< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/مبحث الأوامر/مبحث الضد

 

كان الكلام في شبهة الكعبي من ذهابه الى نفي المباح، طبعا مقصوده من نفي المباح ليس المباح ذاتا وطبعا وانما نفي المباح بحسب الحكم الفعلي ومر بنا امس الحكم الطبعي او الاقتضائي وما يقابل الحكم الفعلي او المطلق. مثل الماء يقال شربه حلال يعني بلحاظ الحلية الذاتية في مقابل الخمر وان كان الحكم الفعلي قد يكون حرمة لانه مغصوب او لسبب آخر. ففيه فرق بين الحكم الفعلي و الحكم الذاتي او الحيثي او الاقتضائي. فلابد ان يكون هذا المدعى من الكعبي من علماء الجمهور بلحاظ الحكم الفعلي لا الحكم الذاتي الطبعي والا بلحاظ الحكم الذاتي بلاشك هناك مباحات اكثر من الاحكام الإلزامية.

على كل لماذا لا يكون هناك حكم فعلي مباح؟ وانه اما واجب او حرام؟ يستدل بمقدمتين. الأولى ان ترك الحرام يحتاج الى الاشتغال بفعل مضاد له يمانع وجوده والثانية انه لا يكفي الاشتغال بالفعل الوجودي المضاد للحرام سابقا بل لابد من استمراره لان عدم الفعل الحرام أيضا ممكن من الممكنات ويحتاج الى سبب له على الاستمرار ولا يكفي السبب السابق. طبيعة الممكنات تحتاج الى سبب الحدوث وسبب البقاء ولا يكفي فيها سبب الحدوث فقط. فاذا الأفعال الوجودية المباحة المضادّة للحرام هي سبب لترك الحرام وعدم الحرام فلا بد من الاشتغال بالافعال الوجودية المضادة فاذا تجب للوجوب الغيري. فالحكم الفعلي للمباحات وجوب غيري مقدمة لترك الحرام. هذا لب استدلاله.

شبيه كلامه ربما يقال ورد في الروايات، ليكن للإنسان لكل عمل نية صالحة. بالتالي حتى الاعمال المباحة اذا نوى الانسان بها النية الراجحة فتكون عبادة وجهادا نظير الرواية الأخرى «سئل سائل عن الامام عن التوجه الى التجارة او كسب المال، فقال سلام الله عليه ماذا تريد به؟ قال اكف به وجهي عن السؤال واعيد به العيال.. وقال هذا هو الجهاد في سبيل الله» فالغاية من الأفعال المباحة اذا صارت راجحة فهي طلب للاخرة. فالغايات موجودة عندنا في الروايات لكن هذا لا يعني نفي المباحات. بل هي تكميل المباحات ليثاب به الانسان بدل ان تكون مباحة صرفا. فهذه الروايات غير دعوى الكعبي. دعواه الوجوب.

اشكل على هذه الدعوى أولا ان المقدمية انكرها الكثير وان لم ننكرها مطلقا وانما اثبتناها في الجملةو اشكال اخر ان الوجوب الغيري الشرعي غير مسلم في المقدمة والأكثر او الكثير لا يقر بالوجوب الغيري الشرعي وانما هي وجوب غيري عقلي. فاذا اشكل عليه بالنقطتين نقطة المقدمية ونقطة أخرى كون وجوبها وجوبا شرعيا. هذا كله حول الدليل الأول لان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده وهو المقدمية.

تحصل من هذا الدليل الأول انه في الجملة ان المقدمية موجودة في بعض الصور او بعض الحالات. فالتمانع موجود اما في الاضداد او تأثير مقتضيات الاضداد او في المقتضيات انفسها. اجمالا مر بنا ان المقدمية لا تنكر في الجملة ولكن كما مر انه ليس وجوبا غيريا. مر الالتزام بان المقدمة وجوب غيري شرعي تبعي وليس وجوبا غيريا اصليا. فالدليل الأول في الجملة لا بالجملة.

اما بقية الأدلة:

قبل الدخول في بقية الأدلة لابد من الالتفات الى هذه النقطة ان البحث عن الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده مر بنا ان بحث الضد ينقسم الى مقامين المقام الأول البحث عن الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده و المقام الثاني بحث التزاحم. هذا مبحث واحد تارة يعالج حكميا بالامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده وتارة يعالج بالقواعد العامة في التزاحم. لان المراد بالتزاحم هو التضاد بين الاحكام الإلزامية بين الحرمة والوجوب او بين الحرمة والحرمة او الوجوب والوجوب. لكن هذا المقام الثاني سيأتي

المقام الأول وهو ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ان البحث بالادلة المختلفة ليس منحصرا بالبحث عن ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده بل هذا المبحث في ان النهي عن الشيء يقتضي الامر بضده. يعني البحث ليس في الواجبات واضدادها بل البحث في النواهي والمحرمات واضدادها. هذا هو قول الكعبي اجمالا. فلو كان في البين نهي هل النهي بالشيء يقتضي الامر بضده ام لا؟ هل النهي النفسي يقتضي الامر التبعي ام لا؟ الكلام الكلام.

او تقول ان الامر النفسي الأصلي بالشيء يقتضي النهيي التبعي عن الشيء ام لا؟ كان المجعول اصالة هو الامر او هو النهي؟ هذه نقطة يجب الالتفات اليها في محل البحث. لابد ان تصدر في بداية البحث.

كذلك دليل المقدمية يجري في النهي واقتضائه الامر بضده نفس كلام الكعبي. ان كان الدليل هو المقدمية تكون الامر الشيء يقتضي الامر بمقدمته. بحث المقدمية بحث عن حكم مسانخ وفاقي ان النهي عن ذي المقدمة هل يقتضي النهي عن المقدمة ام لا؟ في بحث المقدمة لم يكن البحث في خصوص الوجوب بل يشمل الحرمة او الكراهة او الاستحباب. لكن الكلام في المقدمة بحث عن حكم وفاقي. لكن البحث هنا عن حكم معاكس مؤداه موافق. الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده. النهي عن الضد موافق في النتيجة مع الامر بالشيء. هو متنا مباين الامر والنهي. لكن النهي عن ضده فيتوافق معه في الأثر. فهنا مسألة الضد بحث عن حكم مباين موافق في الأثر. هناك في بحث المقدمة كان البحث في ان الامر بالشيء يقتضي الامر بمقدمته وأيضا موافق لكن الموافق بنحو المقدمية. هذا البحث نهي عن الاضداد المانعات. فهو بحث عن حكم موافق في الأثر والنتيجة. النهي اذا كان اصالة عن شيء يقتضي الامر عن ضده ويوافق في النتيجة. هذه كلها بحوث عن حكم مجعول اصالة انه ما هي تداعياته؟ تداعياته بلحاظ المقدمة وتداعياته بلحاظ الاضداد. بالدقة هذه صورة البحث في كل بحث المقدمة وكل بحث الضد.

النقطة الثالثة: هذه نقاط مهمة وجوهر البحث ذكرها الاعلام. المراد من الوجوب هو الحكم التبعي. الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده هو النهي التبعي.او النهي بالشيء يقتضي الامر بضده وهو الامر التبعي. الحكم التبعي أيا ما كان ليس حصرا ينحصر بالحكم الغيري. وان ظهر من كلام النائيني او السيد الخوئي لكن المفروض انه ليس مرادهم النهائي. كلام الاعلام اعم. الحكم التبعي سواء كان غيريا او نفسيا ليس مختصا بالحكم الغيري. قد يكون غيريا وقد يكون نفسيا. تراجعون كلام النائيني في المقام او السيد الخوئي ظاهرهما يوهم حصره في الغيري والحال انه ليس كذلك. اذا التبعي اعم من النفسي او الغيري.

نقطة أخرى مكملة لهذه النقطة الثالثة: البحث في التبعي شرعي لكن شرعي مجعول بالتبع. لا انه عقلي.المدرك له العقل.

تستدعي هذه النقطة الرابعة توضيح ضابطة أصولية مهمة جدا. هذه الضابطة الأصولية ما مختصة بالبحث لكن لابد من توضيحه. الضابطة الأصولية عندما يذكر الاصوليون مثلا يذكرون نتائج او احكام يذكره الاصوليون ينسبونها الى العقل. ما مقصودهم؟ ليس بالضروري ان يكون مقصودهم ان الحكم والنتيجة متنا عقلية. ينسبون الى العقل يعني ان المدرك له العقل. يحكم به العقل. غير الحكم العقلي في المقدمة. في المقدمة الحكم عقلي ان العقل يحكم ان اللازم الاتيان بها. لكن المراد هنا ان العقل يدرك الحكم الشرعي. ففي المقدمة وحكم المقدمة هناك حكم عقلي يلزم بالمقدمة فهو حكم عقلي متنا وادراكا. وهناك حكم عقلي للوجوب الغيري الشرعي يعني يدركه العقل لكن متن المدرك شرعي. فلما يقال الحكم العقلي فيستعمل عند الأصوليين بمعنيين. معنى انه إدراكا ومتنا عقلي فهذا مثل اللزوم العقل للمقدمة وتارة المراد ادراك العقل لا متن الحكم. هذه ضابطة مهمة. ليس كل ما قالوا الحكم العقلي يعني متن الحكم عقلي بل مقصودهم ادراك الحكم بالعقل.

مثل ما يقولون ان انحلال الحكم الكلي الطبيعي بالعقل. مثل اقيموا الصلاة لدلوك الشمس. هذا حكم شرعي كلي طبيعي. ينحل الى أيام عمر الانسان. هذا انحلال عقل يحكم به العقل. البعض يظنون ان الأصوليين عندما يعبرون انه انحلال بحكم العقل يعني وجوب الصلاة لهذا اليوم ليس وجوبا شرعيا بل وجوب عقلي. هذا خطأ. ليس مراد الأصوليين. عندما يقولون الانحلال العقلي يعني يدركه العقل. هذا التكثر في وجوب الصلاة يدركه العقل لا انه المتكثر هو العقلي بل المتكثر هو شرعي ومتن الحكم شرعي. انما المدرك هو العقل. فالمقصود من انحلال العقلي بحكم العقل يعني بادراك العقل لا يعني متن الحكم. هذا تعبير مستعمل كثيرا عند الأصوليين والفقهاء.

نعم تارة الادراك عقلي ومتن الحكم أيضا عقلي. كما ان الذين نفوا الوجوب الشرعي الغيري للمقدمة قالوا نقر بوجود حكم عقلي متنا وادراكا. فاذا استعمال الأصوليين والفقهاء للحكم العقلي بمعنيين تارة بمعنى الادراك فقط وتارة بمعنى الادراك ومتن المدرك.

لها امثلة كثيرة وتسبب اشتباه كثير حتى عند الاكابر وهذه ضابطة

النقطة الرابعة: الحكم التبعي. في النقطة الثالثة مر بنا انه اعم من الحكم النفسي والغيري. النقطة الرابعة مرادهم من الحكم التبعي مر بنا اما تبعي في عالم الدلالة او التبعي في عالم الثبوت. هنا ليس المراد التبعي في عالم الدلالة لان التبعي في عالم الدلالة كثيرا ما مجعول بالاصالة. تبعي بالدلالة يعني الدلالة الالتزامية ومدلول التزامية وهي كثيرا ما مجعول بالاصالة بل متقدم ثبوتا. مثل مفاد الصحة المستفاد من آية «اوفوا بالعقود» المفاد المطابقي لها هو اللزوم وبالدلالة الالتزامية لابد ان تكون العقود صحيحة ليلزم بها الشارع. هذا المفاد متقدم ثبوتا لكن اثباتا متأخر. هنا التقسيم للحكم الأصلي والتبعي ليس بلحاظ الدلالة. بل بلحاظ الثبوت.

النقطة الخامسة التابعة للثالثة والرابعة: بحث مهم انه قسم من الاحكام الشرعية لا هو موجود ولا هو معدوم. بين الموجود واللاموجود. من ثم يجب الالتفات اليه والتعرف عليه اكثر. المقصود من التبعي الثبوتي في اقسام الحكم المقابل للاصلي ما هو؟ يقولون المقصود من الحكم التبعي او اذا قيل عقلي لابد ان يتنبه الاخوان يعني يدركه العقل لا انه يحكم به العقل. لا انه عنوان مجعول عقلي بل جعل شرعي منتزع مثل عنوان الجزئية. امس مر بنا هذه النقطة معنى احكام العقل مثل تقسيم الجسم الى أجزاء لا يدركها الحس العادي بل يدركه العقل. العقل هو رؤية مسلحة والعقل لما يدرك الأجزاء ليس المقصود انها أجزاء عقلية بل أجزاء تكوينية خارجية. لكن المدرك لها العقل. ليس مقصودهم الأجزاء العقلية في الماهية. حتى الأجزاء العقلية في الماهية تكوينية يدركها العقل. اذا اصطلاح المناطقة والفلاسفة ان الأجزاء عقلية ليس مقصودهم ليست خارجية. خارجية لكن يدركها العقل. او اذا لم تكن خارجية وتكون ماهوية. ليس بمعنى ان العقل يكونها بل العقل يدركها. موجود لكن لا يدركها الا العقل. كما ان الجزئية يحكم بها العقل يعني يدركها لا انه ينشأها ويكوّنها. فيقال المجعول بالجزئية حكم عقلي لا يعني انه ينشأها العقل بل يدركها العقل. هذه اربع نقاط والنقطة الخامسة لب بحث الحكم التبعي وما وصلنا اليه. وان شاء الله نواصلها في الجلسة اللاحقة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo