حاصلة للحاكم الآخر حتى لو سمع إنشاء حكمه فضلا عن الشهادة به، فلا يشرع قضاء التنفيذ في الحد، للشبهة التي يسقط بها الحد المبني على التخفيف، ولكن إن لم يكن إجماع فللنظر فيه مجال)[6] .