< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محمد‌تقي الشهيدي

44/08/06

بسم الله الرحمن الرحیم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الدرس: 69 الأستاذ: الشيخ محمد تقي الشهيدي =

موضوع: حمل المطلق على المقيّد/ المطلق والمقيد/ الدرس: الأصول

التاريخ: الإثنين، 6 شعبان المعظم، 1444 ه

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

 

كان الكلام بأنّه إذا كان الخطاب مجملاً:

فإن كان المراد الاستعماليّ له مردّداً بين معنيين كلٌّ منهما مُحتمل الصدق:

فإن كان بين المعنيين قدر متيقن بأن كانت النسبة بينهما الأقل والأكثر يُؤخذ بالمقدار المتيقن.

وإن كان مردداً بين متباينين فيُشكل ذلك حجّة إجمالية، كأن قال: "أكرم زيداً" وتردد بين زيد بن عمرو وزيد بن بكر، فيجب الاحتياط بإكراهما معاً.

إنما الكلام والإشكال فيما إذا دار الأمر المراد الاستعمالي بين معنيين: أحدهما مقطوع الكذب أو مُبتلى بالمعارض:

كما لو قال المولى "أكرم زيداً" أو ورد خبر ثقةٍ نقل عن المولى أنّه قال "أكرم زيدا" ودار أمر زيدٍ بين كونه زيد بن عمرو الذي يُحتمل وجوب إكرامه وبين زيد بن بكر الذي نقطع بأنّ المولى لا يأمر بإكرامه أبداً، أو أنّه قد ورد في خطابٍ آخر "لا تكرم زيد بن بكر".

فالمشهور: على حمل الخطاب المجمل على المعنى الأول المحتمل الصدق.

ولكن نحن: لم نُحرز بناء العقلاء على ذلك؛ فلو أنّ ثقةً أشار إلى إناءٍ ولم ندري هل أشار إلى الإناء الأبيض أو أشار إلى الإناء الأحمر؟ فقال: هذا الإناء نجس، ونحن نعلم بأنّه لو كان مُشيراً إلى الإناء الأحمر وأخبر عن كونه نجساً فقد أخطأ فإنّ الإناء الأحمر طاهر، أو نعلم بأنّه لو أشار إليه فقد أخبر ثقةٌ آخر بأنّ الإناء الأحمر طاهر. فيا تُرى: هل العرف يحمل إخبار هذا الثقة على أنّه قد أخبر بنجاسة الإناء الأبيض ويبني على نجاسته؟ من أين ذلك؟ ما دمنا نحتمل أنّ هذا الثقة أخطأ؛ أشار إلى الإناء الأحمر وأخبر عن كونه نجساً ولكنه أخطأ أو تعارض خبره مع خبر الثقة الآخر.

إن قلت: إذا ورد في روايةٍ "أكرم زيدا" وورد في روايةٍ أخرى "لا تكرم زيد بن بكر" فلماذا لا نُطبّق عليه ضابط الجمع العرفي الذي ذكره المحقق النائيني حيث قال: نفرض اتصال هذين الخطابين ثم نرى هل العرف يرى بينهما جمعاً عرفياً أم لا؟ فإن رأى بينهما جمعاً عرفياً ففي فرض انفصالهما أيضاً يجمع بينهما كذلك، فهنا نقول: إن صدر أو إن أخبر ثقةٌ أنّ المولى قال "أكرم زيداً ولا تكرم زيد بن بكر" فلا نشكّ في أنّ المراد من زيد الأول هو زيد بن عمرو.

نقول: نفس الإتصال والعطف قرينة على كون المراد من زيدٍ الأول غير زيدٍ الثاني، والعطف لا يوجد بين خطابين منفصلين، وضابط المحقق النائيني ضابطٌ غالبيٌّ وإلا فقد يكون نفس الإتصال قرينة عرفية على تفسير مراد المولى.

وهكذا الأمر إذا كانت الروايتان مجملتين كما ورد في روايةٍ "الكرّ ألفاً ومائتا رطل" هكذا في مرسلة بن أبي عمير، وورد في روايةٍ أخرى "الكرُّ ستمائة رطل" كما ورد في صحيحية محمد بن مسلم، والرطل مجمل؛ لا يُعلم أنّ المراد به الرطل المكيّ أو الرطل العراقي الذي هو نصف الرطل المكيّ.

فقد يُقال: بأنّ العرف يجمع بينهما ويقول نحمل الخطاب الأول الذي يقول الكرّ ألفٌ ومائة رطل على الرطل العراقي ونحمل الخطاب الثاني الذي يقول الكرّ ستمائة رطل على الرطل المكيّ فيتوافقان؛ لأنّ ألف ومائتي رطل عراقي تساوي ستمائة رطل مكي.

يأتي فيه إشكالنا: من أنّه لم يُحرز بناء العقلاء على ذلك؛ فلعلّ المراد من الرطل فيهما واحد وهو الرطل العراقيّ مثلاً فيتعارضان، ولا دليل على لزوم حمل هذين الخطابين المجملين على معنىً يتصادقان فيه. نعم، لو علمنا بصدور الخطابين من الشارع وعلمنا بأنّ الشارع لم يكن في مقام التقية في أيّ من الخطابين فيتعيّن هذا الحمل، لكن ما دمنا نحتمل خطأ الراوي في هاتين الروايتين أو في إحداهما أو نحتمل صدور إحداهما عن التقية فلا دليل على هذا الحمل.

 

[كلام البحوث وجوابه]

في البحوث في الفقه والأصول ذكر قدس سره مطلباً مشتركا، ثمّ في الفقه ذكر مطلباً مختصّاً وفي الأصول ذكر مطلباً مختصّاً آخر:

أمّا المطلب المشترك بين بحوث الفقه وبحوث الأصول هو:

أنّ لكلٍّ من هاتين الروايتين لازمٌ يكون الخطابُ ظاهراً فيه؛ فقوله: "الكرّ ألفٌ ومائتا رطل" له لازمٌ، ما هو ذلك اللازم؟ لازم هذا الكلام الذي يقول "الكرّ ألفٌ ومائتا رطل" أنّ ما يقلّ عن ألفٍ ومائتي رطل عراقيٍّ ليس بكُر، لماذا؟ لأنّه سواءً كان المراد: الرطل العراقي أو المكي فما يقلّ عن ألفٍ ومائتي رطل عراقي فهو أقل من المراد الاستعماليّ من هذا الحديث، فهو ليس بكرّ. وما دلّ على أنّ الكر ستمائة رطل له لازمٌ، وهو: أنّ ما يبلغ ستمائة رطل مكيّ فهو كرٌّ لأنّه لو أريد من الرطل الرطل المكي فواضح أنّ ما يبلغ ستمائة رطل مكيّ فهو كرٌّ ولو أُريد ستمائة رطل عراقي فستمائة رطل مكيّ ضعفه فهو كرٌّ على أيّ تقدير، فأخذنا بظهور كلٍّ من هذين الحديثين، وتكون نتيجته كون حدّ الكر: ألف ومائتي رطل عراقي وستمائة رطل مكيّ.

الجواب عن ذلك في ضمن مثالٍ أذكره:

لو قال المولى "أكرم زيدا" ولا ندري: هل هو زيد بن عمرو أو زيد بن بكر والمولى لا يأمر بإكرام زيد بن بكر، ولكن لازم أيّ منهما أن يجب إكرام أستاذهما ولهما أستاذٍ مشترك، يدرسان عند عالمٍ، سواءً كان المراد من "أكرم زيداً":

- أكرم زيد بن عمرو فلازمه وجوب إكرام أستاذه بالأولويّة، هذا التلميذ يجب إكرامه فكيف بأستاذه؟

- وإن كان المراد منه إكرام زيد بن بكر فكذلك.

فلكلٍّ من المرادين الاستعماليّين لازمٌ مشترك وهو: وجوب إكرام أستاذهما.

فيا تُرى: هل العرف يأخذ بهذا الظهور المشترك بينما أنّ هذا اللازم المشترك تابع للمدلول المطابقي الذي على أحد الاحتمالين كاذبٌ قطعاً، أي لو كان المراد من "أكرم زيداً" زيد بن بكر فهذا الكلام إمّا لم يصدر من المولى أو صدر منه تقيةً. فأحد المدلولين المطابقين كاذبٌ، فكيف نقول بحجيّة اللازم المشترك بينه وبين المدلول المطابقيّ الآخر؟

تقولون: بناء العقلاء على ذلك؟!

نحن: لم نجزم به؛ ولعلّه لأجل ذلك ذكر شيخنا الأستاذ الشيخ التبريزي -رضوان الله عليه- أنّه لا تحديد بالوزن في الكرّ؛ لإجمال الخطاب.

 

أمّا المطلب المختصّ الذي ذكره السيد الصدر قدس سره في بحوثه في الفقه فهو قال:

إذا علمنا بعدم التقيّة في كلام المولى سواءً كان المراد من الكرّ ألفُ ومائتا رطل، الرطل المكي أو الرطل العراقي، فلم يصدر هذا الخطاب من الشارع عن تقيّةٍ فهنا لا نحتاج إلى أصالة الجدّ، وحيث لا نحتاج إلى أصالة الجدّ فمقتضى حجيّة خبر الثقة في هذين الخبرين "الكرُّ ألفٌ ومائتي رطل" وهكذا "الكرّ ستمائة رطل" فإنّه لا يحتمل فيه التقيّة أيضاً على أيّ تقدير، لازم حجيّة خبر الثقة فيهما أنّ نُصدّقهما في إخبارهما عن الإمام علیه السلام فكأنّنا سمعنا بآذاننا عن الإمام علیه السلام مرّةً " الكرُّ ألفٌ ومائتي رطل " ومرّةً أخرى "الكرّ ستمائة رطل" ولا نتحتمل التقية في أيّ منهما، فيتعيّن أن يكون المراد من كلّ منهما ما لا يخالف الآخر، فيُراد من الرطل في قوله "الكرُّ ألفٌ ومائتي رطل" على الرطل العراقي وفي قوله "الكرّ ستمائة رطل" على الرطل المكيّ.

ولكن إذا احتملنا التقيّة في هذين الحديثين أو في أحدهمما فلم يُحرز بناء العقلاء أوفقل لا تجري عند العقلاء أصالة الجدّ في كلامٍ يدورُ بين مرادٍ استعماليٍّ معلوم التقيّة ومرادٍ استعماليٍّ معلوم الجدّ. إن كان المراد من "الكرّ ألف ومائتا رطل": الرطل المكي فهو صادرٌ عن تقيّةٍ وإن كان المراد منه الرطل العراقي فهو صادرٌ عن جدٍّ، ليس بناء العقلاء على إجراء أصالة الجدّ في هذا الحديث وحمله على كون المراد منه الرطل العراقي الذي لا يكون صدوره عن تقيّةٍ.

في البحوث في الأصول قال قدس سره:

حتى في هذا الفرض لا مانع من إجراء أصالة الجدّ، في هذا الفرض الذي لا نحرز الجدّ في هذين الحديثين؛ لأنّ أصالة الجدّ من شؤون التكلّم، والتكلّم لا إجمال فيه، الكلام مجمل، أمّا كون هذا التكلّم ناشئاً عن الجدّ فهو ظاهر حال المتكلّم، هذا تكلّمٌ، فعلٌ يُسمّى بالتكلم، ظاهر حال المولى أنّه تكلم بداعي الجدّ وليست أصالة الجدّ منطبقةً على المدلول والمراد الاستعمالي كي نقول بأنّ أمره يدور بين معلوم التقيّة ومعلوم الجدّ، ولا وجه لحمل هذا الخطاب على كون المراد الاستعماليّ منه ما هو معلوم الجدّ، لا. مصبُّ أصالة الجدّ تكلّم المولى لا مدلول كلامه.

نقول: لا فرق بين الفرضين؛ ما دمنا نحتمل خطأ الراوي أو نحتمل صدور الحديث عن تقيةٍ، لم نحرز بناء العقلاء على حمل الكلام المجمل على مرادٍ استعماليٍّ صحيح. لو أخبرنا ثقة بأنّ الإمام علیه السلام قال "هشام رجل صالح" نقول: مراد الإمام هشام بن سالم لا هشام بن عبد الملك الحاكم الأموي؟! من أين؟ قد يكون مراد الإمام علیه السلام هشام بن عبد الملك وقد صدر منه هذا الكلام تقيّةً أو أنّ الإمام علیه السلام لم يقل هذا المطلب وإنّما أخطأ الراوي.

حجيّة خبر الثقة وأصالة الجدّ كِلاهما في موردٍ يكون الخطاب ظاهراً فيه، هنا نصدّق الخبر الثقة أو نُجري أصالة الجدّ في الكلام، وهكذا لو دار أمر الكلام بين مرادين استعماليّين كلّ منهما محتمل الصدق، وأمّا إذا كان أحدهما معلوم الكذب أو معلوم التقيّة فلا نُحرز بناء العقلاء على حجيّة خبر الثقة فيه أو على إجراء أصالة الجدّ فيه، وبذلك تمّ البحث حول المطلق والمقيّد والحمد لله ربّ العالمين.

سيأتي في الليلة القادمة البحث ونبدأ إن شاء الله بالبحث حول مباحث الحجج بعون الله وقوته، نسأل الله التوفيق والهداية، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo